التواصل الجماهيري، أساليبه وتقنياته
د: عبدالله شكربة
يمكن تقييم التواصل من حيث جودته وكفاءته إلى تواصل فعال وآخر غير فعال. فحتى تكون العملية التواصلية فاعلة لابد لها من احترام جملة الشروط التي سنعرضها، لكن قبل ذلك لابد من تحديد نوع التواصل الذي نريد حتى لا نسقط في التعميم.
يركز هذا المقال على التواصل اللفظي وبالضبط التواصل الجمهوري، فالسؤال المحوري الذي يعمل عليه مقالنا هو كيف تكون العملية التواصلية فاعلة في التواصل الجمهوري ؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من الإجابة على المقصود بالتواصل الجمهوري وخصائصه.
التواصل الجمهوري هو تواصل جماعي “يحدث بين مرسل فرد، شخصيا كان أو اجتماعيا أو اعتباريا ومجموعة من آلاف المستقبلين أو ملايين منهم، ولا يشترط في هذا الاتصال محدودية الزمان والمكان مثل التواصل عبر المذياع أو المحطات الفضائية والصحف والمجلات والكتب وغيرها”[1].
ذكر الدكتور هادي نهر وأحمد محمود الخطيب[2] مجموعة من الخصائص والوظائف التي يتميز بها التواصل الجمهوري عن غيره و أول هذه الخصائص هي :
- اعتماده على التلفزة والإذاعة والصحافة … إلخ كوسائل نقل تقنية.
- مخاطبته لمجموعة بشرية كثيرة في ظرف زمني محدود وفي أماكن متفرقة.
- اتصافه بالعمومية لمخاطبته فئات اجتماعية مختلفة وقدرات عقلية وفكرية ودينية متنوعة.
- يتصف بالتوجيه والتحكم فيه من طرف الجهات الممولة والداعمة.
- التغذية الراجعة(feedback) غير مباشرة بل هي ضمنية. المرسل في التواصل الجمهوري عندما يبث الرسالة لا ينتظر من المتلقي المتعدد والذي قد لا يعرفه التفاعل معه والرد عليه، و إنما تكمن التغذية الراجحة في حجم وعدد المشاهدين والآثار التي تخلقها تلك الرسالة.
- الدقة في اختيار المضمون والمادة التواصلية وأي خطأ يصدر عن القناة قد تكون نتائجه وخيمة ( قناة نسمة التونسية نموذجا عندما عرضت فيلما يجسد الذات الإلهية ).
- بالرغم من كون التواصل الجمهوري يخاطب متلقي متعدد فإن العلاقة بين المرسل والمرسل إليه هي علاقة فردية، فعندما يشاهد فردا ما بثا تلفزيونيا لا يشعر المشاهد أنه ينتمي إلى جماعة مكونة من مشاهدي التلفزة حتى لو شاهد ذلك البث مع جماعة. و بالمقابل فإن لكل فرد جماعة من العائلة وجماعته المهنية.
- قدرة التواصل الجمهوري على خلق وصناعة الرأي العام خاصة في الدول النامية التي تكثر فيها المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتنتشر فيها الأمية والجهل.
و للتواصل الجمهوري وظائف يمكن اختزالها في :
“- وظيفة الأخبار والتزود بالمعلومات.
– خلق النمط الاجتماعي.
– المبادرة في التغيير الاجتماعي.
– وقاية البيئة.
– وظيفة الربط.
– وظيفة التغيير.
– وظيفة الترفيه.
– وظيفة التنشئة الاجتماعية.
– وظيفة الرقابة.”[3]
بعد تحديد خصائص ووظائف الاتصال الجمهوري نعود لتحديد ضوابط فعالية الرسالة التواصلية في التواصل الجمهوري.
لنفترض أن هناك بث تلفزيوني ( وصلة إشهارية أو إخبارية …) فحتى تكون هذه الرسالة سليمة ينبغي أن تكون متقنة مضمونا وشكلا.
من حيث المضمون :
يراعى في الرسالة من حيث المضمون جملة من الشروط نطرحها كالآتي :
1)الاتساق والانسجام : ونعني بذلك ارتباطهما بنوع الخطاب الموجه وانسجامها مع السياق الذي قيلت فيه.
2) الدقة والوضوح : حتى تكون الرسالة فاعلة ينبغي أن تكون واضحة بحيث يفهمها كل من تلقاها مهما اختلفت مستوياتهم الفكرية والعقلية، ودقيقة حتى تتجنب التأويلات الخاطئة. لذلك يفترض في لغتها أن تكون: تقريرية غير إيحائية، خالية من الأخطاء النحوية والصوتية والمعرفية، وأن تكون موجزة إيجازا غير مخل بمضمونها الدلالي.
3) القصدية : وذلك بارتباطها بهدف محدد وشامل هذا الارتباط لا يظهر إلا “لمعاينة صورة ” الفعل اللغوي” الحامل للرسالة، فالفعل اللغوي بوصفه أبرز وسائل الاتصال يأتي على صورة متعددة منها :
أ- أن يكون تعليقا.
ب- أن يكون اعتراضيا أو تهديدا.
ج- أن يكون ترويجا أو إقناعا.
د- أن يكون إرشادا وموعظة.
ع- أن يكون مفاوضة أو مجادلة.
و- أن يكون تخاطبا بين صديقين أو زوجين أو رئيس و مرؤوس.
ز- أن يكون دعوة لفكر معين”[4].
4) ألا تخدش مشاعر المتلقي وتراعي معتقداته ورغباته وذوقه …إلخ
5) أن تكون قابلة للحكم عليها والتحاور معها.
6) أن تلقى في زمان مناسب لمتلقي مناسب.
من حيث الشكل :
أما من حيث الشكل فنركز على طريقة الإلقاء التي تؤدي وظيفة مهمة في قبول الرسالة من طرف المتلقي والتفاعل معها، بل أمرا حاسما في قبولها؛ حيث يؤكد الدكتور هادي نهر وأحمد محمد الخطيب أن نسبة سبعة بالمائة (7% )فقط من فعالية التواصل ترتكز على الكلمات التي نستعملها وتعتمد النسبة الباقية على الطريقة التي نعبر بها عن الأمور. إن طريقة إلقاء الكلمات وسياق التلفظ بها يساهم مساهمة كبيرة في فهم الرسالة التواصلية، ولذلك فإن الكلمات مهما كانت مختارة بعناية فإنها إن لم تحترم سياق الحديث والطريقة المختارة المناسبة فقد تؤدي أغراض معكوسة، “فاللغة حمالة أوجه” كما قيل، ولذلك ينبغي مراعاة الأمور التالية في الإلقاء :
1) التدرج الموضوعي : وذلك بترتيب مضامينها ترتيبا تسلسليا تشويقيا بحيث لا يمكن الانتقال إلى الفكرة التالية إلا بالعبور على الفكرة الأولى.
2) القراءة الجيدة : الأداء الصوتي المتزن من العوامل المهمة في العملية التواصلية وكل خلل في هذا العنصر كالإلقاء بصوت ضعيف أو قوي من المصدر الباث أو عدم احترام بعض الظواهر الصوتية يؤدي إلى ضعف التواصل أو انعدامه بحسب نوعية الأداء. و من بين الظواهر الصوتية التي لها دور بارز في العملية التواصلية نذكر ما يلي :
أ- التنغيم : تتوقف النغمة على عدد ذبذبات الأوتار الصوتية في الثانية وهذا العدد يعتمد على درجة توتر الأوتار الصوتية. ونغمة الصوت هي إحدى صفاته وخفضها أو رفعها يؤثر على المعنى تأثيرا واضحا. التنغيم ظاهرة صوتية تصاحب نطق للكلمات والجمل، ويحدث التنغيم بسبب الارتفاع أو الانخفاض في طبقة أو درجة الصوت، نتيجة تذبذب الوترين الصوتيين الذين يحدثان الايقاع الموسيقي. ومثاله ما يلي :
الخطاطة رقم (1)
فالملاحظ أن كل جملة تؤدي إلى معنى؛ فالأولى تعجبية والثانية تقريرية والثالثة استفهامية والرابعة استفهام استنكاري، هذا المعنى لا نكتشفه إلا بالتنغيم لأن الرسالة شفوية.
ب- الوقف : وهو نوع من السكون يفصل بين مجموعة صوتية وأخرى، و قد يفصل بين كلمة وأخرى أو بين عبارة وأخرى في الجملة الواحدة …إلخ.
ومثال ذلك قوله سبحانه وتعالى في الآية ” ولا يحزنك قولهم إن العزة لله “[5] فيجب الوقف عند “قولهم” حتى لا يفهم “إن العزة لله” من قول المشركين.
إن الوقف هنا يصير واجبا؛ ذلك أن المعنى الصحيح للجملة يتوقف عليه، وعدم احترامه يعني تقديم تأويل مغاير ومغلوط للآية.
و هناك ظواهر صوتية أخرى لا يسمح المقام للتفصيل فيها وعرضها كاملة كالنبر(النبر هو الضغط على حرف معين بحيث يكون صوته أعلى بقليل مما يجاوره.) والإدغام … إلخ.
[1] هادي نهر وأحمد محمد الخطيب ، (2009) إدارة الاتصال والتواصل النظريات- العمليات- الوسائط- الكتابات، ط،1 ص: 82
[2] المرجع السابق، ص: 82 – 84
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *