728 x 90

التواصل:1: تعاريف د: عبدالله شكربة

التواصل:1: تعاريف د: عبدالله شكربة

توطئة:

أولا: لنتفق بداية أن الخوض في مفهوم التواصل هو خوض في مفهوم تتقاذفه علوم وتخصصات مختلفة؛ علم النفس، علم الاجتماع، علوم الاتصال والاعلام، اللسانيات…الخ. ولذلك فإن تقديم مقاربة شاملة عن الموضوع تقتضي العودة الى هذه التخصصات جميعا وفحص رؤيتها للمفهوم.

ثانيا: نميز بين ممارسة التواصل والوعي بهذه الممارسة والتنظير لها وتطوريها، فالإنسان مارس العملية التواصلية بأشكال مختلفة، وفي مجالات متباينة.

ثالثا: إن علم التواصل لم ينشأ بداية  مستقلا بذاته ولذاته، وإنما جاء نتيجة مجموعة من الأبحاث ذات طبيعة تخصصية متنوعة مرتبطة بما هو أمني عسكري، وما هو أمني تواصلي، وما هو إعلامي …الخ.

رابعا: يتسع مفهوم التواصل كثيرا حتى يدل على كل نشاط إنساني، ويضيق وتنحصر دلالته في اللغة التي قد تحدث تأثيرات قصدية أو غير قصدية في الطرف المحاور.

خامسا: نقدم في هذا المقال مجموعة من التعاريف التي تركز على معنى ودلالة المفهوم، سواء تعلق الأمر بالدلالة العامة التي تقارب المفهوم مقاربة شمولية تستحضر كل الأنشطة المجتمعية، أو الدلالة الخاصة التي تركز على المفهوم من خلال زاوية معينة أو تخصص معين.

وقبل ذلك سنقدم فرشا نظريا حول المفهوم من الناحية اللغوية، كما سنقترح تمييزا بين التواصل والاتصال.

  1. التواصل في اللغة :

التواصل كلمة مشتقة من الجدر “وصل” و يدل على معاني كثيرة، نقول “وصلت الشيء وصلا وصلة والوصل ضد الهجران (…) و وصله إليه وأوصله أنهاه إليه وأبلغه إياه ” [1] . ومعلوم أن التواصل كلمة مشتقة من الفعل تواصل، وهو فعل مزيد بحرفين (التاء والألف) والزيادة لا تكون في المبنى فقط وإنما تحدث تغييرا في المعنى أيضا.

تفيد صيغة تفاعل الاشتراك في الفعل، نقول تخاصم أحمد ومحمد أي وقع خصام بين أحمد ومحمد فكلا الطرفين هنا اشتركا في الفعل، فكلاهما خاصم الآخر. وهو ما يعني أن التواصل عملية مشتركة بين طرفين على الأقل.

و تعني الكلمة الفرنسية (communication) و مشتقاتها مجموعة من المعاني كالاتصال، و الإيصال  (communicat) ، و الاشتراك (commun). وعليه فالكلمة تدل على “معاني متعددة و متداخلة فهي تعني حدثي التواصل كما تشير إلى فعل التبليغ؛ أي توصيل شيء ما إلى شخص ما وإلى نتيجة ذلك الفعل، كما تدل على الشيء الذي يتم تبليغه والوسائل التقنية التي يتم التواصل بفضلها”[2].

وفي معجم Le Petit Larousse”” (1974) يُعرِّف التواصل باعتباره «فعلا لإيصال شيء ما: رأي، رسالة، معلومة»، ويُضيف على أن المصطلح في علم النفس يشير إلى «نقل الخبر داخل مجموعة ما والنظر إليه في علاقاته مع بنية هذه المجموعة”.

ويتصور [معجم] Le “Littré” (1974) التواصل من خلال مظاهره المختلفة نستخلص منها ما هو أساسي: «فعل الإخبار أي نتيجة هذا الفعل…تبادل المستندات…عند معرفة الخصم “[3]

إن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو معنى الاشتراك الذي يؤكد على ركنين من أركان التواصل، و هما (المرسل و المرسل إليه) كما أن المعنى يتقاطع مع المعنى اللغوي العربي (تواصل).

  • . الفرق بين التواصل والاتصال :

التواصل يقتضي وجود طرفين على الأقل حتى تتم العملية التواصلية، و يقتضي أيضا الأخذ والعطاء، فتواصل على صيغة تفاعل، و التي تعني – كما سبق ذكره – الاشتراك بين طرفين. أما الاتصال فمشتق من الفعل اتصل “واتصل الشيء بالشيء أي لم ينقطع”[4]. وهو فعل مزيد على صيغة افتعل التي تعني المبالغة والزيادة والاجتهاد في تحصيل الفعل، فنقول اتصلت بفلان أي اجتهدت في الاتصال به، واكتسبت المال أي بالغت واجتهدت في كسبه. فالاتصال هنا يركز فقط على مجهود الطرف الأول ولا يعير الطرف الثاني أي اهتمام. في حين أن فعل التواصل يتشرط الاشتراك في الفعل.

و هذا هو جوهر الاختلاف بين المصطلحين[5].

 

 

3 التواصل اصطلاحا :

يعرف طلعت منصور التواصل بكونه ” فعل نقل المعلومات من مرسل إلى متلقي بواسطة قناة، حيث يستلزم ذلك النقل من جهة وجود شفرة، ومن جهة ثانية تحقق عمليتين اثنتين ترميز المعلومات (codage) و فك الترميز (décodage) مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التفاعلات التي تحدث أثناء عملية التواصل، وكذا أشكال الاستجابة للرسالة و السياق الذي يحدث فيه التواصل”.[6]

يبدو أن طلعت منصور وإن كان قد حدد معظم شروط التواصل في تعريفه هذا (من مرسل و متلقي و سنن و قناة…)، إلا أنه ربط التواصل وحدده في نقل المعلومات من مرسل إلى متلقي، والحقيقة أن التواصل أكثر دلالة من هذا بكثير. فإذا كان التواصل ينحصر في نقل المعلومات من مرسل إلى مرسل إليه، مع اشتراط وجود سنن وسياق فحتى التواصل الحيواني يقوم بهذه العملية، وكمثال على ذلك تواصل النحل، الذي يصدر رقصات مختلفة تعبر عن وجود الطعام والمسافة التي بينه وبين الخلية، فتختلف نوعية الرقصة حسب قرب أو بعد الطعام من الخلية “[7]. فالعملية التي تقوم بها النحلة تتوفر فيها كل شروط التواصل حسب طلعت منصور. لكنه تواصل بدافع تحقيق رغبة بيولوجية لذلك “فالتواصل بين الناس ليس شبيها بالتواصل بين النحل، لأنه يختزل في نقل الإشارات الهادفة إلى إثارة سلوكات تكيفية، بل يسمح لكل واحد منا أن يدرك بأنه يستحيل عليه التأكد من فكرته ما لم يواجهها بفكرة الغير، وبالتالي يتوجب عليه قبول الاحتجاج و السجال لبلوغ ما يفكر فيه هذا الأخير”[8].

وعلى هذا الأساس فالتواصل ليس مجرد نقل للمعلومات، بل يقتضي الدخول مع الآخرين في حوار و سجال، و أخذ وعطاء، وتبادل للآراء والأفكار.

يرتبط مفهوم التواصل عند “موسكفسي” Moscovici بنقل المعلومات والقدرة على الاقناع والتأثير في الآخرين. “إن ظواهر التواصل الاجتماعي تشير إلى تبادل الرسائل اللسانية وغير اللسانية (صور، إيماءات إلخ) بين الأفراد والجماعات. ويتعلق الأمر بالوسائل المستعملة لنقل خبر معين والتأثير في الآخرين » (موسكفسي، 1984، ص: 6)[9].

واذا كان موفسكي ركز على الجانب التأثيري في التواصل، فإن اللسانيات التداولية  قد ركزت كثيرا على هذا الأمر؛ لكن من خلال اللغة، ذلك أن فعل الكلام من حيث هو فعل يتم بواسطة اللغة ويُحْدِث تأثيرات قصدية أو غير قصدية على المُحاوِر. والأكثر تضييقا أيضا (لكل تكميليا) هو التحليل الذي يعني أن النتاجات المتبادلة تُولَد بهدف الحصول على أثر يتوقعه المرسِل. ويتعلق الأمر حينئذ بفعل يقوده الميتا –تصور Méta représentation ويتضمن تصورا عن طريقة تغيير الحالة الذهنية للآخر. “[10].

يقدم شانون و ويفر تعريفا عاما في معناه لكنه يشمل كل الأشكال التي يمكن أن تتم بها العملية التواصلية؛  ” إننا نستعمل مصطلح التواصل بمعنى واسع جدا يتضمن كل نسق من التصرفات التي يستطيع بواسطتها فكر معين أن يؤثر في غيره فلا بد له من أن يدخل في ذلك الكلام المنطوق و المكتوب، ثم الموسيقى و الفنون التشكيلية و المسرح و الرقص و كل سلوك بشري يتخذ طابع  النسق”.[11]

لقد كان الغرض من جرد هذه التعاريف هو توضيح مفهوم التواصل، والوصول من خلالها إلى تعريف شامل. وعليه  فالتواصل يقتضي نقل المعلومات(طلعت منصور) وتبادلها مع الآخرين، المدركين لخطاب المرسل، هذا التبادل ينتج عنه تكوين علاقات بين أفراد المجتمع، كما أن تبادل المعلومات يتم بأنساق لغوية وأنساق غير لغوية كالرقص والموسيقى والفنون التشكيلية…الخ.

 

 ابن منظور، لسان العرب، المجلد 11، دار صادر بيروت مادة “ل”[1]

 أحمد فريقي،(2011) التواصل التربوي و اللغوي ( دراسة تحليلية ) ،ص:21[2]

[3]  جانين بوديشون، تعريفات: ما هو التواصل؟ ترجمة عبدالعالي مريني عن موقع: https://www.aljabriabed.net/n88_09marini.htm#_ednref1

 

 لسان العرب، المجلد 11 ، دار صادر بيروت، مادة “ل”.[4]

[5] و نشير هنا إلى أن العديد من الدارسين يستعملون مصطلح التواصل و الاتصال بمعنى واحد.

 طلعت منصور،(1980) سيكولوجية الإتصال، عالم الفكر، المجلد 11، العدد 2 ،ص:   198 – 104 [6]

 جاكسون و آخرون،(2007) التواصل النظريات و المقاربات، ترجمة عز الدين الخطابي و زهور حوتي ص: 21 – 22[7]

 المرجع السابق ص: 46[8]

[9]  جانين بوديشون، تعريفات: ما هو التواصل؟ ترجمة عبدالعالي مريني عن موقع:

https://www.aljabriabed.net/n88_09marini.htm#_ednref1

[10]   المرجع السابق.

 نقلا عن أحمد فريقي، التواصل التربوي و اللغوي ص: 23[11]

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات