التكامل المعرفي عند ابن النفيس
وإسهامه الحضاري في بناء المعرفة
هشام بن حميدان
مقدمة:
إن قضية التكامل المعرفي بين العلوم تعد قضية إشكالية، ذات أبعاد ابستمولوجية ومعرفية، حيث إن الكثير من الدراسات والأبحاث الصادرة مؤخرا، من طرف مفكرين وباحثين، بدأت تطرح إشكالية التكامل المعرفي بين العلوم، سواء على المستوى النظري أو المستوى التطبيقي، فالتقرير العالمي للعلوم الاجتماعية، الصادر عن منظمة اليونسكو سنة 2010م، تحدث في إحدى توصياته عن ما سماه ب موجة ما بعد التخصصات، والتي تقتضي نهج مقاربة جديدة ومبدعة نستحضر جميع التخصصات، سواء منها في حقل العلوم البحثية أو الطبيعية أو في العلوم الإنسانية.
ولتوضيح هذه الرؤية، وتبين المقصود بمفهوم التكامل المعرفي، يسهل القول بضرورة تكامل جهود العلماء من التخصص العلمي نفسه، الذين يسعون إلى حل مشكلة علمية معينة وتحقيق إنجاز فيها ، ويكون التكامل فيها منصبا على اجتماع الجهود الفردية للعلماء، لبناء رؤية أكثر عمقا واتساعا وموضوعية، مما يعين على تحقيق إنجاز ملموس، ويسهل أمر قبوله والاعتراف به من الجماعة العلمية بتعبير توماس كوهن.
ولا يقتصر التعريف السابق على مفهوم التكامل، فقد يعني تكامل جهود العلماء من تخصصات مختلفة، ولكنها ضرورية لمعالجة مشكلة معينة، ولا يمكن فهم التكامل المعرفي في أبعاده الشمولية، إلا بتوسيع صور هذا التكامل ليتضمن تكامل جهود العلماء في الأجيال المختلفة، بحيث يبني كل جيل على خبرة الجيل السابق، حتى إنه ليصعب تصور تحقيق إنجازات جيل لاحق لو لم يعتمد على إنجازات الجيل السابق. فالعلوم يصادر بعضها على أسس البعض ويبني عليه، ويستثمر بعضها آليات منهجية يقعدها البعض الآخر، ويوظف علماء باب ما من العلم نتائج انتهى إليها غيرهم في باب آخر. فصار للعلوم الإسلامية بناء نسقي شامخ، ترجمته عشرات التصنيفات التي رتبت العلوم بعضها بإزاء بعض أو فوقه أو تحته، مما حقق وظيفتين مهمتين تفرد بهما تاريخ العلوم الإسلامية: أحدهما ترسيخ أنواع شتى من التكامل والتفاعل بين الفروع العلمية المتباينة، والثاني: تدوين التراث العلمي والتأريخ له، ألن أغلب تصنيفات العلوم وردت في مؤلفات تؤرخ للعلم والعلماء كالفهرست البن النديم وغيره. هذا، ولم يمنع الخالف المذهبي ذلك التفاعل بل زاده حركية وقوة[1] .
من هذا المنطلق اعتبرنا أن ابن النفيس شكل حلقة مهمة في تاريخ العلوم، ذلك أن له إنجازات مهمة وعظيمة في التاريخ الإسلامي، تجعلنا نسلط الضوء عليه، فقد كان لاكتشافاته دور كبير في تطوير العلوم. فأين تجلى هذا التكامل المعرفي على مستوى إنجازات ابن النفيس ومنهجه العلمي؟ وأين تبدت إسهاماته في التطور الحضاري والبناء المعرفي ؟
إن ابن النفيس يمثل لنا نموذج التكامل المعرفي، فهو واحد من أعلام الحضارة الإسلامية، فقد برز في مجالي الطب والفلسفة، وتميز في علوم أخرى، شأنه شأن ابن سينا 428ه، وابن طفيل 581ه، وابن رشد 595ه، وغيرهم من هؤولاء الأعلام الذين جمعوا بين تخصصات متنوعة، واستطاعوا أن يثبتوا في كل منها تميزا واضحا، تقول عنه زيغرد: “وقد اهتم إلى جانب مهنة الطب بعلم البيان والمنطق والفلسفة، فكتب فيها، وألقى المحاضرات في علم القانون – كتاب القانون لابن سينا – ، وأصول الفقه والحديث في مدرسة المنصورية، وتمتع بشهرة بعيدة المدى كمعلم من معلمي القانون”[2].
- الولادة والنشأة:
هو علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي، ولقبه ابن النفيس، ولد في بلدة القرش في دمشق، في مطلع القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، عام 607 ه – 1210م[3] ونشأ على يد مجموعة من الشيوخ والعلماء في دمشق، وكغيره من علماء المسلمين بدأ ابن النفيس حياته العلمية بحفظ القرآن الكريم، وكذا درس النحو واللغة، والفقه والأصول والحديث والمنطق، والسيرة وغيرها، وقد تعمق في دراسة الفقه الشافعي، ودرس الطب في البيمارستان النوري –المستشفى النوري- في دمشق، وقد كان باعثه في دراسة الطب ما عرض له من مرض، كانت أزمة صحية؛ يقول عن هذه المرحلة: ” قد عرض لنا حميات مختلفة، وكانت سننا في ذلك الزمان قريبة من اثنين وعشرين سنة، ومن حين عوفينا من تلك المرضة حملنا سوء ظننا بأولئك الأطباء (الذين عالجوه) على الاشتغال بصناعة الطب لننفع بها الناس”[4]، وقد تتلمذ على يد مهذب الدين ابن الدخوار، الطبيب الدمشقي، وعمران الإسرائيلي، ورضي الدين الرجي، وكان رفيق دراسته ابن أبي أصيبعة، صاحب “عيون الأنباء في طبقات الاطباء”، وقد رحلا معا إلى القاهرة سنة 633ه، وبعد ذلك عمل طبيبا في المستشفى الناصري؛ الذي أسسه السلطان قلاوون، ولم يكتف ابن النفيس بما درسه على أساتذةعظام في البيمارستان النوري، بل إنه انكب أيضا على كتب ابن سينا وأبقراط وجالينوس، وغيرهم، وقال البعض: إنه كان يحفظ كتاب القانون في الطب لابن سينا عن ظهر قلب[i].
ويعتبر ابن النفيس عميد أطباء المستشفى الناصري، وكان يُدرس إلى جانب الطب، اللغة والفقه في المدرسة المسرورية، ولم يتزوج ابن النفيس، وكان عدم زواجه سببا لتركيزه في الدراسة وانصرافه للعلم والتعلم،
وقد عرف عن ابن النفيس، بأنه الطبيب العالم الموسوعي، واسع الاطلاع، غزير المعرفة، خصب الإنتاج، فهو فيلسوف ولغوي وفقيه، وكان محدثا وطبيبا بارعا، وعرف عنه أيضا بأنه كحال متميز، وله شهرة لا مثيل لها في الطب، ولقد قال عنه السبكي::” وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله، قيل: ولا جاء بعد ابن سينا مثله، قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سينا، وقال الإسنوي: كان إمام وقته في فنه شرقا وغربا بلا مدافعة، أعجوبة فيه وفي غاية الذكاء”[5].
وقد اهتم بدراسة الفلسفة والمنطق والبيان، وتعمق في دراسة الفقه، وعلوم الشريعة، حتى إنه “أصبح أستاذا للفقه الشافعي في المدرسة المسرورية بالقاهرة إلى جانب نبوغه وعبقريته في الطب”[6]
عاصر ابن النفيس احتلال المغول لبغداد وتدميرهم لمكتباتها، وقد أدى تدمير هذه المكتبات إلى ضياع العديد من مؤلفات ابن النفيس، وبقي في مصر حتى وفاته عام 687ه – 1288م. غير أن ذلك لم يخف عنا عبقرية ابن النفيس، ولم يكن مجهولا في عصره، فقد أطنب في الحديث عنه العمري في مسالك الأبصار، والصفدي في الوافي بالوفيات، وابن أبي أصيبعة في إحدى مخطوطاته ( طبقات الأطباء)، إلا أن ابن النفيس لم يأخذ حقه من الذيوع والشهرة بما يوازي ويضارع إنتاجه واكتشافاته، ولعل ذلك بسبب عدم التقدير، أو عدم الإحاطة بهذه الاكتشافات في ذلك الوقت.
ولقد تناول ابن النفيس من المستشرقين الأجانب لكلير في كتابه ” الطب العربي”، والمستشرق الألماني ماير هوف في كثير من مقالاته، ووضع الدكتور بول غليونجي كتابا وافيا، يعد أجمع كتاب عن ابن النفيس[7].
ويقرر بول في كتابه هذا أن أول من كشف عن ابن النفيس في وقتنا الحاضر، ورد إليه اعتباره، هو الطبيب المصري الدكتور محيي الدين التطاوي، حيث عثر على نسخة من مخطوطة ( شرح تشريح القانون) لابن النفيس في مكتبة برلين، وقام بإعداد رسالة في الدكتوراه عنها…. وقد ذهل أساتذته والمشرفون على الرسالة، وأصابتهم الدهشة… ولجهلهم باللغة العربية بعثوا بنسخة من الرسالة إلى الدكتور مايرهوف المستشرق الألماني الذي كان أنذاك يقيم بالقاهرة، وطلبوا رأيه فيما كتبه الباحث، وكانت النتيجة أن أيد مايرهوف الدكتور التطاوي، وأبلغ حقيقة ما كشفه من جهود ابن النفيس إلى المؤرخ جورج سارتون، فنشر هذه الحقيقة في آخر جزء من كتابه المعروف تاريخ العلم، ثم بادر مايرهوف إلى الحديث عن مخطوطات أخرى لابن النفيس وعن تراجم له، ونشر نتيجة بحوثه في عدة مقالات، .. ومنذ ذلك الحين بدأ الاهتمام بهذا العالم الكبير وإعادة اكتشافه[8].
ولم تقتصر شهرة ابن النفيس على الطب، بل كان يعد من كبار علماء عصره في اللغة، والفلسفة، والحديث، وله كتب في غير المواضيع الطبية منها الرسالة الكاملية في السيرة النبوية، والتي من خلالها أمكن اعتباره من فلاسفة الإسلام، وأن له موطئ قدم راسخة بين الفلاسفة، لا تقل بحال عن معاصره ابن طفيل 581ه، أما كتبه، فأهمها المهذب في الكحالة[9] (أي طب العيون)، والمختار في الأغذية، وشرح فصول أبقراط[10]، وشرح تقدمة المعرفة، وشرح مسائل حنين ابن إسحاق، وشرح الهداية، والموجز في الطب[11]؛ وهو موجز لكتاب القانون لابن سينا، واختصار له؛ ويعد هذا الأخير من أعظم كتبه في الطب وأشهرها، وقد ترجم لمعظم اللغات الحية.، وشرح قانون ابن سينا، وبغية الفطن من علم البدن، وكتاب الشامل في الطب، أما باقي مؤلفاته في غير الطب، فنذكر منها:
في النحو: طريق الفصاحة
في فقه الشافعي: كتاب شرح كتاب التنبيه لأبي إسحاق إبراهيم الشيرازي.
في المنطق: كتاب شرح الإشارات لابن سينا، وشرح الهداية لابن سينا.
في السيرة النبوبة: كتب الرسالة الكاملية، ويمكن اعتباره كتابا في الفلسفة الإسلامية.
في علم الحديث: مختصر في أصول علم الحديث.
في علم الكلام: كتاب فاضل بن ناطق.
في الطبيعة والفلك والعلوم الإلهية والحساب: شرح كتاب الشفا لابن سينا.
- إسهامه في تطور الحضارة الإسلامية:
لم يكن ابن النفيس ليذكره التاريخ لولا اكتشافاته التي أشار إليها أصحاب التراجم، فكان حلقة مهمة في تاريخ العلوم، وكنزا لا يكتمل تاريخ العلم دون كشف أسراره وخباياه، إذ “إن البحث العلمي ليس فقط حلقة عمرية ينتقل عبرها الباحث من حال إلى حال، لينتهي بالحصول على الشهادة تؤهله بشكل فردي لكي يبدأ حلقة أخرى، ولكنها سلسلة مراحل من أعمار الباحثين كلهم، على تعاقب أجيالهم ، وكيفما كانت تخصصاتهم، وتنتهي بحصول الأمة التي ينتمي إليها الباحث على شهادة تؤهلها بشكل جماعي لأن تتبوأ مقام الريادة”[12].
انطلاقا من هذه الرؤية للبحث العلمي آثرنا رصد الإسهام الحضاري لابن النفيس باعتباره واحدا من الأعلام الذين تركوا بصماتهم في الركب الحضاري عامة، ذلك أنه كان واعيا بالبعد الرسالي للعلم والقراءة والبحث، حيث ” تجاوز البعد الديني إلى البعد الإنساني… فالمراد هو السعي وراء الإعمار الثقافي في بعده الإنساني العالمي، والعمل على تحقيق فعل القراءة، والعلم المتولد عنها تجسيدا لأمة القراءة التي نفهمها من سورة العلق”[13].
إن هذا البعد هو منهاج على درب التكامل المعرفي في أبعد صوره، وأرحب معانيه، وهو مؤسس على مبدأ شرعي هو التعارف لاتحاد الخلق والأرض، (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وتضحي الكرامة في هذا المستوى العلمي العالمي الرحب تتجاوز كرامة التقوى، إلى كرامة العلم المعرف والموحِد للخليقة.
ولعل ابن النفيس بإسهاماته المتعددة، جسد لنا النموذج الأمثل للتكامل المعرفي حين بلغت مؤلفاته الآفاق، ونهل منها العربي والغربي. وهو واحد من الذين ساروا على هذا التقليد العلمي التكاملي الراسخ بروزهم في علومهم التي تخصصوا فيها. فهذا الطبيب الكبير ابن النفيس، نجده يتصدر لتدريس الفقه في المدرسة المسرورية التي أنشأها مسرور شمس الخواصي، أحد خواصي صالح الدين الأيوبي. ويؤلف في الفقه كتاب “شرح التنبيه” أي “التنبيه فى الفقه” للفيروز آبادي.
3 -التزامه بالمنهج العلمي:
كما سبقت الإشارة إلى ذلك في المحور الأول، فإن لابن النفيس إنجازات مهمة وعظيمة في التاريخ الإسلامي، تجعلنا نسلط الضوء عليه، ونتحدث عنه بإسهاب، إذ يعتبر ابن النفيس نموذجا متميزا للعالم المسلم، الذي يلتزم بالمنهج العلمي الصحيح في أبحاثه النظرية، وتجاربه العلمية “، فلم يكن ابن النفيس ذاك الرجل الذي يتقبل الأشياء، وإن كانت منقولة عن عباقرة القوم بلا جدل أو نقاش، وهو بعكس الدخوار تماما، وبعكس الكثيرين من زملاءه، لم يعجب بتعاليم جالينوس الطبية، ووصفها بالتعقيد دون أن يكون وراءها أي معنى”[14] وقد ساهم ابن النفيس بتقديم اكتشافات كان لها دور كبير في تطوير البشرية، وهذا ما أشرنا إليه في البعد الرسالي من تعاطي العلم، حيث بناء اللاحق على السابق بمنهج علمي محكم، ونفس مصرة على اكتشاف الحقيقة ونقدها، والبرهنة عليها أودحضها، وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى اكتشاف ابن النفيس البكر للدورة الدموية الصغرى، التي سجلها بدقة في كتابه ” شرح تشريح القانون”، غير أن هذه الحقيقة ظلت مختلفة قرونا طويلة، ونسبت وهما للطبيب الإنجليزي وليام هارفي1068ه- 1657م، الذي بحث في دورة الدم الكبرى بعد وفاة ابن النفيس بأكثر من ثلاثة قرون، وظل الناس يتداولون هذا الوهم حتى أبان عن الحقيقة الدكتور محيي الدين التطاوي في رسالته لنيل الدكتوراه، تقول المستشرقة الألمانية زيغرد هونكة:” فإن أول من نفذ ببصره إلى أخطاء جالينوس ونقدها، ثم جاء بالدورة الدموية لم يكن سارفيتوس الإسباني، ولا هارفي الإنجليزي، بل كان رجلا عربيا أصيلا في القرن الثالث عشر الميلادي، وهو ابن النفيس الذي وصل إلى هذا الاكتشاف العظيم في تاريخ الإنسانية وتاريخ الطب، قبل هارفي، بأربع مائة عام، وقبل سارفيتوس بثلاث مئة عام”[15]
ويعتبر اكتشاف الدورة الدموية الصغرى واحدا فقط من إسهامات واكتشافات ابن النفيس العديدة، فهو بحسب ما كتب عنه حديثا، يعد مكتشف الدورتين الصغرى والكبرى للدورة الدموية، وواضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية، وكاشف العديد من الحقائق التشريحية، وجامع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في عصره، وقد قدم للعلم قواعد للبحث العلمي، وتصورات للمنهج التجريبي[16]، فما هي أهم مقومات منهجه في تدوين العلوم وتحصيلها؟ يقول صاحب الأعلام:” وكانت طريقته في التأليف أن يكتب من حفظه وتجاربه ومشاهداته ومستنبطاته، وقل أن يراجع أو ينقل”[17]
وإن من بين الصفات المنهجية التي ميزت ابن النفيس عن غيره:
– دعوته للتحرر من الأفكار المغلوطة؛ والتي كان غيره من العلماء يخشى انتقادها ومخالفتها، وبذلك كسر طوق التقيد بها.” لقد درس ابن النفيس كتب جالينوس وابن سينا دراسة واعية متفهمة، كان الحكم فيها عقله ومنطقه وخبرته، ولكنه كان يأبى على نفسه أن يعلم تلاميذه آراء متوارثة عن عظماء القدماء، وهو لا يزال يشك في صحتها”[18]
– جمعه بين مختلف العلوم بشكل منسجم ومتوازن.
– لم يكتف ابن النفيس بما يقرؤه، بل كان يخضعه إلى التمحيص والنقد، وخطوات البحث العلمي، وهذا دليل على أصالة تفكيره.
– اعتبر ابن النفيس بأنه موسوعة علمية متحركة، وذلك لبراعته في المدواة.
– لم يغفل ابن النفيس عن عزو فضل العلماء الآخرين إليهم، وهذا دليل على إنصافه وأمانته.
ومن ضمن منهجه في الطب، أنه كان يتبع منهجا خاصا في أبحاثه، حيث كان يبني نظرياته على المشاهدات والتجارب والخبرات العلمية، وكان ذا أفكار نفاذة ودقيقة، أدت به إلى اكتشافات طبية، وأكسبته صفة الطبيب العالم المكتشف، تقول زيغرد: “وقد اعتمد ابن النفيس قبل كل شيء على استقراء الطبيعة أسرارها بواسطة الملاحقة والدرس والتجربة… والعلماء العرب ققد لجأوا في بحثهم إلى العقل والملاحظة، وإلى النظر المحقق والبحث المستقيم”[19]
وبذلك كان منهجه العام المعتمد في جل بحوثه العلمية هو المنهج التجريبي في إثباته للحقائق العلمية من مشاهدة، ورصد ومقارنة، وملاحظة، وإجراء تجارب، كما أنه آمن بحرية القول، وبضرورة الاجتهاد، وهو بذلك اختار لنفسه منهجا خاصا تميز به عن غيره، حيث كان يبني نظرياته على المشاهدات والتجارب والخبرات العلمية.
وخلاصة القول: إن ابن النفيس جسد التكامل المعرفي في أبهى صوره من خلال خوضه لغمار علوم شتى وبروزه فيها؛ وهذا ما جعل لكتبه قيمة كبيرة في تاريخ الطب العربي والغربي، بالإضافة إلى تآليفه في مختلف العلوم كالسيرة وعلم الحديث والنحو والفلسفة والمنطق، فما أحوج البحث العلمي اليوم إلى استقاء هذا المنهج العلمي في الدراسات العلمية، فابن النفيس هذا كان شجاعا في عرض آرائه العلمية بعد تمحيصها وعرضها على المنهج التجريبي، وتقليب الآراء فيها، وعرضها في أحسن عرض، فكان بذلك مسهما بحظ وافر في إرساء أسس المنهج العلمي الرصين من خلال موسوعيته التي أعطتنا صورة متكاملة عن إسهامه الحضاري في إضافة لبنة وأسس كان لها الدور الكبير في البناء العلمي للحضارة العربية والإسلامية.
[1] – مقتطف من مقدمة ندوة التكامل المعرفي بين العلوم الإسلامية، الأسس النظرية والشروط التطبيقية، بدار الحديث الحسنية، كتاب جماعي، 2009.
– شمس العرب تسطع على الغرب، زيغرد هونكة، ص: 264[2]
[3] – ينظر: ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية، 1/107. ورضا كحالة، معجم المؤلفين، 7/58. والزركلي، الأعلام، 4/271.
[4] – ينظر: ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية، 1/107.
[5]– ينظر: ابن قاضي شهبة، طبقات الشافعية، 1/107.
[6] – قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني، ص: 172
[8] – ينظر تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، ص: 208.
[9] – نشر في الرباط سنة 1407هـ/ 1986م، بتحقيق ظافر الوفائي ومحمد رواس قلعة جي.
[10] – طبع في بيروت سنة 1409هـ/ 1988م، بتحيق ماهر عبد القادر، ويوسف زيدان.
[11] – يقع الموجز في الطب في أربعة أجزاء، وقد نشر سنة 1406هـ/ 1985م في القاهرة بتحقيق عبد المنعم محمد عمر، وكان قد نشر قبلا من قبل ماكس مايرهوف، ويوسف شاخت ضمن منشورات أكسفورد سنة 1388هـ/ 1968م.
[12]– من مهمات البحث العلمي وآفاته ومعاييره المنهجية، عبد الرزاق صالحي، ص: 7، الكلام لصاحب التقديم، د عبد الرحيم الرحموني.
[13] – المرجع نفسه، ص: 45
– شمس العرب تسطع على الغرب، زيغرد هونكة، ص: 262.[14]
– شمس العرب تسطع على الغرب، زيغرد هونكة ، ص: 264.[15]
[16] – قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني، ص: 175.
[17] – الأعلام، الزركلي، 4/171.
– شمس العرب تسطع على الغرب، زيغرد هونكة، ص: 264.[18]
– المرجع نفسه، ص: 265- 269 [19
لائحة المصادر والمراجع
- ندوة التكامل المعرفي بين العلوم الإسلامية، الأسس النظرية والشروط التطبيقية، بدار الحديث الحسنية، كتاب جماعي، 2009
- شمس العرب تسطع على الغرب، أثر الحضارة العربية في أوربة، زيغرد هونكة، نقله عن الألمانية: فاروق بيضون و حمال دسوقي، مراجعة مارون عيسى الخوري، ط: 8، دار الجيل بيروت، 1993م.
- طبقات الشافعية، أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الأسدي الشهبي الدمشقي، تقي الدين ابن قاضي شهبة (851هـ)، تحقيق: الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب – بيروت، 1407 هـ.
- معجم المؤلفين، رضا كحالة، مكتبة المثنى – بيروت، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت.
- الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (1396هـ)، دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر – أيار / مايو 2002 م.
- قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية، راغب السرجاني، مؤسسة إقرا للنشر والتوزيع والترجمة، ط: 1 ، القاهرة، 2009م.
- ابن النفيس، أعلام العرب، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، وزارة الثقافة، مصر، 1968م.
- تطور الفكر العلمي عند المسلمين، محمد الصادق عفيفي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1977م.
- من مهمات البحث العلمي وآفاته ومعاييره المنهجية، عبد الرزاق صالحي، ص: 7، الكلام لصاحب التقديم، د عبد الرحيم الرحموني.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *