728 x 90

المصطلح السردي والترجمة بحث في إشكالية التوظيف ورهان التوحيد والبناء

المصطلح السردي والترجمة  بحث في إشكالية التوظيف ورهان التوحيد والبناء

المصطلح السردي والترجمة

بحث في إشكالية التوظيف ورهان التوحيد والبناء

بقلم: الباحث يوسف العمراوي

كلية اللغات والآداب والفنون، جامعة ابن طفيل -القنيطرة-

مقدمة:

لم يعد ثمة شك في ارتباط الأدب بباقي العلوم والمعارف والميادين الأخرى، بل إن هذه الصلة صارت تقوى يوما بعد آخر بفعل التفاعل الإيجابي الذي أصبح ساريا بين شرايين كل العلوم، وهكذا بات الأدب باعتباره جزءا من العلوم الإنسانية يخضع لكل التأثيرات ويطبق كل النظريات المتاحة له مع احترام الخصوصية الأديبة.

وفي سياق تطور العلوم الإنسانية خاصة مع بداية القرن التاسع عشر كان لابد من أن يطال هذا التطور الأدب نفسه بمختلف ألوانه. وحيث إن المصطلحات هي مفاتيح العلوم والآداب، ولا يستقيم الفن الأدبي إلا بجهاز مصطلحي يميزه عن غيره من الفنون الأخرى، فقد اتجه عدد من الباحثين العرب إلى دراسة المصطلحات السردية العربية الحديثة، دراسة تهدف إلى محاولة التقعيد للمصطلح السردي.

وستركز هذه الورقة على مناقشة التطور الذي شهدته المصطلحات العربية السردية بفعل ارتباطها بعلم الترجمة من خلال ثلاثة محاور؛ أولها، دور الترجمة في تأسيس المصطلح السردي، وثانيها، وضعية المصطلح في الثقافة العربية بين التلقي والبناء، في حين سيناقش المحور الأخير واقع المصطلح العربي بين إشكالية التوظيف ورهان التوحيد.

وتجدر الإشارة إلى أننا سنناقش المصطلح بالمفهوم الذي ورد عن أحمد بوحسن في قوله: ” يقصد بالمصطلح كلمة أو مجموعة من الكلمات، تتجاوز دلالتها اللفظية والمعجمية إلى تأطير تصورات فكرية وتسميتها في إطار معين، تقوى على تشخيص وضبط المفاهيم التي تنتجها ممارسة ما في لحظات معينة. والمصطلح بهذا المعنى هو الذي يستطيع الإمساك بالعناصر الموحدة للمفهوم، والتمكن من انتظامها في قالب لفظي يمتلك قوة تجميعية وتكثيفية لما قد يبدو مشتتا في التصور[1]“.

مساهمة الترجمة في تأسيس المصطلح السردي

باتت الترجمة المعبر الوحيد الذي يسمح بانتقال العلوم والآداب والمعارف من لغة إلى أخرى، وبالتالي من ثقافة إلى أخرى. وقد تأتى لها ذلك منذ العصور القديمة فمن خلالها اتصلت ثقافات الأمم وبها تلاقحت حضارات الشعوب، فلا يلبث علم أن يظهر في قُطر إلا ونقلته إلى باقي الأقطار، وهكذا كان لعلم الأدب نصيب من الترجمة، فتُرجمت الفنون الأدبية بشتى ألوانها؛ السردية منها أو الشعرية وإن اختلفت الصيغة التي تمت بها هذه الترجمة، وعلى هذا الأساس برز صنف جديد من الترجمة عُرف بالترجمة الأدبية التي يصنفها أغلب الباحثين من أصعب الترجمات على الإطلاق يقول الجاحظ :” فلا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتي يكون فيها سواء وغاية… وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق، والعلماء به أقل كان أشد على المترجم، وأجدر أن يخطئ فيه، ولن تجد البتة مترجما يفي بواحدة من هؤلاء العلماء.[2]

وحين نكون بصدد ترجمة هذه الفنون الأدبية عامة، والسردية على وجه الخصوص فإن ذلك لا يتم إلا عبر ترجمة مصطلحاتها، لأن المصطلحات عماد العلوم ومفاتيحها. ولذلك فإن المصطلح هو أول ما يعترض طريق المترجم بكونه يعبر عن مضمون العلم أو التخصص ومسمياته، وبذلك يشكل المصطلح مادة المترجم التي يحرص على أن يوفق في الوصول إلى معناها الدقيق قبل ترجمتها، يقول الديداوي في هذا الصدد: “إن المصطلح إما أن يكون موجودا، وعلى المترجم عندئذ أن يتصيده ويهتدي إليه، ومن المفروض أن يقيده، إن لم يكون مدونا في نشرة، وإما ألا يكون موجودا في اللغة المترجم إليها، فيستبين مفهومه في اللغة المترجم منها ويجد له مقابلا، ويستحسن أن يدونه ليسهل الأمر على نفسه وعلى غيره من المترجمين ويتجنب هو ويجنبهم مشقة البحث من جديد متى صادف هو أو صادفوا ذلك المصطلح إلى جانب حسنة توحيد الاستعمال[3]“.

ولما كان لكل تخصص جهازه المصطلحي الخاص به، فإن للسرد على غرار باقي المعارف الأدبية الأخرى حظا وفيرا من المصطلحات، جمع بعضها في معاجم متخصصة، فأضحى السرد حقلا مستقلا بذاته.

ومن الواضح أن لكل دال سردي مدلول خاص به يميزه عن غيره من الدوال، وبذلك لا يمكن أن نضع مقابلا لكل دال ما لم نفهم مدلوله الذي خصص له ضمن السياق الذي وجد فيه، تقول سامية أسعد في سياق حديثها عن نقل المصطلحات النقدية: ” الواقع أننا كمترجمين عندما نتعامل مع هذه النصوص، نجد أنفسنا أمام عقبة أساسية هي اللغة، ونضطر إلى توجيه كل اهتمامنا إلى خلق مصطلحات ومشتقات بعضها مفهوم وبعضها نقله إلى العربية غير متيسر، وهذه العملية تجعل نقل الكتابات النقدية الغربية غير كاملة إلا لمن استطاع الاطلاع عليها في لغتها الأصلية، وهنا نجد أن الناقد الذي يتمكن من القراءة عن البنيوية، أو قراءة لوسيان كولدمان أو بارث مثلا، في النص الأصلي، هذا الناقد يجد صعوبة في تطبيق هذه المناهج على الأدب العربي، إذ ما طبقها فإنه لا بد أن يفرد حيزا من نقده للذاتية وللنزعة التأثرية[4]“. وانطلاقا من هذا المعطى فإن فهم المصطلحات واستيعاب السياق المعرفي الذي أوجدها أمر لا غنى عنه، إن رغبنا في ترجمة علمية دقيقة تساهم حقا في إثراء الحقول المعرفية العربية، وإلا فإننا سنشهد فوضى دلالية للمصطلحات إذا ظل التنسيق بين المترجمين والمصطلحين غائبا.

وحتى نكون متفائلين فإن مسألة نقل المصطلحات السردية من لغة أجنبية إلى اللغة العربية عند المتخصصين مسألة لابد منها في ظل ما تشهده العلوم والفنون من تطورات متلاحقة، ولذلك فإن نظرة سريعة في الحقل السردي، الحديث منه على وجه الخصوص، يؤكد دور ترجمة عدد هائل من المصطلحات في تشكل الهيكل السردي العربي، ومن ذلك ما ذكره الدكتور عبد الرحيم الرحموني عن ترجمة مصطلح “Plaisir  ” “باللذة ” منطلقا من مؤلف بارث المعنون ب ” Le plaisir du texte ” معتبرا أن مصطلح ” المتعة ” أنسب وأجدى وأدل لغويا واصطلاحا، ففي لسان العرب، يضيف، أن مصطلح المتعة شامل لكل شعور نفسي أو جسدي باللذة، كما أن اللذة يمكن أن تحصل نتيجة شيء قبيح كما يتلذذ بعض الناس بتعذيب الآخرين، بينما تنص المعاجم الفرنسية على أن ” Plaisir” يكون ناتج عن شعور وإحساس بالجمال، ولا أحد يجادل في أن المتعة الفكرية جمالية بشكل كامل[5]، ومن نماذج هذه المصطلحات كذلك مصطلح الشعرية (Poétique) الذي ترجم ب: الإنشائية و فن الشعر ونظرية الأدب والشاعرية وقضايا الفن الإبداعي وعلم الأدب وصناعية الأدب والإبداع وفن النظم ونظرية الشعر. ومصطلح الخطاب (Discours) الذي استعملت له عدة مقابلات منها القول والأطروحة والحديث والإنشاء ولغة الكلام وأسلوب التناول، وإن كان الاستعمال قد استقر على مصطلح خطاب[6].

إن التمعن في هذه الأمثلة، أخرى جرت على لسان عدد من الباحثين المترجمين، يؤكد بالملموس قيمة ترجمة المصطلح ووضع مقابل له في اللغة العربية بنوع من الدقة وهو ما حصل بين مصطلح “Plaisir” ومقابله ” المتعة”، فرغم أن مصطلحي اللذة والمتعة في اللغة العربية قريبان من بعضهما البعض إلا أن العودة إلى المعنى العام في المعاجم الفرنسية لمصطلح “Plaisir”، يرجح كفة مصطلح المتعة على اللذة، هكذا يفرض مصطلح نفسه على حساب مصطلحات أخرى، كما أنه لولا فعل الترجمة لظلا المصطلحين في الثقافة العربية عند الكثير من الباحثين سواء.

وتبقى الإشارة إلى أن ثمة إشكال في هذه المسألة، يتعلق أساسا بعدم استقرار المصطلحات الغربية مما يزيد من صعوبة الترجمة، “فعلى سبيل المثال نجد رولان بارث في دراسته (مدخل للتحليل البنيوي للسرد) لا يستخدم كلمة Narration)) الفرنسية للإشارة للسرد، بل يستخدم كلمة أخرى هي (Récit) التي تعني فيما تعني الحكاية والقص والرواية، بينما يستخدم المترجم الإنجليزي للفظة ذاتها المصطلح الإنجليزي السرد وهو (Narrative)[7].

وضعية المصطلح السردي في الثقافة العربية بين التلقي والبناء

    من المعلوم لدى الجميع أن الثقافة العربية مرت بمراحل مضطربة على مستوى الإنتاج الفكري والثقافي عامة والأدبي على وجه الخصوص، وقد أرخ النقاد لهذه المراحل بالتفصيل معتبرين أن المراحل الأولى (العصر الكلاسيكي ) هي أزهى الفترات التي شهدت إنتاجات مهمة في هذا المجال، وأن ما يسمى اليوم العصر الحديث قد شهد ركودا على مستوى الإبداع وهو ما رجح كفة الاستهلاك، إذ إن أغلب الدراسات المصطلحية العربية الحديثة المتعلقة بفن  السرد هي دراسات مترجمة عن مدارس غربية بالأساس، وبالتالي تفقد هذه الدراسات تلك النكهة العربية الأصيلة، ورغم ذلك، فإن المجامع التي أحدثت في هذا العصر تدعو إلى محاولة بناء معاجم ذات صبغة عربية خالصة، وفي هذا الصدد يقول ادريس نقوري:” إن دراسة المصطلح العلمي والمصطلح النقدي بخاصة دراسة منهجية وعلمية دقيقة، تفتح أمام الباحث عدة أبواب، وتضعه أمام خيارات منهجية متعددة، وتفسح له المجال لفحص وتجريب إمكانات كثيرة وذلك بحسب الوجهة التي ينتحيها في الدراسة، والغرض الذي يتوخى تحقيقه من بحثه[8]“. ولكن هذا الأمر لا يحول دون محاولة التجربة لإقامة معاجم اصطلاحية، مع الحرص مستقبلا على توحيد منهج البحث لعل ذلك يؤدي إلى قطع أشواط كبيرة في الوصول إلى الغاية المنشودة وهي بناء معاجم اصطلاحية وفقا لشروط علمية دقيقة تستجيب لحاجيات القارئ والمثقف العربي.

وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة من الباحثين أبانوا عن رغبة كبيرة في تحقيق هذه الغاية خاصة في المغرب، ونذكر هنا على سبيل المثال الدكتور الشاهد البوشيخي، والدكتور عز الدين البوشيخي، والدكتور محمد الوادي وكذلك الدكتور عبد الرزاق جعنيذ الذي وقفت عند محاولته، وهي وضع خطة محكمة قابلة للتنزيل وبالتالي بناء معجم اصطلاحي؛ حيث أشار أولا إلى ضرورة تقسيم وتقطيع التراث النقدي إلى حقب زمنية، تقطيع يرتكز على تقسيم الزمن بمراعاة تسلسل السنوات رقميا فنقسم التراث النقدي تقسيما “قرنيا ” أي نسبة إلى القرن. ثم تأتي مسألة التوثيق كمرحلة ثانية[9]، مسترشدا بما ذكره الدكتور الشاهد البوشيخي حين قال أن” الدراسات المصطلحية متوقفة كل التوقف على حسن التوثيق للمصطلحات بدونه لا تستطيع الانطلاق، وكل خلل فيه ينعكس أثره عليه، كما أن لدقته إسهاما كبيرا في دقة نتائجها [10]“. ولم يتوقف الدكتور جعنيد عند هذا الحد، بل وضع خطوات اعتبرها أساسية في عملية التوثيق وهي:

  • مرحلة الجمع والفرز؛
  • مرحلة التصنيف المصدري؛
  • مرحلة التدوين الجذاذي؛
  • مرحلة اختيار شكل التوثيق.

معتبرا أن اتباع هذه الخطوات سينتج عنه ما يلي:

  • الوصول المباشر إلى المواد الاصطلاحية
  • سهولة إدخال مواد جديدة
  • تعبيد الطريق وتيسيره لاستغلال الوسائل الإلكترونية كالحاسوب من أجل تخزين المعطيات وإقامة بنك لمصطلحات النقد العربي[11].

هكذا يبدو جليا أن عددا من الباحثين قد باشروا إعادة الاعتبار للمخزون الثقافي العربي، في انتظار أن تستكمل هذه المشاريع الضخمة والتي تحتاج إلى دعم هائل من لدن الدول العربية، لا يسع الباحث إلا أن يثمن هذه المجهودات ويسعى من موقعه إلى المساهمة العلمية من خلال إنجاز (بحوث- دراسات- تقارير) ورفعها إلى اللجان العليا المهتمة بهذا الشأن.

 

 المصطلح السردي العربي بين إشكالية التوظيف ورهان التوحيد

تعيش المصطلحات العربية عامة والسردية بالخصوص حياة متذبذبة بفعل طرق توظيفها، ومرد ذلك اختلاف مستعمليها ومدارسهم ومناهجهم ومطلقاتهم وكذا غاياتهم، لذلك يجد الباحث المبتدئ صعوبة في مسألة الحسم حول توظيف هذا المصطلح وإهمال آخر، ولا يسع الدارس هنا إلا الانطلاق من قناعاته وتجربته لإقرار استعمال هذا أو ذاك.

وقد عالج هذه الإشكالية عدد من الباحثين، معتبرين أن اختلاف توظيف المصطلح السردي الواحد ضمن سياقات مختلفة، أو توظيف مصطلحات عدة في سياق واحد راجع بالأساس إلى ما ذكرته آنفا من اختلاف للمدارس والمناهج والمقاصد، كما يختمون بحوثهم بتوصيات مفادها دعوة المجامع المهتمة بهذا المجال إلى محاولة التوافق حول مصطلحات بعينها، خاصة لحظة توظيفها بين كل الدارسين، وهو الرهان الذي ما يزال إلى اليوم حبرا على الورق ليس إلا.

وعليه فقد ارتأيت هنا أن أسلط الضوء على أهم مكونات الخطاب السردي، فهي أكثر المصطلحات شيوعا بين المؤلفين والمبدعين السرديين (الحدث – الشخصية – الزمن – المكان) لأقف عند زاوية نظر كل باحث لهذه المصطلحات.

الحدث:

يشكل الحدث أو القصة العمود الفقري لكل إبداع سردي، بل منه تنبع باقي الخصائص السردية، ولذك فقد حظي باهتمام واسع لدى المبدعين على مستوى التعريف والتحديد وكذا الممارسة؛ فقد ورد في كتاب (المصطلح السردي) ما يلي: “الحدث سلسلة من الوقائع المتصلة تتسم بالوحدة والدلالة، وتتلاحق من خلال بداية ووسط ونهاية، ونظام نسقي من الأفعال، وفي المصطلح الأرسطي فإن الحدث هو تحول من الحظ السيء إلى الحظ السعيد أو العكس…. وعند بارث فإن الحدث مجموعة من الوظائف يحتلها العامل نفسه أو العوامل؛ فعلى سبيل المثال فإن الوظائف المنوطة بالذات في سعيها نحو الهدف تشكل الحدث الذي نسميه مطلبا[12].” ولا يبتعد أحمد المديني عن هذا التعريف كثيرا، فقد وصفه بالخبر، مؤكدا ضرورة اتصال تفاصيله وأجزائه وتتماسك تماسكا عضويا متينا من أجل توفير الوحدة الفنية للعمل القصصي، كما اشترط أن يكون هذا الحدث ذا بداية ووسط أو عقدة ونهاية أو لحظة تنوير، علاوة على أن يكون ذا أثر وانطباع كلي، كلها شروط – يضيف – توفرت في القصة الكلاسيكية، في حين ألغي كل ذلك مع القصة الحديثة، حيث لا ضرورة للتوفر على حدث، ما دامت القصة تعرض تجربة نفسية[13]. ولا يذهب لطيف زيتوني بعيدا عن هذا التعريف إذ أضاف أن الحدث كل ما يؤدي إلى تغيير أمر أو خلق حركة أو إنتاج شيء، ويمكن تحديث الحدث في الرواية بأنه لعبة متواجهة أو متحالفة، تنطوي على أجزاء تشكل بدورها حالات محالفة أو مواجهة بين الشخصيات[14]، أما سعيد يقطين فقد اعتبر أن كل تحول عبر السرد مهما كان صغيرا يشكل حدثا[15].

وعموما يظل الحدث ضمن جميع الأشكال السردية الحديثة أو القديمة منها ركيزة أساسية يبث الحياة والحركة في الشخصيات ولا يمكن دراسته بمعزل عن هذه الأخيرة. ورغم ذلك تظل الآراء والمواقف وزوايا النظر إلى هذا المصطلح مختلفة بين المبدعين والنقاد، على أن هذا الاختلاف لا يزيد المصطلح إلا قوة وحيوية.

الشخصية:

     يقول تيزفطان تودورف:” تعرف الشخصية في علم النفس على أنها مجموع الصفات التي كانت محمولة للفاعل من خلال الحكي، ويمكن أن يكون هنا المجموع منظما أو غير منظم[16]“، أما في مجال السرد فيعرفها حميد الحميداني بكونها تركيب جديد يقوم به القارئ أكثر مما هي تركيب يقوم به النص[17]. وهي في الراوية المرآة العاكسة للأحداث داخل الإطار النصي فبموجبها يتحدد الموضوع بدقة وبذلك تشكل الهيكل العام للرواية، يقول محمد علي سلامة:” الرواية في عرفهم هي فن الشخصية، إذ تعد الشخصية مدار الحدث سواء في الرواية أو الواقع أو التاريخ.”[18]

بناء على ما ذكر يتضح أن مصطلح الشخصية يتخذ تعريفات مختلفة وذلك باختلاف المجال الذي توظف فيه، وحتى في المجال السردي تختلف الشخصية بتنوع الألوان السردية فهي في الرواية، شيء وفي المسرح شيء آخر، زد على ذلك أن كل شخصية إلا ولها بعدها الوظيفي، وهذا البعد قد يكون جسمي أو اجتماعي أو نفسي حسب توجه المبدع في إبداعه. وهو ما يجعل هذا المصطلح في نظر البعض مصطلح زئبقي يصعب الإمساك به وبالتالي تقديم تعريف وتحديد معنى موحد له.

الزمن:

يمثل مصطلح الزمن إشكالية أمام الدارس وهو يبحث له عن تعريفات دقيقة، حيث إن السعي إلى إدراك كنهه إدراكا حسيا- يقول بول ريكور- ضرب من العبث، لذلك يحثنا عجزنا عن إنكاره، وهذا ما أدى القديس أوغسطين للتساؤل “ما الزمن؟”، يجيب على هذا فيقول: ” إنني لأعرف معرفة جيدة ما هو، بشرط ألا يسألني أحد عنه، ولكن لو سألني أحد ما هو وحاولت أن أفسره لارتبكت[19]“. ومما يزيد من تعقيد هذا المصطلح هو حضوره في شتى المجالات، وإذا حاولنا ربطه بفن السرد سننجده يشكل مجموعة من العلاقات الزمنية، السرعة، التتابع، البعد…إلخ، بين المواقف والمواقع المحكية وعملية الحكي الخاصة بهما، وبين الزمان والخطاب المسرود والعملية السردية[20]. ويتجلى ذلك أساسا حين يتعلق الأمر بفن القص، فإذا كان الأدب يعتبر فنا زمنيا – إذا صنفنا الفنون إلى زمانية ومكانية – فإن القص هو أكثر الأنواع الأدبية التصاقاً بالزمن[21]. دون إغفال الجنس الروائي الذي يشكل الزمن فيه أزمنة متداخلة ومتشابكة نظرا لحجم الأحداث ووفرتها، ولذلك فإن بنية الزمن داخل الرواية قد تحتاج إلى دراسات أعمق، كيف ولا والزمن صار أزمنة متعددة، وتجدر الإشارة إلى أن أغلب المهتمين بالزمن السردي جعلوه أقسام وأنواع لعل أبرزها الزمن العام والخاص، زمن القصة وزمن الخطاب وزمن الأحداث…إلخ.

المكان:

لا شك أن المكان والزمان تجمعهما أواصر القرابة على الأقل في جانب السرد، إذ لا يمكن الوقوف عند أحدهما دون الآخر، ولذلك فإن المهتمين بشأن مصطلحات البنية السردية يؤكدون على أهمية المصطلحين في دراسة وتحليل أي لون سردي، وإذا كان مصطلح الزمن كما أشرنا مصطلح مرتبط بعملية ومراحل الحكي، على الأقل عند معظم الدارسين، فإن المكان كمصطلح لا يقل احتواء لتعاريف كثيرة عن الزمن، ولذلك سنحصر أغلب التعاريف التي سنوردها ضمن المجال الأدبي ثم السردي على وجه الخصوص.

فهو” في الأدب ليس مجالا هندسيا نضبط حدوده وأبعاده وقياسات خاضعة لحسابات دقيقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأمكنة الجغرافية ذات المواصفات الطبوغرافية وبالتالي فإن المكان لا ينحصر في تلك المساحة بل يتعداها، لأن المكان في الأدب إنما يتشكل من التجربة الإبداعية استجابة لما عاشه وعايشه الأديب إما على مستوى اللحظة الآتية ماثلا بتفاصيله ومعالمه، أو على مستوى التخيل وافدا بملامحه وظلاله[22]“. وبذلك يعرف المكان بكونه محطة تشد الأديب من خلال التعبير عن حالة نفسية أو اجتماعية أو حياتية بشكل عام.

ومن جهة أخرى يرى حميد الحميداني أن الروائي دائم الحاجة إلى التأطير المكاني[23]، لأنه لا يمكن تصور وقوع أي حدث إلا ضمن إطار مكاني خاص. موضحا الفرق بين الفضاء والمكان، إذ إن الفضاء في الرواية أوسع وأشمل من المكان، إنه مجموع الأمكنة التي تقوم عليها الحركة الروائية المتمثلة في سيرورة الحكي سواء التي تدرك بطريقة مباشرة أو ضمنية مع كل حركة حكائية. وكما قسم النقاد والمبدعون الزمن أنواع، كذلك فعلوا مع المكان فذكروا المكان المغلق والمفتوح والعام والخاص…إلخ.

خلاصة القول أن ما ذكرناه على سبيل المثال فقط، وإلا فإن الوقوف عند المصطلحات السردية بتعددها لن نجد مصطلحا واحدا تم تحديده بشكل متفق عليه من لدن جميع المهتمين بهذا المجال وهو ما يجعل رهان توحيد هذه المصطلحات على الأقل في نطاق السرد أمرا مستبعدا لسببين، أولهما طبيعة المادة المدروسة فلسنا أما مادة علمية تستند إلى المنطق الرياضي الذي يفرض نتيجة واحدة، أما الثاني وهو الشائع لدى الدارسين ويتمثل في اختلاف المناهج والمنطلقات والرجعيات في البيئة الأصل لهذه المصطلحات.

خاتمة:

مما سبق نستطيع أن نخلص إلى ما يلي:

– المصطلح السردي كغيره من المصطلحات الأدبية والنقدية يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق، ولن يتم له ذلك إلا بوضع خطط محكمة هدفها خلق معاجم اصطلاحية عربية خالصة.

– ترجمة المصطلح السردي تحتاج إلى معرفة عميقة باللغتين المترجم منها والمترجم إليها، علاوة على معرفة الظروف العامة المحيطة بالمصطلح.

– وجوب توحيد الرؤى اتجاه الصيغ الصحيحة التي بموجبها يتم إعطاء تعاريف دقيقة للمصطلحات التي تنتمي للحقل السردي مع استحضار الهوية الخاصة للألوان السردية.

– تخصيص مختبرات جامعية تضع صلب اهتمامها جمع وحشر المصطلحات السردية وتوثيقها.

–   اعتماد مناهج علمية دقيقة في تتبع كل المصطلحات التي تنتمي لنفس الحقل، خاصة على المستوى التاريخي.

وفي الختام نُذَكِّرُ بأنه بات من اللازم على المترجمين والمصطلحيين البحث بعمق في طرق صياغة المصطلح السردي وتقنيات ترجمته إلى العربية، حتى نتجنب الفوضى والعشوائية التي تعرفها الساحة الأدبية العربية انطلاقا من توافد عدد هائل من المصطلحات، كل ذلك بغرض توحيد المصطلح العربي وتجنب مسألة التعدد المصطلحي خاصة وأن اللغة العربية لغة إيجاز.

المصادر والمراجع:

– أحمد المديني، فن القصة القصيرة بالمغرب، في النشأة والتطور والاتجاهات، دار العودة بيروت.

– أحمد بوحسن، مدخل إلى علم المصطلح، المصطلح ونقد النقد العربي الحديث، الفكر العربي المعاصر، رقم 60-61، بيروت – باريس، يناير- فبراير، سنة 1989.

– ادريس نقوري، مدخل إلى علم الاصطلاح، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 1997.

– الجاحظ، الحيوان، تحقيق هارون عبد السلام ج1.

– الشاهد البوشيخي، مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين، منشورات القلم، الطبعة الأولى 1993.

– باديس فوغالي، الزمان والمكان في الشعر الجاهلي، علم الكتب الحديث الطبعة الأولى 2008.

– بول ريكور، الزمان والسرد (الزمن المروي)، ترجمة سعيد الغانمي، دار الكتب الجديدة، الطبعة الأولى 2006، ج3.

– تيزفطان تودوروف، مفاهيم سردية، ترجمة عبد الرحمان مزيان، الطبعة الأولى، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي البلدي، 2000- 2005.

– جيرالد برنس، المصطلح السردي (معجم المصطلحات)، ترجمة عابد خزندار، مراجعة وتقديم محمد بريري، المجلس الأعلى للثقافة الطبعة الأولى 2003.

– حميد الحميداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر، بيروت-لبنان 1991.

– سعيد يقطين، السرديات والتحليل السردي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 2012.

– سيزا قاسم، بناء الرواية، دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ، مهرجان القراءة للجميع، مكتبة الأسرة 2004.

– عبد الرحيم الرحموني، مقال” من قضايا ترجمة المصطلح الأدبي” ضمن الجزء الثاني من كتاب قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية، من إعداد عزالدين البوشيخي ومحمد الوادي. سلسلة الندوات 12، 2000. بتصرف.

– عبد الرزاق جعنيد، ملاحظات حول بناء معجم لمصطلحات النقد العربي وتوثيقها، مقال ضمن كتاب قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية، الجزء الثاني إعداد عزالدين البوشيخي ومحمد الوادي مارس 2000.

– فاضل ثامر، اللغة الثانية، في إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث، المركز الثقافي العربي بيروت، الطبعة الأولى 1994.

– لطيف زيتوني، معجم مصطلحات نقد الرواية، دار النهار الطبعة الأولى، بيروت- لبنان 2002.

– محمد علي سلامة، الشخصية الثانوية ودورها في المعمار الروائي عند نجيب محفوظ، الطبعة الأولى دار الوفاء، الإسكندرية- مصر 2007.

 

[1] – أحمد بوحسن، مدخل إلى علم المصطلح، المصطلح ونقد النقد العربي الحديث، الفكر العربي المعاصر، رقم 60-61، بيروت – باريس، يناير- فبراير، سنة 1989، ص84.

[2] – الجاحظ، الحيوان، تحقيق هارون عبد السلام ج1، ص: 75-76.

[3] – الديداوي محمد، الترجمة والتواصل، المركز الثقافي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000، ص: 50.

[4] – نقلا عن عبد الحميد العبدوني، مشاكل ترجمة المصطلح النقدي الحديث، الجزء الثاني من كتاب قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية، من إعداد عزالدين البوشيخي ومحمد الوادي. سلسلة الندوات 12، 2000. ص: 8.

[5] – عبد الرحيم الرحموني، من قضايا ترجمة المصطلح الأدبي، الجزء الثاني من كتاب قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية، من إعداد عزالدين البوشيخي ومحمد الوادي. سلسلة الندوات 12، 2000. ص: 32، بتصرف.

[6] – نفسه، ص: 23.

[7] – فاضل ثامر، اللغة الثانية، في إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث، المركز الثقافي العربي بيروت، الطبعة الأولى 1994، ص: 179.

[8] – ادريس نقوري، مدخل إلى علم الاصطلاح، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 1997، ص83.

[9] – عبد الرزاق جعنيد، ملاحظات حول بناء معجم لمصطلحات النقد العربي وتوثيقها، مقال ضمن كتاب قضايا المصطلح في الآداب والعلوم الإنسانية، الجزء الثاني إعداد عزالدين البوشيخي ومحمد الوادي مارس 2000، ص 127 ما بعدها (بتصرف).

[10] – الشاهد البوشيخي، مصطلحات النقد العربي لدى الشعراء الجاهليين والإسلاميين، منشورات القلم، الطبعة الأولى 1993، ص 48.

[11]–  عبد الرزاق جعنيد، ملاحظات حول بناء معجم لمصطلحات النقد العربي وتوثيقها، مرجع سابق ص 138.

[12] – جيرالد برنس، المصطلح السردي (معجم المصطلحات)، ترجمة عابد خزندار، مراجعة وتقديم محمد بريري، المجلس الأعلى للثقافة الطبعة الأولى 2003، ص: 19.

[13] – أحمد المديني، فن القصة القصيرة بالمغرب، في النشأة والتطور والاتجاهات، دار العودة بيروت، ص 36 وما بعدها (بتصرف)

[14] – لطيف زيتوني، معجم مصطلحات نقد الرواية، دار النهار الطبعة الأولى، بيروت- لبنان 2002، ص84.

[15]– سعيد يقطين، السرديات والتحليل السردي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 2012، ص68 (بتصرف).

[16] – تيزفطان تودوروف، مفاهيم سردية، ترجمة عبد الرحمان مزيان، الطبعة الأولى، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي البلدي، 2000- 2005، ص 74.

[17] – حميد الحميداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر، بيروت-لبنان 1991، ص 50.

[18] – محمد علي سلامة، الشخصية الثانوية ودورها في المعمار الروائي عند نجيب محفوظ، الطبعة الأولى دار الوفاء، الإسكندرية- مصر 2007، ص 11.

[19] – بول ريكور، الزمان والسرد (الزمن المروي)، ترجمة سعيد الغانمي، دار الكتب الجديدة، الطبعة الأولى 2006، ج3، ص: 29.

[20] – جيرالد برنس، المصطلح السردي (معجم المصطلحات)، ترجمة عابد خزندار، مراجعة وتقديم محمد بريري، مرجع سابق، ص: 231.

[21] – سيزا قاسم، بناء الرواية، دراسة مقارنة في ثلاثية نجيب محفوظ، مهرجان القراءة للجميع، مكتبة الأسرة 2004، ص 37.

[22] – باديس فوغالي، الزمان والمكان في الشعر الجاهلي، علم الكتب الحديث الطبعة الأولى 2008، ص 174 وما بعدها (بتصرف).

[23] – حميد الحميداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، مرجع سابق، ص 64.

2 تعليقات

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

2 التعليقات

  • عبد الرحمن
    05/04/2021, 10:11 م

    موضوع جيد بالتوفيق أخي العزيز

    الرد
  • كتابة خطة البحث
    تعد خطة البحث من العناصر الأساسية التي تتكون منها رسائل الماجستير والدكتوراه. كما تعتبر من المتطلبات الرئيسية التي تضعها بعض الجامعات للحصول على القبول للدراسة فيها في مرحلة الدراسات العليا.

    الرد

آخر المقالات