728 x 90

تدريس علوم اللغة: ملاحظات منهجية ومراجعات نقدية د: عبدالله شكربة

تدريس علوم اللغة: ملاحظات منهجية ومراجعات نقدية  د: عبدالله شكربة

تدريس علوم اللغة: ملاحظات منهجية ومراجعات نقدية

د: عبدالله شكربة

تقديم:

يتميز درس علوم اللغة عموما بأنه يمنح المتعلم قدرة التوظيف البليغ (نحويا واملائيا وتعبيريا) للغة، ولذلك يمكن أن نصف درس علوم اللغة بالإجرائي، ذلك أنه يقدم للمتعلم خطوات عملية لتوظيف اللغة.

لا يخرج درس علوم اللغة في المرحلة المدرسية عموما عن الدراسة العملية للغة من خلال استحضار علوم اللغة العربية الكبرى كالنحو، الصرف، البلاغة، علم العروض.

في هذا المقال سنناقش بعين ناقدة دروس علوم اللغة في السنة الثانية باكلوريا، في ضوء الملاحظات أعلاه، وسنعتمد على الكتاب المدرسي ” في رحاب اللغة العربية”.

يقدم الكتاب المدرسي”” في رحاب اللغة العربية” أربعة وعشرين درسا لغويا يتم توزيعها بالتساوي؛ اثنا عشر درسا لكل دورة، وهو ما نوضحه في الجدول التالي:

الجدول رقم 1 : دروس علوم اللغة في الكتاب المدرسي

الدورة الأولى الدورة الثانية
التوازي الخطاطة السردية 1
التكرار الخطاطة السردية 2
الصورة الشعرية مكوناتها 1 النموذج العاملي 1
الصورة الشعرية مكوناتها 2 النموذج العاملي 2
الصورة الشعرية وظيفتها 1 “أفعال الكلام 1”
الصورة الشعرية وظيفتها 2 “أفعال الكلام 2”
السطر الشعري الاتساق 1
المقطع الشعري الاتساق 2
الوقفة العروضية والدلالية الانسجام 1
“شعرية اللغة” الانسجام 2
الرمز أساليب الحجاج 1
الأسطورة أساليب الحجاج 2

 

هناك جملة من الملاحظات التي يمكن إبداؤها حول الجدول أعلاه:

  • هناك ثلاثة دروس ثم حذفها في التوجيهات التربوية لسنة 2007: هم شعرية اللغة وأفعال الكلام 1 وأفعال الكلام 2.
  • لا تتمتع دروس علوم اللغة في السنة الثانية باكلوريا بالاستقلالية الذاتية في المراقبة المستمرة مثل باقي السنوات، بل تتميز سنة الباكلوريا باعتمادها على مكونين فقط هما النصوص( 14ن) والمؤلفات (6ن) ويتم استثمار درس التعبير والإنشاء ودرس علوم اللغة في تحليل النصوص.
  • اعتماد المقرر الدراسي في المراقبة المستمرة على مكونين يقتضي من المشرع أن يكون أكثر دقة في اختيار نوعية الدروس وحجمها وعددها.
  • في الكتاب المدرسي يجنح الكتاب الى التجزيء، حيث يعمد المقرر الى تقسيم عدد من الدروس إلى مرحلتين تركز كل مرحلة على معلومات معينة.
  • أكاد أجزم أن معظم هذه التقسيمات لم يكن المشرع موفقا فيها، ذلك أنها فقط أعطتنا غلافا زمنيا مضاعفا كان يمكن الاقتصاد فيه؛ فقد خصص لدرس الصورة الشعرية أربعة دروس كان الأفضل دمجها في درسين، كما خصص ثلاثة دروس للسطر الشعري والمقطع الشعري والوقفة العروضية والدلالية وهو ما يمكن الاقتصار عليه في درس واحد وسمناه بمصطلحات لغوية ( السطر الشعري، المقطع الشعري، الوقفة العروضية والدلالية)، وعلى هذا النحو سار المقرر الدراسي حيث عمد إلى تقسيم كل درس الى قسمين دون الحاجة الى ذلك في الكثير من الدروس؛ وهو ما نحاول تتبعه في هذا المقال ورصد مكامن الخلل فيه وتقديم البدائل الممكنة وفق ما يلي:

أولا: درس الصورة

تناول درس علوم اللغة الخاص بالصورة الشعرية محورين أساسيين هما:  مكونات الصورة وخص المحور الثاني لوظائفها.

في المحور الأول الذي قسمه المشرع الى درسين؛ ركز في الدرس الأول على تعريف الصورة الشعرية وتقديم جزء من مكوناتها التي وسمها باللغة والعاطفة والخيال، ثم اقترح أشكال الصورة الشعرية التي حددها في التشخيص والتجسيد والتجريد والمشابهة، وختم الدرس بأنواع الصورة الشعرية؛ والتي هي الصورة المفردة، الصورة الكلية، الصورة المركبة.

في الدرس الثاني تناول مكونات الصورة التي عددها في التشبيه والاستعارة.

في التراث العربي نجد علم البيان يركز على أربعة عناصر هم التشبيه، والاستعارة، والمجاز والكناية، هذه العناصر سبق ودرسها المتعلم في المستويات السابقة، فلو ركز المقرر على هذه العناصر لكان أفيد للمتعلم وأكثر مردودية، خاصة أن هذا الأخير يطلب منه استثمار الصورة الشعرية وتفكيكها والتعرف على مكوناتها، واذا كانت اللغة والخيال هما تحصيل حاصل؛ ذلك أن الصورة الشعرية تركيب لغوي خرج عن معناه الأصلي، عن طريق الاستعمال غير المألوف للغة؛ هذا الاستعمال لا يتأتى إن لم  يكن الشاعر يتميز بذائقة لغوية جياشة وعاطفة مشبعة بالخيال.

إن الاكتفاء بمكونات الصورة الشعرية وفق علم البيان مع الاقتصار على مكون التشبيه والاستعارة دون الحديث عن أنواع الصورة الشعرية ( المفردة، المركبة، الكلية) كان مناسبا للمتعلم، وسيساعده في بناء تحليل لغوي متين، ولذلك لو ركز الدرس على مكونات الصورة وفق علم البيان وبين من خلال الأمثلة المناسبة الفرق بين الاستعارة والتشبيه، واستطاع المتعلم أن يميز بينهما ويوظفها في تحليله بشكل مناسب كنا ربحنا مدة زمنية وكسبنا تلميذا يفهم جوهر الشعر؛ فقد قيل ” الشعر ضرب من التصوير”.

في المحور الثاني الذي خصه لوظائف الصورة، حيث تناول الوظيفة النفسية والوظيفة التأثيرية في الدرس الأول، بينما الدرس الثاني خصه للوظيفة التخييلية التي سبق وتحدث عنها كمكون من مكونات الصورة الشعرية ( اللغة، العاطفة الخيال) ولذلك نرى أن الاكتفاء بدرس واحد يخصص للوظائف الثلاث كان أنسب.

ثانيا: درس مصطلحات لغوية

في هذا الدرس الذي نقترحه؛ (وهو بالمناسبة غير وارد في الكتاب بهذا الاسم) ندمج ثلاثة دروس في درس واحد هم السطر الشعري، المقطع الشعري، الوقفة العروضية والدلالية. نستند في الدمج والجمع الى تقارب المصطلحات اللغوية وانتمائهم الى نفس النمط الشعري( شعر التفعيلة) وترابط دلالتهم، كما أن حجم المعلومة الأساسية في كل درس بسيطة ويمكن تناولها في درس واحد؛ ذلك أن الأساسي عند المتعلم هو أن يعرف أن:

 السطر الشعري: هو مجموعة من التفعيلات التي لا تلتزم بعدد محدد.

 

المقطع الشعري:  هو عدد من الأسطر الشعرية المرتبطة بمعان متقاربة. تتكون القصيدة من مقاطع شعرية تشترك في التجربة الكلية للشاعر، ولذلك فإن تعددها يعبر عن تنوع التجربة الشعرية للشاعر.

الوقفة العروضية:  هو توقف مرتبط باكتمال الوزن ( أي اكتمال عدد التفعيلات في السطر)

الوقفة الدلالية: هو توقف مرتبط بتمام المعنى (أي تحقق الدلالة التي يريد الشاعر التعبير عنها).

إن هذه المعلومات الأساسية يمكن أن تدرس في درس واحد؛ ذلك أن مقطعا شعريا لابد له من أن يتوفر على أسطر شعرية متفاوتة في العدد، كما أن هذه الأسطر لا بد لها أن تنتهي بوقفة دلالية أو عروضية أو هما معا.

ثالثا: الرمزوالأسطورة

اختار المقرر الدراسي أن يخصص لكل مفهوم درسا خاصا به. غير أننا نرى أن الاكتفاء بدرس واحد عنوانه الرمز والأسطورة كافيا، ذلك أن حجم المعلومات في الدرسين معا تكفيهما ساعة واحدة، كما أن النموذج الشعري الذي قدم لدرس الرمز صالح لهما معا، وقد اختاره المقرر من قصيدة “رحل النهار” لبدر شاكر السياب الذي جاء فيه ما يلي:

رحل النهار

ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهّج دون نار

و جلست تنتظرين عودة سندباد من السّفار

و البحر يصرخ من ورائك بالعواصف و الرعود

هو لن يعود

أو ما علمت بأنه أسرته آلهة البحار

في قلعة سوداء في جزر من الدم و المحار

هو لن يعود

رحل النهار

فلترحلي هو لن يعود

 المقطع الشعري الذي بين أيدينا مثال واضح على توظيف الرمز والأسطورة؛ حيث وظف الشاعر النهار (مدة زمنية لها بداية ونهاية) رمزا لعمر الشاعر الذي أوشك على الرحيل الأبدي. كما نلمس توظيفا بارزا للأسطورة (سندباد) ذلك التاجر المغامر الذي يسافر دوما ويخوض مغامرة قاتلة لكنه ينجو بأعجوبة، غير أن سندباد الشاعر لن يعود هذه المرة لأنه أسرته (آلهة البحار) ( أسطورة ثانية مرتبطة بالمعتقد الديني الذي يؤمن بتعدد الآلهة).

 

رابع: درس الخطاطة السردية:

لقد قسم المقرر الدراسي درس الخطاطة السردية إلى قسمين؛ فتحدث في الأول على مكونات الخطاطة السردية ( البداية والوسط والنهاية) ثم تحدث في الثاني على طريقة انتظامها (الترابط الزمني والترابط التسلسلي).

إن المعرفة الأساسية في نظرنا في هذا الدرس تتمثل في قدرة المتعلم على فهم المتواليات السردية ومكوناتها وتمثلها في النصوص التطبيقية، أما الترابط بين المتواليات فهو حاصل ضمنيا؛ ذلك أنه لا يمكن أن نصل الى النهاية دون بداية ووسط.

خامسا: النموذج العاملي:

بخصوص درس النموذج العاملي الذي قسمه المقرر إلى قسمين؛ قسم تحدث فيه عن العوامل الستة  (المرسل، المرسل إليه، العامل الذات، العامل الموضوع، العامل المساعد، العامل المعاكس) بينما الدرس الثاني تحدث فيه عن العلاقات ( علاقة الرغبة، التواصل، الصراع) كان يمكن الاكتفاء بدرس واحد نستنبط منه العوامل والعلاقات معا؛ ونظيف إليه درس تطبيقي مكون من نموذج سردي مثالي، فيطلب من المتعلم استخراج العوامل والعلاقات؛ وبهذا نكون قد رسخنا مفهوم العامل من جهة ومن جهة ثانية مارس المتعلم دراسة تطبيقية أخرجته من التلقي الى الممارسة.

سابعا: الانسجام:

الانسجام هو الدرس ما قبل الأخير في المقرر الدراسي، وسيرا على منهجية الكتاب القائمة على التقسيم فقد تم تقسيمه إلى قسمين: خص الأول للحديث على مبادئ الانسجام (مبدا السياق، مبدأ التأويل المحلي، مبدا التشابه، مبدأ التغريض) بينما القسم الثاني تحدث فيه عن الخلفيات المتحكمة في بناء الانسجام من طرف المتلقي ( الخلفيات المعرفية، الخلفيات التنظيمية) وهي خلفيات غير اجرائية؛ أي لا يوظفها المتعلم في تحليل النصوص، كما أن حجم المعلومة بسيط ويمكن  دمجه في الدرس الأول.

ثامنا:  أساليب الحجاج

بخصوص أساليب الحجاج فإننا نسجل الملاحظات التالية:

  • من حيث الترتيب يأتي متأخرا، ذلك أننا نوظف هذه الأساليب كلها أو جلها في النص النظري منذ بداية الموسم، بينما أساليب الحجاج تأتي في آخر الموسم.
  • من حيث الوظيفة والاجرائية فإن هذه الأساليب يتعرف عليها المتعلم إجرائيا من خلال تحليل النصوص النظرية.
  • الاكتفاء بالدرس الأول دون التطرق الى مشيرات التنظيم التي لا يوظفها المتعلم.

خاتمة:

إن هذه الملاحظات التي قدمنا هي نتيجة الممارسة الميدانية لأكثر من عشر سنوات متواصلة في تدريس مادة اللغة العربية بالسلك الثانوي؛ ولذلك فهي ملاحظات قائمة على الخبرة الطويلة والتجربة الميدانية والاحتكاك المباشر مع المتعلم.

  • إن العمل بهذه الملاحظات سيخفف المقرر الدراسي كثيرا ويقلل الزمن المدرسي، الذي يمكن أن نستفيد منه في ما هو أفضل وأفيد للمتعلم.
  • إن هذا الزمن المدرسي المخفف سيفيد المتعلم والمدرس معا؛ حيث يمكن الاستفادة منه بتنفيذ دروس تطبيقية داخل الصف في تحليل النصوص التطبيقية.
  • إن تخصيص دروس تطبيقية داخل الصف من شأنه أن يعزز قدرة المتعلم على اكتساب منهجية تحليل النصوص التطبيقية حسب المنهجية المطلوبة ( تحليل نص شعري، نص نظري، نص سردي، نص منهجي).

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات