مختبر السرديات الدار البيضاء: الذات والهوية في الرواية الغرباوية
(منطقة الغرب الشراردة بني حسن) ضمن أعمال الملتقى الثاني عشر للسرديات الجهوية.
أعمال مهداة إلى روح محمد زفزاف
متابعة: محمد محي الدين (مختبر السرديات)
بمشرع بلقصيري وعلى بعد سبعة عشر كليومترا من موقع بناصا التاريخي الأثري الذي يمتح حسب المؤرخين من الفترة المورية-الرومانية التي تعود إلى ما قبل الميلاد. وغير بعيد عن مدينة سوق أربعاء الغرب موطن الكاتب المغربي الكبير محمد زفزاف، نظم مختبر السرديات، جامعة الحسن الثاني بنمسيك -الدار البيضاء، بتنسيق مع ”جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الأمير مولاي رشيد بمشرع بلقصيري”، و”مركز ابن النفيس للدراسات والأبحاث، بالقنيطرة”، الملتقى الثاني عشر للسرديات الجهوية، الدورة الأولى للرواية بمنطقة الغرب الشراردة بني حسن، وذلك يوم الأحد 27 مارس 2022، بالمركز الثقافي بمشرع بلقصيري.
شارك في اللقاء باحثون ونقاد متخصصون في السرديات، ورام في دورته الأولى تقديم قراءات في ثمانية نصوص روائية ينتمي أصحابها لمنطقة الغرب الشراردة بني حسن، في أفق أن قراءة نصوص روائية أخرى في الدورات القادمة. وارتأى منظمو الدورة أن تُـهدى أشغالها لقامة سردية كبيرة في الأدب المغربي المعاصر؛ الأديب محمد زفزاف.
وبحضور جمهور نوعي ووازن، استهل برنامج الدورة الأولى بالكلمات الافتتاحية، رحب في الكلمة الأولى محمد البدري (مدير المركز الثقافي بمشرع بلقصيري) بالمشاركين، وأكد فيها على أهمية الشراكة العلمية والثقافية والتنسيق والجهات المنظمة، وفي كلمته أشاد رضوان مصطافي (رئيس جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الأمير مولاي رشيد) بهذا العمل الثقافي المشترك الذي اعتبره استثنائيا، ونوه عبد الله شكربة (مدير مركز ابن النفيس للدراسات والأبحاث) بعد الترحيب بالمشاركين والشركاء الثقافين بالعمل المشترك وأهميته في خدمة الثقافة المغربية، وفي كلمته وقف إبراهيم أزوغ (مختبر السرديات، بنمسيك/ جامعة الحسن الثاني) على أهمية الملتقيات الجهوية التي ينظمها مختبر السرديات بتنسيق مع الشركاء والفاعلين الثقافيين منذ مدة،ودورها في خدمة الثقافة المغربية والتعريف بها وتقديم صورة كلية ومشرفة لها تعكس تنوعها وغناها، كما أكد على فرادة وغنى التجارب السردية في منطقة الغرب وحضورها البارز في المنجز السردي المغربي منذ بداياته .
سير أشغال الجلسة الأولى الأولى القاص عبد الجليل الشافعي، مرحبا بالحضور على مائدة السرد الروائي الغرباوي الممتد في الزمن والمكان،وعارضا لأعلامه الكبار من مؤسسي هذا النوع؛ أمثال: محمد زفزاف، ومحمد الهرادي، … وإبدالاتهم الشكلية والمضمونية. وقدم المداخلة الأولى:”سؤال الوعي في الرواية الغرباوية” في رواية: ”وجع المنازل” جمال الدين حريفي، الناقد أيوب ويحماني (جامعة ابن طفيل-القنيطرة)، وتناولت مداخلته قضية الوعي عند المواطن الغرباوي، انطلاقا من لحظات تشكله وانتهاء بتمظهراته في أحداث الرواية. هاته الأخيرة التي يشكل الوعي فيها مكونا مركزيا بما رصدته من سياقات تخلقه عند الشخصية الرئيسة منذ مرحلة الطفولة، وكذا بتمظهراته التي حكتها أحداث الرواية.وتطرق لهذا الموضوع انطلاقا من زاويتين: زاوية التشكل وزاوية التمظهر؛ ففي الأولى رصد سياقات تشكل الوعي عند بطل الرواية و ما اصطدم به من عوائق من شأنها إعاقته عن هذا الاستمرار في هذا المسار. وفي الزاوية الثانية تم الوقوف على تمظهرات الوعي عند البطل بعد بلوغه مرحلة النضج وقدرته على تبني الآراء والمواقف، وانتقاله من المجرد إلى الواقع حيث اختبار المبادئ والاحتكاك بالحقيقة.
واشتغلت المداخلة الثانية للناقد يونس لشهب (ناقد/ مختبر السرديات- جامعة الحسن الثاني) بصورة الذات في رواية “معزوفة لرقصة حمراء”، لعبد القادر الدحمني،وذلك عبر دراسة جوانب من جمالية الخطاب السردي في هذه الرواية، متوسلا من أجل ذلك بدراسة صورة الذات، وبالتحديد ذات البطل دحمان، الذي يطابق القائم بالسرد، من خلال تتبع أبرز السمات المميزة لصورة ذاته.كما ركز على سؤالي الهوية والإبداع، بوصفهما مدخلين أساسيين لمقاربة تلك الصورة، مع استصحاب مقولة المؤلف المزدوج كما تبلورت في سياق النقد الثقافي.
شملت المداخلة الثالثة للناقد عبد السلام العروسي (جامعة ابن طفيل- القنيطرة)، الموسومة بـ: «سَرديةُ الهامشِ في رواية دموع الصمت» للكاتب جمال الفقير، ثلاثة محاور أساسية، حيث جاء المحور الأول معنونا ب: «الصوت النسوي نحو الانزياح عن ثقافة القرية»، كشف فيه أشكال الاضطهاد الثاوية والمتفشية داخل الوسط القروي، بما هو نظام ثقافي تحكمه قوانين وضوابط صارمة، ومنه بين الخلفيات الرؤيوية والرمزية التي لعبت دورا كبيرا في تكوين شخصية البطلة، إذ فَضّت الاشتباك مع أعراف القرية الضاربة في التقليدانية القهرية، بينما حمل المحور الثاني عنوان: «تعتيق اللغة وتهجينها أس البناء الروائي»، ورصد مختلف الأشكال اللغوية والتعبيرية التي تَنْمَازُ بها القرية باعتبارها حاملا ثقافيا، كما تم التركيز على الدور الكبير التي لعبته تلك الازدواجية اللغوية بين العامية والفصحى، ومختلف أشكال الخطابات التعبيرية الأخرى. واستغور المحور الأخير المعنون بـ : «الرهان القيمي والأبعاد الدلالية في الرواية»، الرهانات القيمية الغَافِيةِ في الخطاب الروائي.
وسعى محمد الدهبي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله-فاس) من خلال المداخلة الرابعة: خضرا والمجذوب تراث شعبي وذاكرة مكانية وعالم كوني”، قراءة في رواية ”خضرا والمجذوب”؛ لعبد المالك المومني، إلى الإجابة عن إشكالات محورية، مفادها؛ ما طبيعة بعد التراث الشعبي في رواية خضرا والمجذوب؟ وما علاقتها بالعالم الكوني والمكاني؟ وكيف عبر السرد عن رؤية المومني للواقع الاجتماعي؟ وما طبيعة هذه الرؤية؟ وكيف تجلت فيها الكتابة التجريبية ومغامرتها السردية الروائية؟ والبحث في بعض مفاهيمالتراث الشعبي والعالم الكوني، التي تحضر في رواية خضرا والمجذوب( في حضرة خضرا الركادة) لعبد المالك المومني، ومدى انفتاحها على الدلالات المتعددة في النص الروائي الحديث الطليعي المعاصر المغربي، الذي يجعل منه نصا خصبا للتأويل، انطلاقا من مشيرات توجيهية، توجه القراءة، وفق أبعاد سردية معرفية، وأنهى المتدخل دراسته باعتبار رواية خضرا والمجذوب( في حضرة خضرا الركَادة) نصا ينفتح على مختلف الدلالات والمعاني، وعلى حركية الرواية المغربية المعاصرة، و على تجارب متنوعة تنهل من السيرة الذاتية والكتابة التاريخية والكتابة الشعبية والصوفية.
استهل أشغال الجلسة الثانية الناقد محي الدين محمد (مختبر السرديات الدار البيضاء)، بالحديث عن الأهداف الثقافية من الملتقيات الجهوية التي دأب على تنظميها مختبر السرديات بنمسيك، الدار البيضاء بجهات مختلفة من المملكة وفق مشروع ثقافي ممتد ومتنوع وهادف. وتوزعت أشغال هذه الجلسة على أربع مداخلات، قدم أولاها ليلى الدروب (جامعة عبد الملك السعدي/ مختبر البلاغة وتحليل الخطاب)، وتمحورت حول ”صراع الذات والهوية”، في رواية: ”حلم تائه” لعبد الله شكربة. وطمحت المتدخلة إلى إثارة بعض الأسئلة والخصائص العامة المميزة للرواية من خلال التركيز على إبراز أشكال صراع الذات والهوية داخل المتن الحكائي؛خاصة وأن الرواية تنطلق من رؤية فنية وفكرية تحاول رصد المعاناة النفسية والاجتماعية التي يعيشها الفرد داخل المجتمع. وتوزعت الورقة إلى أربعة محاور أساس؛ وهي: الناظم الحكائي والشخوص، الذات بين التهميش والإقصاء، الذات وأشكال الصراع، الذات وفقدان الهوية.
وصنف أحمد الجرطي (مختبر اللغة/ جامعة ابن طفيل-القنيطرة) صاحب المداخلة الثانية: ”تفكيك الأنساق الثقافية واستراتيجية السرد فيرواية: ”الرجل الذي بحب براهمس”، لإدريس الصغير، هذه الرواية ضمن صنف التخييل الذاتي الذي جاء بديلا عن مفهوم السيرة الذاتية، لأن السرد في هذه الرواية يتبأر وبلغة موشاة بالحنين ومفعمة بالنوستالجيا حول ماضي بطل الرواية الذي كان شغوفا بالبراهمس، ويقربنا من طبيعة شخصيته التي تميزت في الماضي بتعدد اهتماماتها التي تدل على حسها الراقي ورؤيتها العميقة للوجود والحياة، وهي الاهتمامات التي توزعت بين ارتياد قاعات السينما، وممارسة كرة القدم، فضال عن الشغف بالقراءة والكتابة، هذا بالإضافة إلى تبئير السرد حول مرحلة دامية من تاريخ المغرب السياسي، وهي المرحلة التي أطلق عليها بسنوات الجمر والرصاص، وتميزت بمحاصرة المثقفين، وتكميم أفواههم، ومصادرة حرياتهم في التعبير، وحتى في القراءة لأعمال وكتب معينة ذات بعد سياسي ويساري خوفا من تأثيره في الجماهير، وتعميق وعيهم بما يرزحون تحته من ظلم وبؤس، وقهر اجتماعي.
هدف ناصر ليدير (مختبر السرديات-جامعة الحسن الثاني) من خلال المداخلة الثالثة:”النسق الثقافي في رواية صحراء جانوس”،قراءة في رواية ”صحراء جانوس”، لمحمد صولة إلى مقاربة هذا النص الروائي من منظور ميتامعرفي يعكس النسق الثقافي المضمر عبر ثنايا المتن، على اعتبار أن النص الروائي قيد الدرس يشكل علامة ثقافية، تبرز رؤيا المبدع للعالم والوجود، وخاصة العلاقة التفاعلية بين الثقافة والمثقف، وذلك انطلاقا من الآليات والأدوات الإجرائية للنقد الثقافي بمفاهيمه وأبعاده المنهجية.
وسجلت المداخلة الرابعة: ”التشظــي في رواية ”الحب في زمن الشظايا”، لزوليخا موساوي الأخضري، والتي قدمها: إدريس العشاب (ناقد/ جامعة ابن طفيل- القنيطرة)، أن هذا النص السردي يحملأحداثا كبرى في تاريخ الشعب المغربي في فترة سنوات الجمر والرصاص، ومنه انشغل بتفكيك النص الروائي الذي ينخرط فيه التاريخي بالمكون الخيالي. ومعالجة وقائع النص عبر أربع محاور رئيسة؛ وهي:
المحور الأول: التشظي في الشخوص، ويعرض لأهم شخوص الرواية القابعة في السجون لأسباب سياسية.
المحور الثاني: تشظي الأمكنة، وعرج على الأمكنة الواردة في الرواية مع التركيز على فضاء السجن.
المحور الثالث: التشظي الحواري، استخرج فيه مشاعر الشخوص وهم يعيشون داخل الزنزانة.
المحور الرابع: تشظي اللغة وعرض فيه طبيعة اللغة التي وظفتها الكاتبة في إنتاج الرواية.
واختتم الملتقى بجلسة ثالثة ختامية فتح من خلال حوار مع الروائيين الذين درست نصوصهم في اللقاء، عرض من خلاله المبدعون: زوليخا موساوي الأخضري، وعبد القادر الدحيمني، ومحمد صولة، وجمال الفقير، وعبد الله شكربة، تصوراتهم للكتابة، والإبداع، والتجريب الروائي، واغتراب الإنسان، ومحن المجتمع، وأعطاب السياسة. كما تم فتح حوار مع الحضور تناول العديد من القضايا المرتبطة بالرواية الغرباوية.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *