728 x 90

الثقافة الجمالية وتنمية السلوك -بحث في المداخل والآليات- د. محمد عروس

الثقافة الجمالية وتنمية السلوك -بحث في المداخل والآليات- د. محمد عروس

ملخص المداخلة:

الإنسان كائن ثقافي بطبيعته، يستطيع التأقلم، والتطوير، وتغيير المحيط من حوله، مثلما يستطيع تنمية ذاته، وتطويع سلوكه، وتنميته. ولذلك تغدو المكتسبات الثقافية بمثابة روافد، تغذي جوانب شخصية الفرد المتعددة؛ العقلية، والنفسية، والسلوكية، وذلك ما ينعكس على الجماعات ويحقق الاستقرار، والنمو، والتطور من خلال تأثير العناصر غير المادية من الثقافة في الإنسان.

ويتجسد في الفعل الإبداعي حضور العناصر غير الثقافية وفعلها الحضاري، معانقا الجمال، ومبشرا بالقيم التي يؤمن بها المبدع، ويريد تسويقها في دنيا الوجود؛ شعرا، ورواية وقصة….. ليكون الأدب إرثا ثقافيا للجمالية له تأثيره، وأبعاده، ودوره في توجيه الحياة، وتغيير السلوك. وقد كانت دعوة الشعراء صريحة إلى قيم الجمال، ولنا في قول “إيليا أبو ماضي” خير بيان: كن جميلا ترى الوجود جميلا، وقول “عبد الحليم مخالفة”: أنا لست أعبث بالرؤى.

وكل ذلك يجعلنا نفتح النقاش حول دور الثقافة الجمالية في تنمية الذّات، وتقويم السلوك وتأثير الإنتاج غير المادي للثقافة على البعد المادي للوجود الإنساني، في مداخلة موسومة بــــ “الثقافة الجمالية وتنمية السلوك، بحث في المداخل والآليات”.

إن الإشكالية التي يسعى البحث إلى مقاربتها تتمثل في تأثير التراث غير المادي للثقافة الجمالية في الجانب السلوكي للأفراد والجماعات، وموقع الأدب في ثنائية الجمالية والمقصدية.

ويمكن صياغة هذه الإشكالية في التساؤلات الآتية: كيف يمكن للعناصر غير المادية للثقافة أن تغير السلوك المادي للأفراد والجماعات؟ وما هي الأسس التي تستند عليها الثقافة الجمالية؟ وما هي مظاهر تنمية السلوك المؤسَّسَة على قيم الثقافة الجمالية؟ وكيف يجسد الإبداع ما هو قيمي من خلال ما هو جمالي؟  وإلى أي مدى يمكن القول إن الاهتمام بالثقافة غير المادية فعل منتج حضاريا، ويتطلب العناية والاهتمام.

 

 

 

مقدمة

تعد الثقافة أساسا في بناء الإنسان، وتنظيم الواقع الإنساني، بما يحقق احتياجات الفرد والمجتمع على السواء. والإنسان اجتماعي بطبعه -كما قال ابن خلدون- وتفرض عليه اجتماعيته التأقلم، والتكيف مع متطلبات الحياة، ومتغيراتها. فمنذ أن يفتح المولود عينيه على الوجود تبدأ شخصيته في التَّكَوُّن، وتبدأ العناصر الثقافية فعلها فيه؛ رعاية، وتوجيها، وتقويما. ولذلك جاء في الحديث النَّبوي الصحيح ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ. كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟))[1].

والإنسان ينزع بطبعه نحو كل ما هو جميل؛ صوتا، وصورة، وحالا، وموقفا مما يكسب الجمال أهمية كبيرة في تشكيل ما هو ثقافي، ويعطي ثنائية الثقافة الجمالية في علاقتها بالسلوك الإنساني موقعا مهما في تنمية الذات، وتوجيه السلوك.

المبحث الأول: مصطلحات الدراسة ومفاهيمها

إن المصطلحات مهما بدت مألوفة في السمع إلا أن تحديدها يبقى ذا أهمية حتى تستقيم المقدمات مع النتائج، ولذلك يتنازع هذه الدراسة جملة من المصطلحات: الجمال، الجمالية، الثقافة، الثقافة الجمالية، تنمية السلوك، وهو ما يمكن بيانه في الآتي:

المطلب الأول: مفهوم الثقافة

إن التساؤل حول الثقافة الجمالية يحتم علينا التعرف مبدئيا -ولو بإيجاز-على الثقافة[2] فقد عرّف “إدوارد بوزيت تايلور” الثقافة بقوله: « تلك الوحدة الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة والإيمان، والأخلاق، والقانون، والعادات، بالإضافة إلى أي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في مجتمع»[3]. وبذلك يظهر تغلغل ما هو ثقافي في كل المكونات المجتمعية، مما يعطي الكائن البشري وجودا حضاريا، يختلف به عن كل ما يشاركه الهواء على وجه البسيطة. وبمقدار تَمَلُّك الذات الإنسانية في طابعها الفردي، أو الجمعي لِمَا هو ثقافي بمقدار ما تحقق تميزها. الأمر الذي يجعل الثقافة ذات أبعاد أنطولوجية.

لئن تعلقت الثقافة عند “تايلور” بهذا الشمول، والكلية الذي يطبع الحياة الاجتماعية، فإن هناك وجهات نظر أخرى، حاولت تركيز الاهتمام على زوايا معينة للفعل الثقافي في تحديد مفهوم الثقافة. وذلك ما أجمله “كلايدكلون” في كتابه “مرآة الإنسان”؛ فهي[4]: الطريقة الكلية لحياة شعب – طريقة تفكير، واعتقاد، وشعور- تجريد قائم من السلوك – الميراث الاجتماعي الذي يكتسبه الفرد في جماعته – نظرية يقدمها عالم الأنثروبولوجيا حول الطريقة التي يتصرف بها شعب ما – مخزن للمعارف المشتركة – مجموعة من التوجهات الموحدة المقاييس حيال المشكلات المتكررة – السلوك المكتسب – آلية للضبط المعياري للسلوك – مجموعة تقنيات تهدف للتأقلم مع البيئة الخارجية، ومع الأشخاص الآخرين على حدّ سواء – راسب من رواسب التاريخ .

وليست الثقافة مجرد نشاط متعة، أو إمضاء لوقت فراغ، بل تهتم الثقافة بتكوين أفراد ناضجين، ذوي إحساس بالحياة حقيقي ومتوازن. كما يقول “إف أر ليفس” أحد مؤسسي الدراسات الثقافية[5].

يبدو لنا من خلال هذه التعاريف جملة من الملاحظات حول العلاقة بين الثقافة والعناصر ذات الصلة بها:

الثقافة هي المعطى الإنساني الذي يجعل الإنسان مختلفا عن كل عناصر الوجود، بل تجعله  الفاعل الثقافي الوحيد فيه – التفاعل المباشر بين الإنسان وما يعتلج في ذاته من مشاعر وسلوك، وأفكار وبين المكونات الاجتماعية التي تحيط به وتشكل وجوده – الثقافة وسيلة للتأقلم وتنمية السلوك وتوجيهه – الثقافة هي التي تحدد ملامح الهوية الفردية، أو الجماعية – الثقافة تجمع في الذات الفردية، أو الجماعية إرث الماضي، وتفاعلات الحاضر، وإرهاصات المستقبل وهواجسه – تتأسس الثقافة على كل ما هو جمالي، ذلك أن كل ما تعلق بالثقافة من قيم ومعارف، وسلوك، وعادات، ومعتقدات يجمع بينها عنصر الجمال، بدءا من تحفة فنية إلى موقف حياتي.

وعليه، فالإنسان كائن ثقافي، والثقافة هي التي تصنع الوجود الفردي، أو الجماعي مما يجعلها في علاقة جدلية مع الجمال والجمالية. إذ القيم الجمالية تسعى جاهدة إلى اكتساح الذات والعمل على تغيير الوجود، بما يتناسب والمعطيات الثقافية التي يؤمن بها كل فرد، أو توجه مجتمعي.

المطلب الثاني: مصدر الجمال

شكل مبحث الجمال بؤرة مركزية في التفكير الديني، والفلسفي، والنقدي عبر العصور. فمن اعتبار الآلهة مصدر الفن مع أفلاطون كانت المثالية في النظرة للجمال. وبموجب ذلك فالشعر مفسد للأخلاق، والشعراء لا مكان لهم في المدينة الفاضلة إلا إذا مَرَّ شعرهم على حكماء المدينة، وصادقوا عليه. وقد اعتبرت نظرية المحاكاة الطبيعة مصدر الجمال. وهي النظرية التي هيمنت على الفكر لقرون طويلة. وكان الفن نتيجة ذلك تقليدا على مستوى الإبداع -إذ الطبيعة مصدر الجمال وقمة تجليه-، وتطهيرا على مستوى الوظيفة. وذهب “كانط” إلى عَدَّ العمل الفني موضوعا للخبرة الجمالية بعيدا عن أي منفعة. وبذلك طغى مذهب الفن للفن، إذ الجمال ذاتي ولا قيمة له خارج ذاته. بينما اعتبر “هيغل” الفن تجاوزا للطبيعة، والتقليد[6]. وفي كل هذه التحولات في النظرة للجمال كان الصراع محتدما بين من يجعل الجمال مبحثا فلسفيا، وبين من يعده  مبحثا أخلاقيا، ومن يعتبره مبحثا ثقافيا، والأهم في كل هذا هو سؤال الجمال في حد ذاته.

لقد فتح سؤال الجمال  أمام الفن مجالا رحبا، وكثرت حوله المدارس، والتوجهات بين من يؤسس رؤيته من منطلق الفن للفن، مع “الدادائية”، ومن سار في ركبها، إلى من يعد أساس منطلقه الفن للحياة مع الرؤية الاجتماعية للفن عبر موضوع الالتزام في الفن، والأدب الثوري مثلما الأمر مع التوجهات الاجتماعية للأدب. إذ «تنطلق علاقة الفن بالمجتمع من فكرة مؤداها أن القيمة الجمالية التي اعتبرت العمود الفقري للإبداع الفني في كل العصور لا تعدو أن تكون قيمة اجتماعية تؤثر، وتتأثر بمحددات الإطار المجتمعي الذي ظهرت به »[7]. وعليه كانت النخبة المثقفة حاملة راية التغيير في شتى التحولات الاجتماعية. وكان للأدب والفن رسالة في الحياة  لما للأدب خصوصا والفن عموما من تمظهر جمالي يغري، ويؤثر.

من طبيعة الفن أن يكون جميلا، حتى يكتسب تأشيرة الدخول إلى عالم الإنسان، فيؤثر في الإنسان، ويُقَوِّم من صفاته، وينمي من قدراته. وكم من النفوس تأثرت لِبَيْت من الشِّعْر، وكم من العقول بقيت مذهولة ومندهشة أمام لوحة فنية، وكم من المواقف حدَّدتها حكمة أو بيت شعر، وقد قال “معاوية بن أبي سفيان” -رضي الله عنه-: اجعلوا الشعر أكبر همكم، وأكثر آدابكم، فإن فيه مآثر أسلافكم، ومواضع إرشادكم، فلقد رأيتني يوم الهرير وقد عزمت على الفرار فما ردني غير قول ابن الإطنابة الأنصاري[8]:

أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلَائِي          وَأَخْذِي الْحَمْدَ بِالثَّمَنِ الرَّبِيحِ

وَإِجْشَامِي عَلَى الْمَكْرُوهِ نَفْسِي         وَضَرْبِي هَامَةَ الْبَطَلِ الْمُشِيحِ

وَقَوْلِي لَهَا كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ        مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي

وكل ذلك يجعل الفن حاملا في طبيعته للثقافة الجمالية، وتكون بالتالي رسالته في الحياة متعددة الجوانب، ومن بينها تقويم السلوك الفردي والجماعي.

المطلب الثالث:  غاية الثقافة الجمالية

تُعْنَى “الجمالية” عموما بدراسة الجمال، سواء كان طبيعيا في الموجودات(جمال المناظر والمشاهد الطبيعية وغيرها)، أو متعلقا بالإنسان؛ مظهرا، ومخبرا( جمال الخِلقة والملبس، وجمال الأخلاق، وجمال السلوك)، أو بما يَنْتُج عن الإنسان من فعل إبداعي متمثلا في الفن بشتى صوره، أو متعلقا بما يُحدثه الإنسان من تغيير في محيطه الطبيعي من عمران، ومصنوعات وغيرها.

لئن جعل “علم الجمال” أو “الجمالية” موضوعه الرئيس “الفن الجميل” كما اعتقد “فريدريك هيغل” فإن الجمال مبثوث في كل شيء، وعلى الجمالية أن توسع مجالها ليصبح كل جميل موضوعا للدراسة.

و”الثقافة الجمالية” هي الثقافة التي تجعل ما هو جمالي موضوعا لها. ولاتساع مفهوم الثقافة كما بينا سابقا تتسع دائرة، ومجال اهتمام، وبحث الجمالية. وعليه، تسعى الثقافة الجمالية إلى اكتشاف الجمال في الإنسان، والطبيعة، كما في الفن، والمجتمع. وغايتها الأساسية هي تنمية وتربية الإنسان. ليحقق الانسجام مع نفسه، ومع الآخرين، ومع كل ما يحيط به. إذ غاية التربية الجمالية « أن تعد الأفراد لتذوق الجمال في صوره المتعددة والتي من خلالها تتاح الفرصة الإبداعية، وتكتسب المهارات، وتنمو المعرفة، ويتسع الإدراك، وتُعمَّق الرؤية، وتزداد إمكانية الفرد على التمييز بين الأشياء»[9]. وبذلك تشمل الثقافة الجمالية «كل الوسائل التربوية العملية والنظرية التي تجعل الإنسان جميلا في إحساساته، وأفكاره، وفي أخلاقه، وسلوكه، وفي جميع شؤونه، مما ينعكس عليه سعادة، واغتباطا، وعلى المجتمع أمنا وسلاما»[10]. ومثلما تجعل الثقافة الجمالية ما هو جمالي موضوعا لها فإنها تمثل الإرث غير المادي للوجود الإنساني، ولو أراد الإنسان دراسة الحياة من جميع جوانبها ما استطاع تجاهل مظهرها الجمالي.

وعليه، يغدو ملمح الجمال مؤشرا دالا على الإنسان، فهو من يتذوق الجمال، ويصنعه ويعمل دائما على مراعاته في شتى تقلباته الحياتية. فمنذ أن يعي ذاته ينظر في المرآة، مُقوِّما مظهره، ومحسنا هندامه،  وينطلق في الحياة متلمِّسًا الجمال في كل شيء، ومرددا قول الشاعر[11]:

خُلِقْتَ طَلِيقًا كَطَيْفِ النَّسِيمِ         وَحُرًّا كَنُورِ الضُّحَى فِي رُبَاه

تُغَرِّدُ كَالطَّيْرِ أَيْنَ انْدَفَعْتَ           وَتَشْدُو بِمَا شَاءَ وَحْيُ الْإِلَه

وتكون الثقافة الجمالية بالتالي قيمة تتحرك في نطاقها أفعال الإنسان، وترتسم على صفحتها صورته المثلى.

المطلب الرابع: مفهوم تنمية السلوك

يتمثل السلوك الإنساني في جملة الأفعال التي يقوم بها الإنسان، وهو يتفاعل مع الآخرين، أو مع المحيط من حوله. والسلوك الإنساني في أبسط تحديداته المفهومية «تفكير أو عمل يقوم به المخلوق ويتجه به وجهة معينة قد توصله إلى هدف أو تقربه منه »[12]. وقد اعتُبر السلوك مدخلا مهما في محاولة فهم الإنسان، وتنميته، وتربيته. ومن أشهر المدارس في التربية وعلم النفس المدرسة السلوكية. وعليه، فنظرا لما للثقافة الجمالية من أهمية في رسم معالم الإنسان، وتحديد وجهته في الحياة، يبرز دورها في تنمية السلوك، وتقويمه، وتوجيهه. إذ الجمال «يسهم في كمال الأشياء ظاهرا وباطنا »[13]. والتلازم في حضور الملامح الجمالية بين الظاهر والباطن بَيِّن وملحوظ.

وقد كان التوجيه نحو السلوك الجمالي بارزا في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين﴾ (سورة  الأعراف 31). مثلما هو حاضر في الهدي النبوي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ))[14]. ولذلك عَدَّ الشاعرُ الجمالَ مدخلا لفهم الوجود، حين قال[15]:

والذي نَفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ        لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ شَيْئًا جَمِيلَا.

ومنه فتنمية السلوك في علاقة أكيدة بالثقافة الجمالية، لأنها أهم مفتاح لبناء الشخصية المتوازنة، والمتكاملة، والفاعلة إيجابيا في الحياة.

المبحث الثاني: مداخل الثقافة الجمالية لتنمية السلوك

المطلب الأول: المداخل المعرفية

     كل حركة في النفس أو الضمير إلا وتخضع لإرادة عليا هي إرادة العقل، فهو مناط التمييز بين الأشياء والحقائق، فبه نحكم على الأشياء حتى ولو كانت ذوقية. وبذلك كان الحكم على الجمال من اختصاص العقل، والانقياد له من مستتبعات النفس. يقول “جان جاك روسو”:  « إذا كان العقل هو الذي  يصنع الإنسان فإن العاطفة هي التي تقوده»[16]. وبالتالي يُعد العقل مدخلا أساسيا في الثقافة الجمالية.

وبالنظر إلى ما أثاره العقل من قضايا تتعلق بالجمال والجمالية يزداد الحكم بأهمية المدخل العقلي في الثقافة الجمالية وعلاقتها بتنمية السلوك؛ من قبيل: هل الجمال ذاتي أم موضوعي؟ هل الجمال طبيعي أم ذوقي؟[17]…. وقبل أن تظهر السلوكات، أو تتبدى المواقف، أو تُتَلفظ العبارات تكون قد ترسخت في الفكر وفي الأذهان قبل أن تشاهد في الواقع وبالأعيان. يقول “جون ديوي”: «إن للمفكر لحظته الجمالية، وهي تلك اللحظة التي لا تظل فيها أفكاره مجرد أفكار، بل تستحيل إلى معان أو دلالات مندمجة في صميم الموضوعات»[18]. وعليه قيل: لا سلطان كالعقل. والعقل يجعل النفس تشمئز لمنظر قبيح، وترتاح لمشهد مريح، بل تنشط لفكرة جميلة، وموقف إيجابي، وتكسل لفكرة سيئة، وموقف سلبي.

إن «فكرة الانتباه إلى كيفية تفكير الإنسان(العمليات العقلية) وكيفية تأثير التاريخ، والبيئة على تشكيل التفكير(تأثير المجتمع) يمكن أن يحسن من تصميم، وتنفيذ السياسات، والإجراءات الداخلية الإنمائية التي تستهدف اختيارات البشر، وأفعالهم (السلوك)»[19]. وليس من قبيل الصدفة أن يربط البنك الدولي بين ثلاثية العقل، والمجتمع، والسلوك، ويجعل العقل هو الفاعل الرئيس في سلم التنمية.

المطلب الثاني: المداخل الفنية

هل من شأن الثقافة النظرية أن تكون سببا في الثقافة العملية؟ إن كل تقدم وتنمية لواقع الإنسان الثقافي، والاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي يجب أن يمر حتما عبر تنمية شخصيته. وتنمية الشخصية منوط بمقومات أساسية، منها ما هو فطري تتدخل فيه العوامل البيئية، والوراثية والتاريخية، ومنها ما هو مكتسب يمكن تنميته. وأساس المكتسب من الشخصية ما تمثل الحواس نوافذ له؛ فبالتربية الخلقية تنمو الأخلاق، وبالتربية العلمية تنو المعارف، وبالتربية السياسية تنمو الحرية، وبالتربية الجمالية تنمو الأذواق، وتتهذب النفوس، وتتقوم الملكات.  وكل هذه الأنواع وغيرها من أنواع التربية منها ما هو مادي يكتسب بالتجارب والممارسة، ومنها ما هو قيمي شعوري يكتسب بالتفاعل الإيجابي مع المواقف والحالات.

وكلما اقترنت القيم التربوية المختلفة المشارب، والمداخل، والآليات بالجمالية كانت محبَّبَة للنفس، ومؤثِّرة في السلوك، ومُقَوِّمة له، مثلما هي محدِّدة للتوجهات ومميزة لها. ذلك أن القيم تحمل قيمتها في ذاتها، بعيدا عما يمكن أن يلتبس بها من أحكام إذا تضاربت المصالح، واختلفت المواقف، فالخير خير،  والشر شر، والعدل عدل، والظلم ظلم، وهلم جرا، مهما اختلفت الأنظمة الاجتماعية، والتوجهات السياسية. ولكن يبقى الاختلاف في التمسك بهذه القيمة، أو تلك، أو الانحراف عنها. وعليه يجب التوجه إلى مقياس يمكن العودة إليه في توجيه السلوك الفردي والجماعي نحو قيم الخير، والعدل، والصلاح. إذ به يمكن أن يرتقي الإنسان إلى كماله الإنساني ويبتعد عن السلوكات التي من شأنها الانتقاص من إنسانيته.

ولن يكون هذا المدخل إلا مدخلا جماليا، وعليه تصبح الثقافة الجمالية مفتاحا مهما في فهم وتوجيه السلوك الإنساني، وتنميته وفق متطلبات الفطرة. و« الواقع يقول إننا نقوم دائما بتعديل أنفسنا وسلوكنا ليتناسب مع نمط حياتنا وتغيراتها»[20]. ونمط الحياة وتغيراتها منوط بما هو ثقافي، بواسطة العديد من الأدوات، والمداخل. ومن أهمها الفنون الجميلة بما فيها من نماذج خالدة[21].

ولذلك يبرز دور الفن عموما، والأدب خصوصا في تقويم السلوك، وتنميته، ذلك أن الكلمة لها تأثير في تقويم السلوك وتوجيه الرأي. وقد كانت معجزة القرآن “كلاما” لِمَا للكلام من تأثير في النفوس. وعليه عُدَّ تأثير الكلام جراحات تبقى غائرة في النفس والضمير، يقول “يعقوب الحمدوني”:

جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا اِلْتِئَامُ         وَلَا يُلْتَامُ مَا جَرَحَ الِّلسَانُ

وعليه، فــــ« في كل العصور سعى الفلاسفة، والمفكرون، والفنانون أنفسهم إلى إعطاء الفن دورا في المجتمع، وإلى جعله مقتصرا على مهام تربوية على سبيل المثال»[22]. ذلك أن الأدب ينمي الذوق الجمالي بما يحمله من طاقات تعبير، وآفاق تصوير، وأبعاد رؤية. مثلما يحمل في طياته تصورات للحياة، يريد الكاتب تصديرها للمتلقي. يقول جون ديوي « لقد كان دعاة الأخلاق الذين عرفتهم البشرية شعراء، ومن هنا فقد أصبح الفن بمثابة وسيلة لاستبقاء الإحساس بالغايات التي تتجاوز الحقائق الواضحة »[23]. ومَنْ مثل الشاعر يعشق الجمال، ويجعله رسالة في الحياة؟ وكلما حمل الأدب قيما شعورية كان له الطاقة الإيجابية التي تمنحه فاعلية التأثير، وقد عبر عن ذلك “عبد الرحمان شكري” بقوله[24]:

أَلَا يَا طَائِرَ الْفِرْدَوْسِ      إِنَّ الشِّعْرَ وِجْدَانُ

وأعلن الصرخة ذاتها “رَمَضَانُ حَمُّودُ”  بقوله:

فَقُلْتُ لَهُمْ لَمَّا تَبَاهُوا بِقَوْلِهِمْ     أَلَا فَاعْلَمُوا أَنَّ الشُّعُورَ هُوَ الشِّعْرُ

يجد القارئ للنص الأدبي شعرا ونثرا، أو المتذوق للوحة فنية، أو المستمع إلى أهازيج إنشادية لذة نفسية، وارتياحا شعوريا، يبعث على راحة البال، وهدوء النفس، وارتياح الضمير. في عصر طغت فيه المادة. وهيمنت الآلة. وكان لزاما على الإنسان أن يجد ملاذا آمنا يستريح إليه ويبثه أشواقه، وذاك الملاذ -المنتج للسمو النفسي- هو الإبداع الأدبي بشتى صوره، وجميع  فنونه، وذلك أحد تجليات دور الثقافة غير المادية في تنمية الذات، وتقويم السلوك.

يصور الأدب القصصي -على وجه الخصوص- أنواعا من السلوك البشري في قالب فني، يجعل المتلقي يجد صورة سلوكاته مجسدة في إحدى الشخصيات، مثلما قد يجد فيه بعض انكساراته، وطموحاته ممثلة في أخرى، وفي كل ذلك رسائل بانية لشخصيته، ومؤهلة له للتصرف بحكمة أفضل، قد تجنبه مخاطر السير في طريق الضلال، أو مسارب الغواية، أو متاهات الفشل. وهي إحدى رسائل التنمية البشرية بمفتاح الأدب، وأدواته. وفي القرآن الكريم تكثر القصص للاعتبار، والتقويم، والتوجيه. ومسألة التطهير عريقة في الثقافة الأدبية.

وكثيرا ما نقل الأدب بعض الخاملين إلى دائرة الفعل، والإنتاجية. وبذلك يبرز دوره في توجيه الجماهير، وتنمية الأذواق. ولنا أن نتساءل عن المعين الذي يستقي منه قادة الرأي أفكارهم، وعن المنبع الثَّرِّ الذي يرتوي منه رواد الإصلاح، ويستلهمون رؤاهم، وعن المعين الذي يزود رواد التغيير بالطاقة، والحيوية في كل زمان ومكان. ولا بد أن نجد ذلك المورد الصافي والمعين الذي لا ينضب، والمنبع المتدفق دائما في رحاب الأدب، وما يحمله من جماليات، وما يتمتع به من قدرة على التأثير في النفس.  وقديما قال “حسان بن ثابت” بيته المشهور:

وَلَوْلَا خِلَالٌ سَنَّهَا الشِّعْرُ مَا دَرَى         بُغَاةُ النَّدَى كَيْفَ تُؤْتَى الْمَكَارِمُ

وحديثا قال “أبو القاسم الشابي”[25]

إِذَا الشَّعْبُ يَوْمًا أَرَادَ الْحَيَاة                فَلاَ بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَدَرْ

وَلَا بُدَّ لِلَّيْلِ أَنْ يَنْجَلِي                      وَلَا بُدَّ لِلْقَيْدِ أَنْ يَنْكَسِرْ

وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَاة                تَبَخَّرَ فِيَ جَوِّهَا وَانْدَثَرْ

وقد تلقفت الألسن هذه الأبيات، ورددتها في شتى المحافل، كلما ادلهمت الخطوب واشتدت العواصف. لا لسبب إلا لما حملته من قيم، وما في بنائها من جمال. ولذلك فـــ« على الفن أن يهجر دائرة  عالم الواقع الفعلي، وأن يحلق بشجاعة لافتة فوق دائرة عالم الضرورة،  فالفن ابن سليل للحرية، وعليه أن يتلقى تكليفها عن مطالب عالم الروح، لا عن مقتضيات دنيا المادة»[26]. وعليه يمثل الفن مدخلا مهما في الثقافة الجمالية، التي تسعى إلى تنمية السلوك، وبناء الشخصية، إذ تصبح العلوم الإنسانية ذات قيمة أساسية في التنمية، لأن ما هو ثقافي يؤسس في الحقيقة لما هو مادي، مما حدا ببعض الدارسين إلى الكلام على رأس المال الثقافي.

يعرف “بيير بورديو” الرأسمال الثقافي بأنه«مجمل المؤهلات الفكرية، والثقافية، والقدرات والمهارات الموروثة من المحيط الأسري. ويتجسد في ثلاث حالات: الحالة الأولى على شكل ذاتي، ويتخذ شكل تنظيم دائم من المؤهلات، والمقتضيات مثل القدرة على التعبير، ومواجهة الجمهور. الحالة الثانية على شكل موضوعي؛ كالأشياء المرتبطة بالثقافة؛ كالكتب  والموسوعات، والمؤلفات، والرسومات الفنية. والحالة الثالثة على شكل مؤسساتي؛ حيث يظهر في الألقاب، والشهادات العلمية التي تعطي هذا الصنف من الرأسمال أصالة الفرد»[27]. وبقدر امتلاك الفرد، أو المجموعة الاجتماعية قدرا معتبرا من الرأسمال الثقافي، بقدر ما تقل الهوة الثقافية بين هذه الفئة المجتمعية والمحيط الثقافي المتغير يوميا.

يقول “فيريدريك هيغل” مبينا دور الفن كنتاج غير مادي في حياة الإنسان: «إنه يُجَمِّل أجواءنا الداخلية والخارجية، بتخفيفه حدة جدّ الظروف، بتلطيفه تعقيد الواقع، بملئه على نحو ممتع أوقات فراغنا، وحتى عندما لا ينتج شيئا صالحا فإنه يأخذ على الأقل محل الشر، وهذا لعظيم فائدتنا ونفعنا»[28]. ويضيف: «يكمن هدف الفن في أن يضع تحت متناول الحدس ما هو موجود في الفكر الإنساني، الحقيقة التي يؤويها الإنسان في فكره، ما يجيش في صدر الإنسان ويحرك فكر الإنسان»[29]. ومنه يغدو الفن مدخلا لتقويم السلوك، مثلما هو مدخل للإنتاج والإنتاجية. إذ يستطيع الفن أن يرفع الإنسان إلى أسمى غايات النبل، مثلما يستطيع أن يحط من قدره إلى أخس الأهواء، والشهوات، بحسب ما يحمله الأدب من قيم ومبادئ[30].

المطلب الثالث: المداخل النفسية

يقول “ديل كارنيجي”: “أنت نسيج وحدك”، وهي عبارة تقرر بشكل حاسم استقلال الشخصية، وتحدد الملمح النفسي في بنائها. وبالتالي تمثل المداخل النفسية نوافذ مهمة في الثقافة الجمالية. فالجمال أصيل في النفس، بل هو بوصلتها التي توجه السلوك.  فمن جمال النفس تكون الابتسامة التي تحقق التواصل بين الأفراد والجماعات، وتنشر الود والإخاء وتحقق الطمأنينة، وتبعث الأمل في الذات والآخرين، وصدق الشاعر حين قال[31]:

إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا              فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

ومن أبرز العناصر النفسية التي تحقق تنمية السلوك، ورفع راية الجمال في الكون، يبرز عنصرا الحماس والتفاؤل. إذ « الحماس هو أن تشعر أن الأمر الذي تعيش فيه، أو الفكرة  أو المبدأ حي في جسدك، وأعصابك، متوهج في ضميرك، يصيح في داخلك، فيعجلك عن الراحة إلى الحركة، والعمل ويشغلك تماما»[32]. بينما التفاؤل« قوة نفسية، إيجابية، فعالة  ينظر بها صاحبها إلى الغد بابتسامة أمل، ويسير إلى الغاية المرجوة بروح جديدة شجاعة وبنفسية العزيز المنتصر، دون أن يعتريه اليأس، أو يستحوذ عليه القنوط»[33]. وبناء على هذين العنصرين تصبح الشخصية ذات حضور،  وإيجابية في كل ما يحيط بالإنسان من عوالم، وما يعترض طريقه من مصاعب.

تسمح المؤهلات النفسية الطبيعية، والمكتسبة بجعل الإنسان قادرا على تذوق الجمال ومنحه القدرة على تجاوز العوائق الطبيعية التي تتحكم في طبيعته، وسلوكه إلى سلوكات أفضل. و«المرء يمحو -من خلال مبادئ الأخلاق والسلوك- الطبيعة الدنية التي طبعتها في نفسه حاجات الحب الجنسي، ويرقيها من خلال الجمال»[34]. وبذلك فنظرة التفاؤل للحياة، وأخذ تكاليفها بقوة سبيلان لتحقيق التميز، وإرساء دعائم الجمال في الكون، والآفاق، مهما تقلبت صروف الزمان:

قَالَ الليالي جرّعتني علقما               قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقما

فلعل غيرك إن رآك مرنما                 طرح الكآبة جانبا وترنما

وعليه، يقرر “شللر”: «إنه لابد من تقديم الجمال، وإبدائه بوصفه العلة الشارطة الضرورية للإنسانية »[35]. فرسالة الإنسان في الحياة جمالية في طبيعتها.

المطلب الرابع: المداخل الجمالية

إن الانحرافات السلوكية التي ميزت الوجود الإنساني في صورته الفردية، أو الجماعية يمكن تقويمها، وإرجاعها إلى الفطرة السليمة التي جبل عليها الإنسان في صورته الفطرية عبر مسلك الجمال الذي يحيل الذات إلى سجيتها الأولى، بعيدا عما أصابها من تشنجات، أو اعتراها من نتوءات. وليس من باب الصدفة أن يكون من معاني التثقيف اللغوية نزع النتوءات الموجودة على الغصن قصد تثقيفه، وتحويله إلى غصن مستقيم، وكلما استقام العود، ونزعت منه النتوءات، كلما اكتسب مظهرا جماليا. وعليه فالتلازم قائم بين الثقافي والجمالي في الدلالة اللغوية والدلالة الاصطلاحية على السواء.

وعليه، فالثقافة الجمالية تتغيا الشخصية في أبعادها المختلفة؛ النفسية، والعقلية والجسمية، وتعمل على رسم معالم للشخصية، تصبح فيها فاعلة حضاريا، بما تتمتع به من مؤهلات. ذلك أن «الشعور المتطور بالجمال إنما يهذب من السلوك»[36].  وعليه، يؤكد “شيللر” على أن الخبرة اليومية «تعلن بشكل عام تقريبا عن اقتران الذوق المهذب المصقول بالوضوح العقلي، وحيوية الشعور، وحرية السلوك، بل وعلو رتبته كذلك، على حين يقترن الذوق الفج عادة بأضداد ذلك كله»[37]. وبالتالي ينزع الإنسان دائما إلى ما هو جميل، فتعجبه الزهرة المتفتحة وتأسره البسمة المتهللة، ويسلب لبه القول الحسن. وبذلك تغدو عناصر الجمال مجسات يمكن أن يقاس بها تقويم السلوك، وتصبح الثقافة الجمالية موردا هاما لتقويم السلوك، وتنميته. ذلك«أن تهذيب الأخلاق هو الذي يشكل هدف الفن»[38]، إذ لا يمكن تصور أن حامل الزهرة يقتل ظلما  أو المبتسم للناس يغمطهم حقا إلا ممن انحرفت سريرته، وتلوثت سجاياه. ولنا في قول الشاعر الذي تشبعت روحه بالجمال حسن بيان:

علمتني الحياة أن أتلقى          كل ألوانها رضى وقبولا

ورأيت الرضى يخفف أثقالي       ويلقي على المآسي سدولا

والذي ألهم الرضى لا تراه         أبد الدهر حاسدا أو عذولا.

اقترن معنى الجمال وقيمته بالسلوك الأخلاقي في العديد من المواضع التي تتطلب من الإنسان قوة تحمل، وتغلب على النفس، وجعْلها تستقيم في سلوكها. من ذلك قوله تعالى: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون﴾ سورة يوسف الآية18. وقد تكررت في سياقات مختلفة في القرآن الكريم كلمة الجميل: الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، والسراح الجميل[39]، تقويما لبعض السلوكات، وإشادة بأخرى، لما للجميل من تأثير على النفس وقيمة في الوجدان.

 

المبحث الثالث: آليات وأدوات تنمية السلوك جماليا

المطلب الأول: الوعي بالجمال

الوعي بالجمال كفيل بتحويل خامات الحياة إلى تحف فنية، وتغيير المواقف السلبية إلى إيجابية، فقط على الإنسان أن يعي ذاته، وقدرته على التغيير الإيجابي في من حوله. وكل ذلك يتطلب منه حركة قاصدة، تسمح بتنمية ما حوله من محيط ثقافي، أو اجتماعي، أو سياسي. وفي تنمية المحيط تنمية للذات وتقويم للسلوك. إذ الشخصية الإنسانية تنمو بالحركة، والتفاعل والعطاء. وتذبل بالخمول، والانسحاب، والسلبية. وقديما قيل: الحركة تلد والسكون عقيم. ولذلك قال “فيريدريش شيللر”:«عليك أن تعطي الحركة القاصدة نحو الخير للعالم الذي تباشر الفعل والنشاط على أديمه، ولسوف يتكفل الإيقاع الهادئ للزمن بتنمية هذه الحركة القاصدة»[40]. إذ الزمن كفيل بتربية الذوق، وتنمية السلوك، ولا معلم كالزمن، ولا مدرسة كالحياة، فقط على الإنسان الذي تكتنز في طويته روح الجمال أن يصغي جيدا لسنفونية الحياة، وهي تعزف من حوله. ويجعل نفسه تلميذا دائم التمدرس في فصولها المختلفة، متنقلا في السنوات لا يرسب أبدا وإن تحصل على نتائج غير مرضية جدد العزم والمثابرة.

المطلب الثاني: قوة الشخصية

إن اعتناق الجمال وجعله مدارا لحركة الإنسان، وقوة شخصيته يمنحه صفة المحورية، إذ الجميل مرغوب فيه، والجميع يتطلع إلى هيأته البهية، ويتمنى منه نظرة، أو بسمة، أو التفاتة. بل أكثر من ذلك يتمنى الآخرون محاكاته والنسج على منواله. وعندها يصبح ناشرا للثقافة الجمالية بلسان حاله، ولسان مقاله على حد سواء؛ فإن تكلم فبجميل العبارات، وإن نظر فبأصدق النظرات، وإن مشى ففي حلي الجمال يرفل، فهو مع الفقير مواسيا، ومع الصديق مداعبا، ومع الكبير موقرا، ومع الصغير موجها، بل مع الأزهار ساقيا، ومع الطريق منظفا، ومع الطيور مغردا.

وكل ذلك يمنح شخصيته قوة تغدو معها قطبا لرحى من يحيط به، وهكذا«سوف يعمل ما أنت عليه من نبل وسمو على إيقاظ ما فيهم من نبل وسمو، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لن تنال حقارة وضعهم وانعدام الجدارة فيهم من تصميمك ومقصدك»[41]. والذي أكسب الفرد قوة شخصيته هي عوامل عديدة من بينها؛ ما منحته الثقافة الجمالية من مقومات عدلت سلوكه نحو الأحسن، وقومت مظهره نحو الأمتع، فلباسه متناسق ومناسب لِسِنِّه ومقامه، ولسانه ينم عن تربية ومران يمنحه النطق بالحكمة وفصل البيان، ومظهره الطبيعي الخارجي وسلوكه الواقعي صورة مستنسخة من مخبر أصيل. والناس معادن كمعادن الذهب والفضة. وقديما قيل: هيئتك تكرمك عند النزول ولسانك يكرمك بعد النزول؛ أي أن لباس الإنسان يبين موقعه الاجتماعي، فإذا ما تكلم أبان المخبر على ما دل عليه المظهر أو كان كمن قال فيه أبو حنيفة النعمان: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه، وقد جاء جبريل معلما للصحابة في هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، وكل ذلك مدارات للتأسي، وبيان قيمة المظهر، ودلالته قبل الحديث عن قيمة المخبر، وأهميته.

المطلب الثالث: الأدب والخبرة الحياتية

من بين آليات الثقافة الجمالية التي تعدل السلوك، وتنميه، وتوجهه، تبرز الخبرة الحياتية. والإنسان هو مجموعة من الخبرات، مثلما هي الخبرة مجموعة من التجارب. « والناس كل الناس، في جميع العصور، حينما يثقلهم تعب الحياة، أو يضايقهم تلاحق الأيام، أو ينتابهم الملل يخرجون إلى النزهات، وفي أحضان الطبيعة، بعيدا عن ضيق الجدران وإغلاق الأبواب يأوون إلى الجمال، ذلك هو العلاج الذي توارثه الناس جيلا بعد جيل»[42]. فمن الطبيعة يستلهمون مفاتيح الجمال لإدارة عجلة الحياة.

ويعد الإبداع الفني والأدبي نوافذ مفتوحة على الخبرات الحياتية، تكسب الفرد تجارب الآخرين، وتغني ذائقته الفنية والسلوكية. وتعمل الخبرة الجمالية على تنمية الوعي الجمالي، الذي هو بمثابة « طاقة نولد بها، ولكنها طاقة غير محددة الهدف تحتاج الملاحظة والقدرة على تنميتها بنفس القدر الذي تنمى به القوى الأخرى، ثم تستثير هذه الطاقة في الإنسان كل ملكاته الحسية والإدراكية والحركية»[43]، وقديما قال “هوراس” مالأسد إلا خراف مهضومة.

إن إدراك الإنسان لما يتطلبه محيطه الثقافي من قيم جمالية، يجعله ينخرط في هذا المحيط، معتمدا على تلك المكتسبات المعرفية، محولا إياها إلى قيمة إنتاجية. ولهذا تلعب العناصر الثقافية« دورا مهما في الإنتاج المادي، من حيث تناسب العمل مع الذوق الجمالي والواقع المعاش، فتزداد إنتاجية العمل المادي ويكون الفهم للمعطيات الجمالية، قد ساهم في تصريف المنتوجات التي تتوافق مع الذوق العام،، لأنها تجعل الإنسان يعيش في بيئة، فيقبل على ما تقدمه هذه المنتوجات لأنها تتماشى معه»[44]. وبذلك يبرز دور الفن في تشكيل الذوق وتوجيه السلوك.

إن الدور الذي تلعبه المؤسسات الثقافية كفيل بأن يجعل منها مصانع لإنتاج الإنسان وجعله فاعلا في محيطه، من خلال مقومات أساسية للثقافة الجمالية: احترام الوقت، والهندام اللائق، والاستقبال الحسن، والابتسامة… وكل ذلك يلعب الفن والأدب دورا رئيسا في تشكيله لدى الطفل، وينمو معه في مسارات الحياة. وإن «أحدث ما توصلت إليه البحوث يمضي بنا قدما نحو فهم التأثيرات النفسية، والاجتماعية، والثقافية، لعملية اتخاذ القرار والسلوك البشري، ويظهر أن لها أثرا ملموسا على نواتج التنمية »[45]. فالعقل السليم في الجسم السليم، والسلوك القويم في التوجيه المناسب لما تطلبه مدرسة الحياة، وما يتشكل في رحابها من مواهب تظل أسيرة ما هو ثقافي جمالي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة البحث ونتائجه:

نخلص في نهاية هذا البحث إلى جملة من النتائج يمكن بيانها في الآتي:

  • تأكيد الفرضية التي تأسس عليها البحث، وهي أن الإنسان كائن ثقافي، لأن باستطاعته التفكير، والتعبير، وتنمية سلوكه، وتثقيف نفسه، وإيجاد الحلول لكل ما من شأنه اعتراضه في الحياة؛ من عوائق طبيعية، ونفسية، لتميزه بالعقل، وقدرته على التطوير. فقد سكن المغارة ولبس الجلود، و نراه الآن يبني ناطحات السحاب، ويحول المعادن إلى مصنوعات تبهر من النانو إلى ريادة الفضاء.
  • تعد الثقافة الجمالية من أبرز مناحي الثقافة المبثوثة في كافة مناحي الحياة، بل هي الملمح الأبرز في كل ما هو ثقافي؛ فالتحفة الفنية يراعى فيها الجمال، وكذلك الملبس وقس على ذلك العمارة، والمركب. وكل ذلك محاكاة للجمال الذي أبدع به الخالق الكون الفسيح، وطلب منا النظر فيه، والاعتبار بما أودعه فيه من أسرار.
  • من أهم ما يتجلى فيه الجمال ويحمل الثقافة الجمالية في ذاته الفن والأدب، وذلك ما يجعل رسالته جمالية، وتعمل على تحقيق غاياتها بالتسلح بقيم الجمال؛ عبارة، وصورة، وموقفا وحالا.
  • إن تنمية السلوك الإنساني وتوجيهه يخضع للعديد من المؤثرات؛ كالبيئة، والوراثة، ولكن الثقافة الجمالية تحتل موقعا مهما في تلك التنمية وذلك التوجيه، لما تتأسس عليه من عناصر محببة للنفس، وباعثة الأمل في الآخرين. ولذلك كانت الثقافة الجمالية بمثابة مفتاح سحري لتنمية السلوك، وتقويمه، وتوجيه، لأن الجمال محبب للنفس، وموقظ للضمير، ومرهف للإحساس.
  • يتسلل ما هو قيمي ثقافي من خلال ما جمالي، ولذلك يحمل الفن في طياته الأفكار والمشاعر، ويغدو بمثابة سجل جيني للفئة الاجتماعية التي ينطق باسمها، ويحمل همومها، ويرفع انشغالاتها.
  • ترسم الثقافة الجمالية حضورها في تنمية السلوك، وتقويمه عبر العديد من المداخل ربما أبرزها: المداخل المعرفية، والمداخل النفسية، والمداخل السلوكية، والمداخل الفنية.
  • تتخذ الثقافة الجمالية جملة من الأدوات والآليات لتنمية السلوك الإنساني، وتوجيهه وتتمثل أساسا في الوعي بالجمال، وقوة الشخصية، والأدب والخبرة الحياتية.

إن كل ما سقناه من أفكار وعلاقات، تربط بين الثقافة الجمالية، والسلوك الإنساني، يؤكد ضرورة العناية بالثقافة غير المادية كرأسمال ثقافي، بإمكانه أن يجعل ما هو ثقافي غير مادي يسهم بشكل فعال في الإنتاج المادي. فالذي اكتملت عنده ملامح الثقافة الجمالية لن تراه إلا محافظا على النظام، وملتزما بالوقت، وقائما على مصالح الآخرين، بابتسامة تبعث الأمل في المحبطين، وترفع الغبن عن المحرومين، لأنه يحمل الرسالة الإيجابية في الحياة، وصدق إيليا أبو ماضي حين قال: كن جميلا ترى الوجود جميلا.

وقد أجمل “مالك بن نبي” علاقة الثقافة الجمالية بتنمية السلوك بقوله: « إنه لا يمكن تصور الخير منفصلا عن الجمال»[46]. وكل ذلك يؤكد دور الثقافة الجمالية في تنمية السلوك الإنساني وتقويمه.

 

[1] – مسلم بن الحجاج: صحيح الإمام مسلم، تحقيق نظر بن محمد الفاريابي، دار طيبة، 2006،  حديث رقم 2658، ص 1226. رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[2]– للتفصيل في مفهوم الثقافة والإشكاليات المتعلقة بها يمكن الرجوع إلى: أحمد بن نعمان: هذي هي الثقافة، شركة الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، الجزائر، 1996. وكذالك: مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، ترجمة عبد الصبور شاهين، دار الفكر، ط4، دمشق، سوريا، 2000.

[3]– كليفور غيرتز: تأويل الثقافات، مقالات مختارة، ترجمة محمد بدوي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط1، 2009، ص8.

[4] – المرجع نفسه، ص81،82.

[5] – سايمون ديورنغ: الدراسات الثقافية، مقدمة نقدية، ترجمة ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة عدد 425، يونيو 2015 ، إصدارات، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص 10.

[6] – ينظر، مارك جيمينيز: ما الجمالية؟ ترجمة شربل داغر، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، لبنان، 2009.

[7] – محمد فاضل رضوان: الفن والإنسان، الأبعاد الاجتماعية والتربوية للقيم الجمالية، رؤى تربوية، العدد الثاني والعشرون، مركز القطان للبحث والتطوير التربوي، ص12.

[8] – أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: الكامل في اللغة والأدب، ج3، تحقيق عبد الحميد هنداوي، المملكة العربية السعودية، 1998، ص262.

[9] – علي  خليل مصطفى أبو العينين وآخرون: الأصول الفلسفية للتربية، قراءات ودراسات، دار الفكر، عمان، الأردن، 1423هـ، ص284.

[10] – عبد الله محمد عبد المعطي: أطفالنا، خطة عملية للتربية الجمالية سلوكا وأخلاقا،  دار التوزيع والنشر الإسلامي، بور سعيد، مصر، 1421 هـ، ص10.

[11] – أبو القاسم الشّابي: ديوان أبي القاسم الشّابي ورسائله، تقديم وشرح مجيد طراد، دار الكتاب العربي، ط2، بيروت، لبنان، 1994، ص187.

[12] – فخري الدباغ: السلوك الإنساني، الحقيقة والخيال، كتاب العربي الثاني عشر، يوليو 1986، الكويت، ص 31.

[13] – صالح أحمد الشامي: الظاهرة الجمالية في الإسلام، المكتب الإسلامي،ط1، بيروت، لبنان، 1986، ص24.

[14] – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه، ص55. حديث رقم147، رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[15] – إيليا أبو ماضي: ديوان إيليا أبو ماضي، ج3، دار العودة، بيروت، لبنان، ص604.

[16] – فريدريش شيللر: التربية الجمالية للإنسان، ترجمة وتقديم وفاء محمد إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1991، ص149.

[17] – ينظر، مارك جيمينيز: ما الجمالية؟ ترجمة شربل داغر، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، بيروت، لبنان، 2009.

[18] – جون ديوي: الفن خبرة(1962)، ترجمة زكريا إبراهيم، دار النهضة العربية، مصر، ص30.

[19] البنك الدولي: تقرير عن التنمية في العالم 2015، العقل والمجتمع والسلوك، كتيب العرض العام، البنك الدولي، واشنطن، نسب المشاع الإبداعي،CC BAY 3.0 IGO . ، ص02.

[20] – محمد فتحي: دعوة للإيجابية مع النفس والآخرين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، مصر، 2002، ص09.

[21] – فريدريش شيللر: التربية الجمالية للإنسان، ترجمة وتقديم وفاء محمد إبراهيم، ص181.

[22] – مارك جيمينيز: ما الجمالية؟ ترجمة شربل داغر، ص177.

[23] – المرجع نفسه، ص70.

[24] – عبد الرحمان شكري: ديوان عبد الرحمان شكري، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، 2012، ص07.

[25] – أبو القاسم الشابي: ديوان أبي القاسم الشابي ورسائله، تقديم وشرح مجيد طراد، ص90.

[26] – فريدريش شيللر: التربية الجمالية للإنسان، ترجمة وتقديم وفاء محمد إبراهيم، ص152.

[27] -Pierre Bourdieu: Les Trois état du Capital Culturel, Acte de Recherche En Science Sociales, paris, 1979, p p 3-6.

[28] – فريدريك  هيغل: المدخل إلى علم  الجمال، فكرة الجمال، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر،ط3، بيروت، لبنان، 1988، ص 28.

[29] – المرجع نفسه، ص46.

[30]– المرجع نفسه، ص48.

[31] – الشافعي، أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: ديوان الشافعي، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة، منشورات مكتبة الكليات الأزهرية، ط2، القاهرة، مصر، 1985، ص 94.

[32] – محمد فتحي: دعوة للإيجابية مع النفس والآخرين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، مصر، 2002، ص72.

[33] – المرجع نفسه، ص71.

[34] – فريدريش شيللر: التربية الجمالية للإنسان، ص155.

[35] – المرجع نفسه، ص191.

[36] – المرجع نفسه، ص186.

[37] – المرجع نفسه، ص186.

[38] –  فريدريك  هيغل: المدخل إلى علم  الجمال، فكرة الجمال، ترجمة جورج طرابيشي، ص53.

[39]  – قال تعالى: فاصبر صبرا جميلا سورة المعارج الآية 5. إن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل  سورة الحجر جزء من الآية85. واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا سورة المزمل الآية 10. فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا سورة الأحزاب جزء من الآية 28.

[40]– فريدريش شيللر: التربية الجمالية للإنسان، ص184.

[41] – المرجع نفسه، ص185.

[42]– صالح أحمد الشامي: ميادين الجمال، في الظاهرة الجمالية في الإسلام، الطبيعة، الإنسان، الفن، المكتب الإسلامي،ط1، 1988، بيروت، لبنان، ص16.

[43] – وفاء إبراهيم: الوعي الجمالي عند الطفل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 2002، ص59.

[44] – غادة المقدم  عدره: فلسفة النظريات الجمالية، جروس بيرس، ط1، طرابلس، لبنان، 1996، ص13.

[45] – البنك الدولي: تقرير عن التنمية في العالم 2015، العقل والمجتمع والسلوك، كتيب العرض العام، البنك الدولي، واشنطن، نسب المشاع الإبداعي،CC BAY 3.0 IGO . ، ص06.

[46]– مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، ترجمة عبد الصبور شاهين، دار الفكر،ط4، دمشق، سوريا، 2000، ص 82.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات