728 x 90

العقيدة ومقتضيات البناء التكاملي لفروع المعرفة الإسلامية، د. عبد الفتاح الصنيبي

العقيدة ومقتضيات البناء التكاملي لفروع المعرفة الإسلامية، د. عبد الفتاح الصنيبي

العقيدة ومقتضيات البناء التكاملي لفروع المعرفة الإسلامية

د. عبد الفتاح الصنيبي[1]

 

تقديم

الأزمة الحضارية للأمة داء عضال، والانفكاك عنه إن لم يكن بالآليات والمعارف السليمة ينتج عاهات مستديمة، وهو ما يحتاج إلى تضافر الجهود العلمية والعملية، وصياغة الوصفة اللازمة للعلاج، وذلك دأب كثير من أفذاذ الأمة عبر تاريخها الغني بالتجارب التي استطاعت أن تستند إلى مرجعيتها لما تزخر به بنيتها المعرفية والمنهجية من قوة، فشكل بذلك الوحي الموجه الأساس للاجتهادات الفكرية والمنهجية في تناول القضايا الطارئة على واقع الأمة.

والمتأمل في ما تم تأثيله من علوم يجدها قد اعتمدت رؤية تفاعلية وتكاملية في بنائها، جامعة بين علم العقيدة الذي أسس على يد رواده، صدا للمعتقدات الفاسدة، وبين محتلف العلوم باعتبار التفاعل مع متغيرات مفردات الواقع المتوالد والسريع، خاصة مع ما توارد من الفلسفة اليونانية.

غير أن متغيرات طرأت على مسار الأمة، فانشطر كيانها ومعه المنهاج الكلي القرآني والنبوي من جهة أولى، فأضحى الفكر الإسلامي عاجزا “عن تبليغ مضمون الخطاب الإسلامي السليم تبليغا يستوفي عمق وعالمية وشمولية الرسالة الخاتمة”[2]. وتجزأت العلوم القرآنية الجامعة، من جهة ثانية، حتى أصبح الفصل بين العلم والإيمان منهجا، ولا تقدم في نظر البعض إلا بإبعاد الوحي والدين عن اجتهادات العقل، فتكلست بذلك العقول وانفصل العلم عن العمل والواقع، ومن جهة ثالثة، تفتت كيان المسلم وتمزقت ذاته فبات أفراد المجتمع “يركزون بطريقة مبالغ فيها على أجزاء الحقيقة المختزلة والراهنة والمباشرة؛ ويفتقدون بطريقة متزايدة الوحدة التاريخية للصورة الكبيرة الكلية الأقل وضوحا”[3].

وقد انطوت كثير من القراءات للمرجعية الإسلامية أو التراث الإسلامي على كثير من الاختلافات، بين من يرى أن الفصل الذي وقع في ذات الأمة وعلومها يشكل أحد التحديات الحضارية التي ينبغي التفاعل معها من منظور تكاملي بحيث يتم رتق ما انفتق منها، وبين من يرى أن الفصل والتجزيء سبيل لمواجهة التحديات.

ولئن كان البحث في قضايا الأمة فضيلة علمية، فإن البحث في سؤال التكامل لم يعد ترفا فكريا أو تناولا فرديا؛ بل أضحى عند الكثير منهجا لا مفر منه، خاصة في ظل ما تعيشه الإنسانية من انسداد، طغت آثاره على واقع الناس في أطراف العالم، خاصة وأن الرؤية التي أصل لها الخطاب القرآني تشكل منظومة متكاملة، تُميز بين ما هو وحي ثابت، وبين ما هو متغير يسعى المسلم إلى العمل به تبعا لدرجة إدراكه وفهمه.

ويعد الفكر الإسلامي أحد التخصصات التي تصدت لمعالجة هذه القضية بأبعادها المختلفة، وإن اختلفت المقاربات الفكرية باختلاف التوجهات المعرفية والإيديولوجية للباحثين، وهو ما أضفى كثيرا من الحيوية على طبيعة تناول مسألة التكامل المعرفي، بحكم الاستناد إلى المرجعية المؤسسة للعلوم الإسلامية وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية.

إلا أن الحديث عن التكامل المعرفي بصفة إجمالية يجعل المقاربة مشوبة بعيب التعميم والوصف، ما لم يتم التدليل عليها بنموذج علمي وعملي، تتضح من خلاله العلاقة التكاملية بين العلوم الإسلامية، من حيث هي جهد بشري تجمع في بنيتها الفكرية بين نص الوحي المطلق المتعالي على حدود الزمان والمكان، وبين الجهد البشري المظروف بالزمان والمكان.

 

والمطلوب الأهم في مقاربة قضية التكامل، هو البحث في أصلها المرجعي الحاكم لبناء فروع المعرفة الإسلامية، ولا منازع أن يكون الأصل العقدي التوحيدي أساس نشأة العلوم وتطورها في المجال التداولي الإسلامي.

وعليه، فإن مسعى هذه الورقة البحثية، أن تسهم في  بيان موقع العقيدة وأثرها في  ترسيم الرؤية التكاملية للمعرفة الإسلامية، لأن النظر العلمي والفكري قد أبان عن هنات وانحرافات في التصورات المختلفة للقضية العقدية ودورها في بناء المعرفة الإنسانية، وتراجع في بيان وظيفتها وأهميتها في مزاحمة ودفع الفلسفات العقدية الفاسدة، تلك الأهمية التي أكدها الوحي حين أدرج العقيدة في مجال الفطري المنغرس في نفوس البشرية

ويتأسس النظر في مقاربة هذه القضيةـ على إشكال محوري نوجزه في الآتي:

ما موقع العقيدة في  توطين الرؤية التكاملية للمعرفة الإسلامية؟

ويتفرع عن هذا الإشكال تساؤلات فرعية، أهمها:

– ما مدى لزوم العقيدة في بناء  الرؤية  التكاملية للمعرفة؟ وما أثر العقيدة في توطين البناء التكامل  لفروعها؟

وانسجاما مع إشكال البحث ومقتضيات البناء المنهجي للموضوع، جرى تقسيمه  إلى محورين أساسيين يختص كل واحد منهما بقضية مركزية.

  • المحور الأول: لزوم العقيدة في بناء المعرفة الإنسانية
  • المحور الثاني: أثر العقيدة في بناء في توطين الرؤية التكاملية للمعرف
  • المحور الأول: لزوم العقيدة في بناء المعرفة الإنسانية

من أكبر المزالق المعرفية والمنهجية التي وقع فيها كثير من المفكرين المنشغلين بالفكر الإسلامي؛ ذلك الفصل الذي وقع على مستوى الفكر بين العقيدة ومجالات الحياة، فإن كان الأمر مقبولا لدى التجربة الغربية بحكم السياق الواقعي الذي أنتج واقعا فكريا ينسجم وحجم الانحراف الذي شهدته الممارسة الدينية، ولا يشكل كذلك صُداعًا معرفيا لدى المغتربين من أبناء الأمة، فإنه من “الضروري التوضيح لهم أولوية العقيدة وكونها الشرط لتدور عجلات الجوانب الأخرى في الإسلام دورانا سليما قويا وناجحا”[4].

لا غرابة إذا ما تم التأكيد على أن التصورات العقدية تشكل حجر الزاوية في البناء المنهجي والمعرفي، فهي “ضرورة للإنسان في كل زمان ومكان، ضرورة الماء والهواء”[5]، ولا يعرف مجال التداول الإسلامي انفصاما بين العقيدة ومجالات الحياة، إنما يسلم بأن الاعتقاد الصحيح يورث الفرد قوة والأمة منعة وحصانة، قدر تغلغله في النفوس، إذ يفتح لهم الأبواب في الإدراك والاستيعاب السليم لمفردات الواقع.

ولا يكاد ينكر عاقل ما للتصورات القَبْلِية للإنسان من تأثير في بناء معارفه ورؤاه سواء كان ما يعتقده صحيحا أم خاطئا، فالاعتقاد “حاجة سيكولوجية ماسة”[6]، ولما كان الأمر كذلك فإن ما يظهر من تصرفات وأفعال وأقوال إنما هي ترجمة لمعتقداته، تجد أن الناس لا يصدرون إلا عن عقيدتهم، لتدخلها في مجالات الحياة، وهذا سر كونها أول خطوات منهج الأنبياء جميعا في دعوة الناس إلى الله عز وجل، فهم يهتمون بإصلاح عقيدة الناس قبل أعمالهم، ذلك ما أكده الوحي في تقديمه الإيمان على العمل، حوالي خمسين مرة.

فآيات الاعتقاد في الوحي أخذت مساحة أكبر من آيات الأحكام العملية، التي وردت “في أقل من ستمائة آية، وأما البواقي ففي بيان التوحيد والنبوة والرد على عبدة الأوثان وأصناف المشركين”[7]، مما يجعل الحديث عن العقيدة يأخذ قدم السبق عن باقي مكونات الخطاب، فما من مجال إلا والعقيدة حاضرة فيه، وقد شغلت حيزا كبيرا سواء في الدعوة إليها أو توضيح نتائج الإيمان بها وعكسه.

الفرد بلا عقيدة سليمة يصبح عرضة للضياع وسط ركام المعرفة البشرية المنحرفة عن هدي الوحي ونور المعرفة الربانية، يعيش حياة القلق والحيرة لا يدري حقيقة وجوده وسر خلقه، يعيش فراغا كليا في ذاته لا تعوضه الثقافة والأفكار ولا الإبداع والفنون، إذ “الاعتقادات هي بمثابة الغذاء، مهما يكن نصيب هذا الغذاء من الجودة أو الرداءة، وأن الإنسان لا مفر له من الاعتقاد بكائن أسمى تجب له الطاعة والتقديس، ويستمد منه الإيمان بقيمة الحياة”[8].

والمجتمع بلا عقيدة يفقد بوصلة النجاة وإن تمسك بخوارق العلم المادي والتطور التقني واستطاع مقارعة الطبيعة والتغلب عليها، فلن يستطيع تحقيق السعادة والطمأنينة القلبية لأفراده، بل سيجلب عليهم ويلات التعاسة المادية ويجعلهم عبيدا لبعضهم البعض، يتخذون أربابا من دون الله، وهو ما تأباه العقيدة التي دعا إليها كل الأنبياء والرسل وحادت عنها البشرية ففقدت توازنها، فعقيدة جميع الرسل والأنبياء تجمع بين المادي والروحي بين الدين والدنيا، بين الأولى والآخرة، تجعل النفوس مشرئبة إلى خالقها مرتبطة بتعاليم رسلها خاضعة لسلطان الله عز وجل رافضة لكل عبودية أخرى.

العقيدة إذن، تجعل الفرد والمجتمع أمام رقابته الذاتية التي تدفعه إلى استحضار المراقبة الداخلية بدل المراقبة الخارجية، وهو ما تسميه العقيدة استحضار الغيب، قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾[9]، فاستحضار المراقبة الإلهية تمنع الإنسان من إتيان المنكرات وتمنع نوازع الشر فيه من أن إتيان ما يناقض مصلحة الآخر والمجتمع، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾[10]، وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[11]، وقال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾[12] ، قال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾[13].

ولعل ما يجلي هذه الحقيقة بوضوح ما تعيشه الأمة في واقعها منذ انسلخت عن مقوماتها ونقضت عرى الإسلام عروة عروة، فغابت الرقابة الذاتية المستمدة من صلب العقيدة التي دعا إليها الخطاب القرآني، فأصبح الواقع واقع ضعف في شتى المجالات، وأصبحت في ذيل الأمم يصدق عليها قول: “دولة ضعيفة وثقافة قوية”[14].

والناظر إلى مشكلات العالم الإسلامي يدرك أن المشكلة لا تكمن في غياب الإمكانات المادية أو الموارد البشرية أو الطبيعية من عدمها، فما تتميز به بلاد المسلمين من إمكانات يمكنها من التفرد على رأس الحضارات، إنما الأمر في ذاتية الفرد المنفلت من حدود الرقابة الذاتية المنسلخ عن عقيدته، وفي ابتعاد المجتمع عن التشبث بعقيدته الموجهة لسلوكه ومعاملاته وأخلاقه، وتفريطه في الأمانة التي تقلدها الإنسان، قال الله تعالى: ﴿ِإِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾[15]، والأمانة هنا “تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور”[16]، فهي أمانة التعامل مع الكون بجميع مجالاته وفق ما تبينه العقيدة.

وحاصل القول فإذا كانت العقيدة أهم أصل استند إليه الوحي في التأسيس لباقي الأصول العلمية والعملية، وأنها أصل مشترك بين جميع الأنبياء والرسل على مر العصور، فإن بناء الفكر الإسلامي يستوجب استحضار هذا الأصل في النظر في بناء القضايا الفكرية.

ومن هنا تبرز الضرورة المنهجية والمعرفية في الحديث عن العقيدة في سياق بناء قضايا الفكر الإسلامي.

  • المحور الثاني: أثر العقيدة في بناء في توطين الرؤية التكاملية للمعرفة

بقدر ما اختلت الآراء وتعددت التصورات حول تحديد مفهوم الفكر الإسلامي، فإن هناك اتفاقا على التمييز “بين الإسلام ومصادر الوحي ( الكتاب والسنة) وما ينبثق عنهما من علوم ومعارف وتصورات وهذا الأخير هو الذي يطلق عليه مسمى الفكر الإسلامي دون الأول”[17]. وهو تمييز على قدر كبير من الأهمية إذ يجعل الثاني مؤسس على الأول، وبذلك يكون تقييم الفكر ومقارعته من منطلق حدود الالتزام بمضمون الأساس الذي بني عليه، الذي تعد العقيدة أهم الأصول المؤسسة لفلسفته في النظر إلى الوجود.

بالرغم من حداثة مصطلح الفكر الإسلامي في التداول بين مفكري الحضارة الإسلامية، والذي دعت إليه ضرورة التمايز عن الفكر المستند إلى مرجعيات أخرى، فإنه لا إنكار على أن المرجعية الإسلامية قد أسست للمصطلح منهجيا ومعرفيا، والصحوة الفكرية الأخيرة لرواد الفكر الإسلامي أحد تمظهرات ذلك التأسيس، الذي يشكل حلقة من حلقات “نماذج من العطاء الفكري الإبداعي في ميادين العلوم المختلفة”[18].

ويجمع رواد الحركة الإصلاحية النهضوية ورواد تجديد الخطاب الديني أنه لا بناء للفكر الإسلامي إن لم يكن مسددا بالعقيدة الإسلامية التي انبثقت في الجزيرة العربية واستطاعت تغير خاماتها، وبواسطتها تمكن الرسول صلى الله عليه وسلم من إنشاء العرب “نشأة مستأنفة وخلقهم خلقا جديدا وأخرجهم من جزيرتهم”[19].

وما ذلك إلا لتميز العقيدة الإسلامية بشمولية تأطيرها لمجالات حياة الإنسان، وتدفعه إلى العمل القويم والقول السليم، في تكامل وانسجام وانجماع، فالوحي قد دمج “دمجا عجيبا بين عقائده وعباداته ومعاملاته وآدابه وأخلاقه، فكان نسيجا متلاحما، حتى إن الباحث الذي يريد أن يدرس موضوعا من موضوعاته لو اقتصر على هذا الموضوع لكان كمن يريد أن ينسل خيطا من خيوط نسيج محكم متلاحم”[20]، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[21].

العقيدة بذلك، تعد ركنا ركينا في بناء فكر الفرد والمجتمع، وتعتبر حامية لمجالات حياته الاجتماعية والسياسة والاقتصادية والحقوقية والحضارية، إذ يصعب ضبط سلوك الإنسان بقوة خارج عن كيانه، ولن يستطيع أي تشريع جنائي مهما كانت صلابته وحدة قوته القضاء على الظواهر السلبية داخل النفوس ما لم تكن العقيدة أساسه والموجه له، فيكتسب بذلك الفرد وعيه الذاتي ورقابته الذاتية على نوازعه وميولاته.

تسمو العقيدة إذن بالإنسان وتلزمه وتضبط سلوكه في حركاته وأحاسيسه وشعوره، بل وتحدد نظرته إلى الحياة والإنسان والكون، وفي ما يخالجه من أفكار، فمتى كانت العقيدة ثابتة وراسخة ومغروسة في نفس الأفراد إلا وزادتهم تمسكا ودفاعا عنها، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[22]. فمن خلال العقيدة تستطيع الأمة ” إصلاح أمورها وتوحيد صفوفها، وتقويم الاعوجاج في أوضاعها، وإطلاق طاقاتها في التنمية الخلقية والثقافية والاجتماعية والإنتاجية”[23].

ذلك ما يمكن رصده بالنظر في أثر العقيدة في بناء قضايا الفكر الإسلامي، من خلال مجالات أربعة على سبيل التمثيل لا الحصر للأثر الذي يبرز العلاقة التكاملية بين أصول وفروع المرجعية الإسلامية.

  • المجال الأول: أثر العقيدة في البناء الفكري:

الفكر بناء، وكل بناء لا يقام على أسس متينة مصيره التهاوي والسقوط ولو بعد حين، “فالفكر موضوع يتم بناؤه، والبناء عمل موضوعه الفكر. والعمل بالفكر من أشرف الأعمال والفكر لا يدخل إلى الإنسان جسما كاملا، ولا يأخذه الفرد ممن يعطيه إياه كتلة كاملة، لتنتقل ملكيته من المعطي إلى الآخذ، إنما يبنيه الإنسان بناء، لبنة بعد أخرى”[24]، فالبناء الفكري يستمد قوته المنهجية من كونه عملية تقوم على تفاعل وعمل متواصل ومتقن وفق خطة محكمة تراعي الأسس والمراحل وتحقق الجمال باستحضار معاني الذوق الإنساني.

وإذا كان الأمر كذلك فإن العقيدة تعد أحد أهم الأسس التي تسهم في البناء الفكري للمسلم، إذ لا خير في بناء فكري لم يتأسس على قواعد متينة، باعتبار البناء الفكري يختص “بالقناعات العقلية والمعتقدات، وما تتضمنه من حقائق ومبادئ ونظريات”[25] . وهذه القناعات إن لم تنطلق وتنبني على أساس عقدي سليم ومتين فإن البناء سرعان ما ينهار.

يؤكد بدري مالك على أن التفكر المقترن بالذكر، “هو العمود الفقري لتغيير تصور المسلم عن نفسه واستعداده بعد ذلك لتغيير سلوكه وعاداته، فبدون هذا التغيير لا يمكن تعديل السلوك والعادات”[26]، ومن نافلة القول إن الذكر ممارسة مرتبطة باعتقاد الفرد، في حصول التغيير الروحي والقلبي والسلوكي، فيحقق العبد تناسق بين الباطن والظاهر، إن العقيدة المؤسسة للبنات التفكير هي بمثابة الضامن لمتانة تلك اللبنات، التي ينبغي أن تشكل بناء متكاملا.

وبإمعان النظر في هذه العلاقة التلازمية تبرز أهمية العقيدة في تحصين البناء وتمتينه، ذلك أن امتلاك الرؤية المنهجية الواضحة للكون والحياة والإنسان هي جزء من الأسس التي يبنى عليها المنهج العام للحياة، وتتحدد على أساسها أهدافه ووسائله؛ وبناء على ذلك فإنه من غير الممكن أن لا يكون لحضارة عقيدة توجه تصورها، فأبسط الأشياء التي يعيشها مجتمع ما تتأثر “بطبيعة الفلسفة التي تحكم نظرة ذلك المجتمع إلى كل من الفرد والكون والحياة “[27].

فحينما يتم الحديث عن الكون مصدرا للمعرفة الإنسانية يعني ذلك أن التصور لهذا الكون، يعد أهم أركان موارد البناء الفردي والجماعي القويم، فسلوك الإنسان يحمل ضمنيا تصورا معينا للكون والحياة والإنسان سلبا أو إيجابا، والقضايا الكبرى والصغرى في هذا العالم لا تخرج عن ذلك فكل “شخص يعيش وفق معرفته بالكون”[28] حسب سارتر، فالرؤية الكونية جزء من النسق العقدي والفكري لكل حضارة، والبون شاسع بين من ينظر إلى وجود الكون صدفة وبين من يرى أنه خلق من لدن قوة عليا وفوقية تتحكم في مجراه ومرساه ومنتهاه.

والملاحظ أن الإنسان امتاز بكونه الوحيد من بين “سائر الكائنات الحية بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية ، يتولى قيادتها شيء لا يقع عليه سمعه ولا بصره، ولا يوضع في يده ولا عنقه، ولا يجري في دمه، ولا يسرى في عضلاته وأعصابه، وإنما هو معنى إنساني روحاني اسمه الفكرة والعقيدة”[29]

وليس هذا موضع إثبات هذه القواعد، وحسبنا هنا الإشارة إلى أن العقيدة الإسلامية تشكل أرضية أساسية لتحقيق الأهداف المرجوة من الإنسان، من خلال عملية التفكر التي حث عليها الوحي وفق رؤية متناسقة ومتكاملة، “ولا بد للمسلم من تفسير شامل للوجود، نتعامل على أساسه مع هذا الوجود”[30]، فمن غير الممكن أن ينظر الإنسان الفاقد للبوصلة إلى الوجهة الصحيحة، التي ترتكز على استيعاب سر الوجود المنبني على مبدأ الاستخلاف والتكريم الإلهي للإنسان وخصوصياته، ومبدأ التسخير، وفلسفة التشريع المستوعبة لطبيعة النفس البشرية، المراعية لحدود التكليف.

وفي هذا السياق يمكن استيعاب المشاريع النهضوية في دعوتها إلى تجديد الخطاب الإسلامي أو الفكر الديني مثل المفكر الكبير “محمد إقبال” أو كما سبق إلى ذلك رواد النهضة “الأفغاني” و”محمد عبده” و”رشيد رضا” و”رفاعة الطهطاوي”، الذين انطوت مشاريعهم النهضوية على كثير من الإشارات الداعية إلى بناء الفروع على الأصول، وأهم أصل استيعاب القضايا العقدية أساس المرجعية الإسلامية، باعتبارها “الإطار النظري التصوري والمنهجي العملي”[31] لبناء الفكر الإسلامي، والتي “يسترشد بتوجيهاتها ويستضيئ بنورها، فتكون هي مرجعيته المثلى في رسم الخطوط المنهجية التي يستلهمها في كيفية اشتغاله، وهي معيار التقويم والتقييم لما ينتجه من ثمار فكرية”[32].

وغير خاف على المطلع على التراث الإسلامي ما كان للعقيدة الإسلامية من تأثير في بناء الفكر الإسلامي، عبر الانتقال من مهالك التقليد إلى قمة النبوغ المعرفي الذي شع نوره على الإنسانية، واعتماد الحجة والدليل والبراهين لإقناع المخالفين بمنهج عقلي ومنطقي قل نظيره في الوجود لامتلاكه تصورا متكامل الجوانب، أدى إلى حفظ مجمل التراث الإسلامي واليوناني، وأحسن كثير من العلماء توظيفه في نسج خيوط كثير من العلوم الشرعية، التي تعد أحد تمظهرات الأثر العقدي الصلب في عملية البناء الفكري، كثير من العلوم الشرعية شاهدة على ذلك كعلم الأصول وبعض مباحثه، فضلا على أن أهم أثر للعقيدة في توجيه الفكر الإسلامي تحقيق سلامة القلب وصدق النية والتوجه إلى الله عز وجل في كل مراحل التفكر والطلب والاجتهاد، “فالتفكر هو مفتاح كل خير”[33].

  • المجال الثاني: أثر العقيدة في بناء الفكر الاجتماعي:

ترسم العقيدة حدود المصلحة العامة والخاصة، وترسي مبادئ واضحة تلزم الفرد التمييز بين ما ينفع الناس وما يضرهم، وتفرض عليه احترام القواعد والشروط التي تخدم الإنسانية واحترام حقوقها، كما تدعوه للأخذ بالأسباب لا إلى التواكل، واحترام سنة الاختلاف والتنوع، الذي يعتبر سببا في تحقيق التعارف، لأنه “لو استقل كل واحد منهم بنفسه، لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون، والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب، ولكن الله جعلهم شعوبا وقبائل، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها، مما يتوقف على التعارف، ولحوق الأنساب”[34].

من المعروف أن أسس الفكر الإسلامي متنوعة ومتعددة ذلك لأن مجالاته واسعة ومتعددة، ويعد المجال الاجتماعي أحد تلك الأسس التي اعتنى بها من حيث امتلاك الرؤية المستندة الى الأصول المرجعية الإسلامية، وإبراز المعالم الكبرى للنظام الاجتماعي الذي يتغياه الإسلام.

وإذا كان كثير من المفكرين يصرون على أن الفكر الإسلامي لا يتبنى تصورا أحاديا في النظر للقضية الاجتماعية، فلا يدعو إلى الاشتراك في كل شيء ويلغي حق الملكية الفردية كما يذهب إلى ذلك النظام الاشتراكي، ولا هو إلى الليبرالية أميل بحيث يفتح الملكية الفردية على مصراعيها بدون احترام المصلحة العامة، فإنما ذلك نتيجة الأثر الذي تمارسه العقيدة في التأسيس لرؤية الفكر الإسلامي للنظام الاجتماعي المتكافل والمتعاون والمتضامن على قاعدة المساواة.

فاعتقاد المسلم يلزمه استحضار التشريعات التي يوجد على رأس مقاصدها تحقيق ما سبق، فقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا»[35] يعد جزءا من عقيدة المسلم الذي توجهه إلى الحفاظ على سلامة البنيان والسهر على صموده وصلابته، ذلك أن العقيدة الإسلامية ليست عقيدة نظرية قابعة في الذهن، بل عملية وتطبيقية تدفع صاحبها إلى مخالطة الناس والتعبد لله عز وجل بخدمة عباده.

لقد شكلت العقيدة الإسلامية على مر العصور في مراحل تاريخية مفصلية القاعدة الصلبة للسلوك الاجتماعي للفرد المسلم تجاه مكونات المجتمع المختلفة، فقد عرف المجتمع المسلم في مراحله الأولى تنوعا عرقيا ودينيا، يصعب معه تحقيق التعايش الذي كان غائبا في كثير من المجتمعات المتنوعة الأعراق، إلا أن هذه الفسيفساء دفعت المسلمين من منطلق عقيدتهم إلى تأسيس نموذج تاريخي في حسن التعامل مع مختلف المكونات.

استطاعت العقيدة إذن، منذ فجر الإسلام أن تخلق بيئة ذابت فيها أواصر الدم وحلت محلها آصرة العقيدة، وتآخى فيها المهاجرون والأنصار، شكلت علامة فارقة في تاريخ البشرية، تلك الأخوة التي استوعبها الصحابة على قاعدة أن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وهو ميزان التفاضل الذي تعلنه العقيدة الإسلامية في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[36].

وتنطلق الرؤية العقدية الإسلامية في النظر إلى القضية الاجتماعية ضمن إطار عام يحدد القواعد العامة والكلية التي تؤطر تفكير المسلم في تصرفاته، فالرؤية الإسلامية بذلك منبنية على ربط الفكر الاجتماعي وتنزيله بتصوراتها للوجود باعتباره متضمنا لأطراف أخرى، المسلم ملزم بإحكام التعامل معها اجتماعيا، إذ لا استمرار للإنسان إلا بوعي منظومته الاجتماعية باعتبارها عنصرا متحكما في بناء قدراته المعرفية والتواصلية، وتلبية حاجاته الاجتماعية الفطرية.

وغير خاف على من اطلع على المنظومة التشريعية للإسلام، حجم القواعد والقوانين والضوابط التي أسس لها الوحي في بناء العلاقات الاجتماعية بمختلف مجالاتها وجوانبها، ذلك أن “جزءا يسيرا من الشريعة الإسلامية يتعلق بالشعائر والعبادات والأخلاقيات الشخصية المحضة، بينما يتعلق الشطر الأكبر منها بالمعاملات التي هي شؤون اجتماعية”[37]

والميزة الأساسية للرؤية العقدية الإسلامية أنها لا تقبل العمل إلا إذا كان خالصا لله عز وجل، أي صافيا من كل الشوائب التي تخدش في صفاء العقيدة والاستسلام لله عز وجل، وإلا لم تكن الممارسة العملية إلا مجرد تنافس ملتصق بالأرض لا يغاير غيره من التوجهات الفكرية الأرضية، وهنا يكمن سر الربط الرباني للشعائر التعبدية بتحقيق غايات ومقاصد اجتماعية، بل هناك إجماع من المسلمين “على التسليم بأن الصلاة التي لا تؤدي بصاحبها إلى هجر الشر صلاة غير مقبولة عند الله، والحج الذي لا يحقق منافع اجتماعية للحاج غير كامل”[38].أو كما قال طه عبدالرحمان ” فلولا الوفاء بأركان العقيدة لما ثبتت للعبادة صحتها، ناهيك عن كمالها”[39]،

  • المجال الثالث: أثر العقيدة في بناء الفلسفة الأخلاقية:

دلت العديد من النصوص على الصلة الوثيقة التي تجمع بين العقيدة والأخلاق، فلا يمكن تصور الانفصال بينهما لارتباط السلوك الأخلاقي بالتصورات العقدية، فسر الانحراف الأخلاقي انحراف عقدي وما وُوجه به الأنبياء من مواقف من أقوامهم إلا دليل على صدوره عن تصورات عقدية.

لقد أولى الوحي اهتماما للقضية الأخلاقية إذ يصنفها أحد أهم الأصول التي تؤسس للمجتمعات المسلمة والحضارة الإنسانية، وكل ذلك منبن على تصور اعتقادي ينطلق من كشف سلوك الفرد وقوة اعتقاده وإيمانه في تخليه عن الخلق القبيح والتحلي بالخلق الحسن، إذ لا يمكن تجاوز العلاقة التكاملية والتفاعلية بين معتقدات الفرد وعموم أخلاقه في علاقاته المتعددة والمتنوعة مع مكونات الوجود، والناظر إلى الوحي يدرك الربط القوي الذي أكد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث بين إيمان الفرد بما هو اعتقاد وبين الأخلاق بما هي فكر وسلوك منها:

  • عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره”[40].
  • عن أبي شريح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»[41].
  • عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»[42].

إن التكامل الذي أسس له الوحي بين العقيدة والأخلاق من خلال الأحاديث الآنفة، يسمو بنفس الإنسان في التعامل مع الآخر تعاملا إنسانيا يتجاوز به الحدود الضيقة لمفهوم الانتماء العرقي والمذهبي والعرقي والديني، ولا أدل على ذلك من الإشارة الواضحة في قوله صلى الله عليه وسلم عن أنس: «لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[43].

ولا استغراب إذا تبث ذلك أن تجد الفيلسوف طه عبد الرحمان يهاجم بشدة الاختلاط الحاصل في المفاهيم عند كثير ممن يدَّعون الأخلاق العالمية متجاوزين بذلك قضية محورية العقيدة في توجيه السلوك الأخلاقي، ذلك أن عقائد الناس مختلفة ومتعددة مما ينعكس على سلوك الفرد “فإذا كانت الأديان تتفاوت مكوناتها الاعتيادية والعملية عددا، بل أيضا قد تتفاوت نوعا؛ ولا يمكن أن يوجد مثل هذا التفاوت في المكونات بين الأديان من غير أن تترتب عليه آثار من جنسه، فإذا اختلفت المكونات لا بد أن تختلف آثارها، والأخلاق أول هذه الآثار؛ وعلى هذا فلا بد أن تختلف الأخلاق نوعا وقدرا من دين إلى آخر”[44].

وعموما فإن العقيدة تشكل قاعدة منهاجية في بناء التصورات الأخلاقية ومسالك تنزيلها ذلك أن قواعد الدين[45] “تتناسق عناصره فيما بينها بفضل مبدإ عام ينتظمها جميعا”[46]، وإذا كان ينتظم كل قاعدة من تلك القواعد مبدأ عام فإن “أركان العقيدة ينتظمها مبدأ الإيمان”[47] فإن الإيمان يربط الإنسان بالعمل وبذلك تكون العقيدة مرشدة  للناس في سلوكهم العام في جميع الاتجاهات، استنادا إلى كون الخطاب القرآني أبدع منظومة متكاملة من الأخلاق، صالحة لكل زمان ومكان، ذلك أن المبادئ “الأخلاقية التكوينية للإنسانية تبعا للرؤية الإسلامية، ثابتة ومسلم بها لأي إنسان حتى لو كان منتميا إلى دين غير الإسلام، أو إلى ثقافة أو حضارة أخرى”[48].

  • المجال الرابع: أثر العقيدة في بناء الفكر الحقوقي:

لا يمكن تصور بناء متين بدون عقيدة سليمة، لكونها تلزم صاحبها باحترام جميع الحقوق التي تربطه بأركان الوجود، المتمثلة في حق الله وحق النفس وحق الغير وحق البيئة، قبل أن تلزمه القوانين والإجراءات التعزيرية أو الجزرية، فالالتزام العقدي يجعل صاحبه مقرا ومعترفا عن طواعية بترك الاعتداء وخرق الحقوق، فإلى جانب حق الله عز وجل الذي تجعله العقيدة باعثا على الفعل ومحفزا على البناء الحضاري وتحقيق مراد الله عز وجل في الأرض بتحقيق عبوديته الكاملة الشاملة، وإعمار الأرض تحقيقا لمبدأ الاستخلاف، تؤثر العقيدة في سلوك الفرد تجاه حق نفسه فتمنعه الرقابة الإلهية من ارتكاب أي نوع من أنواع الاعتداء على نفسه، فهي عقيدة تسعى لا إلى حفظ حياته بل تسعى إلى كمال التوازن بين مكوناته الروحية والجسدية والعقلية.

لقد جاء نور الوحي الإلهي ليشع على العالمين برحمته وتكرمه على الإنسان، نور انطفأت معه نيران العصبية المقيتة والعنصرية البغيضة، فأعلن ميلاد نظرة جديدة لحقوق الإنسان، فبين الوحي أهميتها بتناوله لأصولها حفظا وصونا بتشريعاته المتكاملة من مهد الإنسان وما قبله إلى لحده وما بعده، كل ذلك بشكل يضمن له حقوقا ويوضح له واجبات.

ولا شك أن إنسانا بمثل هاته التوجيهات العقدية سيكون فردا مسددا ليس في احترامه لحقوق الغير، بل إلى حفظها وصيانتها والتوقف عن ما يؤديها، وغير خاف على كل مطلع على الوحي والتطبيق النبوي حجم الترسانة التشريعية والتوجيهية المخصص لعملية البناء الحقوقي، مثل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إذا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[49]،

والتوجيه العقدي لسلوك الفرد في حماية الحقوق العامة والحفاظ عليها، لا يتوقف عند حقوق الإنسان بل إن هناك بناء تشريعيا قويا شمل منظومة الحقوق المتعلق بالبيئة ومكوناتها.

إن سلوك الفرد لن يكون بعيدا عن التصورات العقدية التي تربطه بربه ونفسه وأخيه الإنسان وبيئته وجميع محيطه، وبذلك يجد الإنسان نفسه طوعا محاطا بمنظومة تشريعية حقوقية تضمن سلامة حقوق الناس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

المنظومة الحقوقية في الإسلام تعد من أهم الأصول التي شدد الشارع عليها، وجعلها من أسس الحياة الإنسانية التي تقوم عليها مجالاته، وعمل على إرسائها في توجيهاته وتشريعاته في النفس الإنسانية. وهي بذلك تؤسس للفكر الإسلامي وتوجه بوصلته لإنتاج فروش معرفية متكاملة.

وإن من أهم من يجلي التكامل بين العقيدة وقضية الحقوق ذاك الارتباط الوثيق بين الحرية بما هي “حرية القلب”[50]، وتوحيد الله عز وجل، المعنى السامي للتحرر، إذ يعد أعظم مسالك تحرير رقبة الإنسان من الخضوع لغير الله عز وجل، ومن كل ما ينكسه عن فطرته، ومن كل المعبودات والشهوات، لذلك العقيدة تدفع الإنسان إلى تحرير قدراته العقلية والقلبية والعاطفية والجوارحية.

إن الدعوة إلى اعتبار الرؤية العقدية موجه للفكر الإسلامي في إنتاجاته المعرفية لم تكن دعوة معزولة عن السياق التشريعي والحضاري للبشرية، فقد أجمعت كل الشرائع والملل منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على اعتبار التوحيد أم الحقوق، لكونه يحرر الإنسان من كل الأغلال، فمعتقد جميع الأنبياء والرسل وأتباعهم وما دعوا إليه واحد ومشترك.

  • المجال الخامس: أثر العقيدة في بناء المشترك الإنساني:

إذا كانت سنة الله التكوينية اقتضت الاختلاف سنة تنتظم جميع مخلوقاته، التي يعد التنوع الذي في الوجود أحد تمظهراته، فإن إرادة الله التشريعية قد بينت إمكانات تصريف هذا الاختلاف وتدبيره، وقد كانت هذه سنة جميع الأنبياء في إرشاد أقوامهم عبر التشبث والإقرار بعقيدة واحدة، قال تعالى: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾[51].

ويؤكد ذلك الوحي حينما يبرز قضية الاشتراك في العقيدة، رغم الاختلاف في الشرائع، التي تشكل بدورها وحدة متكاملة، وهذا جوهر الرؤية العقدية للإسلام، التي تنظر إلى أن جميع الحضارات تنتظمها أصول جامعة، فلا يوجد تناقض ولا تعارض في إطار الرؤية الشاملة للوجود.

إذا كانت العقيدة تشكل ركيزة لبناء تصورات  الإنسان حول مجالات الحياة فإن لها دورا في بناء المشترك الإنساني، ويصعب التفريق بين مجالات بناء المشترك والعقيدة، ولأهميتها في بناء المشترك الإنساني صنفها السرجاني في أسمى الأصول المشتركة وقال: “وأنا أحتسب أن هذا المشترك هو أهم ما يميز الإنسان، وأغلى ما يمتلك، وأفضل شيء يعطيه هوية معينة، وهو أقوى رباط بين اثنين أو بين شعبين، وهو يتجاوز حدود الزمان والمكان، …إنه الرابط الأسمى الذي لا يعلوه رابط، خاصة في الأوساط التي تشهد صحوة دينية وعودة إلى الأصول”[52].

ورغم الجفاء الذي يقابل به الاهتمام الذي تبديه الرؤية العقدية الإسلامية عبر مثقفيها ومفكريها بقضية العلاقة مع الآخر، وما تحث عليه من بذل الجهد في التنظير والتأصيل لهاته العلاقة، فإن المرجعية العليا للحضارة الإسلامية قادرة على بسط الرؤى المختلفة في العلاقة مع الآخر وبناء مشترك إنساني.

ومن منطلق الرؤية العقدية الإسلامية للعلاقة مع الآخر فإنه يمكن القول أن السعي إلى بناء مشترك إنساني لخصوصيته الجامعة والموحدة في ظل الاختلاف الواقعي للمفاهيم والرؤى هو ضرورة شرعية، وأن الحفاظ على الهوية الحضارية للأمم وخصوصياتها الثقافية وتراثها وعلومها الخاضع للأنساق المعرفية ومرجعياتها يكتسي نفس الأهمية.

وإذا كان الاحتكاك سنة الوجود بين الكيانات الحضارية المتواجدة، فإن العقيدة الإسلامية تؤسس لمفهوم آخر بديلا عن الصراع وهو التدافع الذي يعد أحد نواميس الكون حيث لا يحمل معاني إفناء الآخر للسيطرة عليه أو على حضارته، بل يتمايز عن الصراع ببعده العالمي المرتبط بعالمية الإسلام، فالتدافع سنة مرتبطة بالمسلمين لا بالقوانين التاريخية التي تحكم العلاقات الحضارية.

وجملة القول فإن الفكر الإسلامي المؤسس على الرؤية العقدية الإسلامية لا يعرف الصراع ولا يعرف الثنائيات الضدية المتقابلة “شرق غرب” إذ لا تنسجم مع التصور الإسلامي الذي ينظر إلى عالم واحد في إطار التعدد، يقول تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[53] ففي الآية “يخبر تعالى أنه خلق بني آدم، من أصل واحد، وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء”[54]، فالإنسانية قد صدرت عن ذكر وأنثى وتوزعت “وتناسلت وتكاثرت من آدم وزوجه حواء، فالتكاثر البشري قد جاء من نفس واحدة “[55] كما هي واضحة في تفسير وبيان سر التعدد الإنساني والحضاري التي تعيشه الإنسانية اليوم، إذ منبع ذلك إلى وحدة الخلق ووحدة الإنسانية، مما يجعل ذلك التنوع سر من أسرار عظمته سبحانه وتعالى، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آياتهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِّلْعَالِمِينَ﴾[56].

إن تسكين الاعتقاد وانغراسه في نفس الإنسان بوحدة الإنسانية والخلق يعد مدخلا أساسيا لتقبل التعايش والتساكن والتآلف بين مكونات الحضارة الإنسانية المختلفة، فإدراك الذات بذلك “حري بأن يعمق الأحاسيس المفعمة بالود الإنساني، وأن يبصر بالقواسم الفطرية والعقلية والدينية المشتركة، ولا شك أن امتلاء الإنسان بمثل هذه الأحاسيس والمدركات كفيل بأن يجعله أكثر استشعارا بالإخاء وأميل إلى التفاعل والرضا بالعيش المشترك”[57].

خاتمة

بناء على ما تقدم تتضح العلاقة التكاملية بين العقيدة وقضايا الفكر الإسلامي، إذ يعمل هذا الأخير على الاستمداد من الأول في بناء مختلف مباحثه على تصور جامع ومتكامل للرؤية للكون والحياة والإنسان، الذي تشكل القضايا المتنوعة الأرضية التي تتنزل عليها القواعد المؤسسة المحققة للغاية الإلهية من الوجود.

إن أهم ما يمكن التأكيد عليه في خاتمة هذه الورقة أن علم العقيدة يشكل الجزء الأهم في البناء المعرفي الإسلامي والداعي إلى نهضة الأمة فردا وجماعة في جميع أبعاده القلبية والعبادية والعملية إذ لا يمكن أن تتحقق عملية الإقلاع الحضاري بدونه.

إن علم العقيدة يصنف من أهم العلوم التي تجسد مبدأ التكامل المعرفي في دائرة العلوم الإسلامية لتشعب قضاياه المعرفية واختلاف مسالكه الاستدلالية والحجاجية وتنوع مناهج النظر التي يعتمدها، وهو بذلك قد انفتح على كثير من العلوم الأخرى إمدادا واستمدادا، وما ذلك إلا لأن الوحي يعد المرجع التأسيسي لقضية التكامل التي أرسى بها التراث نظرته التكاملية منهجيا ومعرفيا.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم
  • ابن تيمية، تقي الدين: مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م
  • أبو ضيف، المدني: الأخلاق في الأديان السماوية، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1408ه/1988م.
  • أرسلان، شكيب: لماذا تأخر المسلمين ولماذا تقدم غيرهم، مراجعة حسن تميم، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت/لبنان، (د.ت.ط).
  • البخاري، أبو عبدالله: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة ط1، 1422ه.
  • بدري، مالك: التفكر من المشاهدة إلى الشهود دراسة نفسية إسلامية، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، 1415هـ/1995م.
  • دراز، عبد الله: الدين، بحوت ممهدة للدراسة تاريخ الأديان، دار القلم، بيروت، (د.ت.ط).
  • الرازي، فخر الدين: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1420ه.
  • رائد، جميل عكاشة: مفاهيم التكامل المعرفي، التكامل المعرفي أثره في التعليم الجامعي وضرورته الحضارية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1433هـ/2012م.
  • سامي، زبيدة: انتروبولوجيات الإسلام، دار الساقي، بيروت،ط1، 1977م.
  • السرجاني، راغب: المشترك الإنساني نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة/مصر، ط1.
  • السعدي، عبد الرحمن: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ /2000 م.
  • سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، دار الشروق، القاهرة، 1988م.
  • طه، عبد الرحمان: روح الدين، من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 2012م.
  • طه، عبد الرحمان: سؤال العمل، بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم، المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء، ط2، 2012م.
  • علي، شريعتي: الإنسان والإسلام، ترجمة عباس الترجمان، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط2، 1428هـ/2017م.
  • عمارة، محمد: الإسلام والتعددية، دار السلام، القاهرة/مصر، ط1، 1432ه/2011م.
  • الفاروقي إسماعيل: التوحيد مضامينه على الفكر والحياة، ترجمة السيد عمر، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة/مصر، 1435هـ/2014م.
  • فتحي حسن ملكاوي: البناء الفكري، مفهومه ومستوياته وخرائطه، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ط5، 1429ه/2009م.
  • فراس السواح: دين الإنسان، بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة، سورية،ط4، 2002م.
  • الفراك، أحمد: فلسفة المشترك الإنساني بين المسلمين والغرب، إفريقيا الشرق، ط1، 2016م.
  • فؤاد بلمودن: الفكر الإسلامي وسؤال التجديد، مطبعة الرحاب، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2015م.
  • القرطبي، أبو عبد الله محمد: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة،ط2، 1384هـ/1964م.
  • الكتاني، محمد: منظومة القيم المرجعية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط/ المغرب، ط2 ،1433ه/2011م.
  • مساعد، بن عبد الله المحيا: القيم في المسلسلات التلفازية السعودية، دار العاصمة للنشر والتوزيع، 1414ه.
  • منير، شفيق: الإسلام و تحديات الانحطاط المعاصر، دار البراق، تونس، ط1، 1991م.
  • منير، شفيق: الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر، دار البراق، تونس، ط1، 1991م.
  • المجلات والندوات
  • الندوة العلمية الدولية: سؤال الأخلاق والقيم في عالمنا المعاصر، الرابطة المحمدية للعلماء، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، 2012م.
  • ندوة: جهود المغاربة في خدمة المذهب الأشعري، الرابطة المحمدية للعلماء، دار أبي رقراق، الرباط، ط1، 1433هـ/2012م.
  • مجلة قضايا إسلامية، ع30، السنة 9، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد/العراق.
  • مجلة المسلم المعاصر، السنة 19، 1425هـ/2004م، ع 113.

 

– دكتوراه  في العقيدة والفكر الإسلامي،  جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس[1]

[2] الفراك، أحمد: فلسفة المشترك الإنساني بين المسلمين والغرب، إفريقيا الشرق، ط1، 2016م، ص11.

[3] رائد، جميل عكاشة: مفاهيم التكامل المعرفي، التكامل المعرفي أثره في التعليم الجامعي وضرورته الحضارية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1433هـ/2012م، ص 23-24.

[4] منير، شفيق: الإسلام و تحديات الانحطاط المعاصر، دار البراق، تونس، ط1، 1991م، ص 176.

[5] محمد، التمسماني: العقيدة الأشعرية مادة في التعليم والتربية: الواقع والآفاق، ندوة: جهود المغاربة في خدمة المذهب الأشعري، الرابطة المحمدية للعلماء، دار أبي رقراق، الرباط، ط1، 1433هـ/2012م، ص 31.

[6] فراس السواح: دين الإنسان، بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة، سورية، ط4، 2002م، ص 47-48.

[7] الرازي، فخر الدين: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1420ه،ـ ج2، ص 324.

[8] الكتاني، محمد: منظومة القيم المرجعية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط/ المغرب، ط2 ،1433ه/2011م، ص68.

[9] سورة: الملك، الآية: 12

[10] سورة: البقرة، الآية: 235.

[11] سورة: النساء، الآية: 1.

[12] سورة: يونس، الآية: 61.

[13] سورة: الأحزاب، الآية: 52.

[14] سامي، زبيدة: انتروبولوجيات الإسلام، دار الساقي، بيروت، ط1، 1977م، ص 12.

[15] سورة: الأحزاب، الآية:72.

[16] القرطبي، أبو عبد الله محمد: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة،ط2، 1384هـ/1964م، ج14ص 253.

[17] فؤاد بلمودن: الفكر الإسلامي وسؤال التجديد، مطبعة الرحاب، الدار البيضاء/المغرب، ط1، 2015م، ص20.

[18] فتحي حسن ملكاوي: البناء الفكري، مفهومه ومستوياته وخرائطه، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ط5، 1429ه/2009م، ص 57.

[19] أرسلان، شكيب: لماذا تأخر المسلمين ولماذا تقدم غيرهم، مراجعة حسن تميم، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت/لبنان، ص 12.

[20] أبو ضيف، المدني: الأخلاق في الأديان السماوية، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1408ه/1988م، ص 41.

[21] سورة: البقرة، الآية:177.

[22] سورة: آل عمران، الآية: 173.

[23] منير، شفيق: الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر، دار البراق، تونس، ط1، 1991م، ص 176.

[24] ملكاوي: البناء الفكري، مفهومه ومستوياته وخرائطه، مرجع سابق، ص 74

[25] المرجع سابق، ص 75

[26] بدري، مالك: التفكر من المشاهدة إلى الشهود دراسة نفسية إسلامية، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، 1415هـ/1995م، ص39.

[27] مساعد، بن عبد الله المحيا: القيم في المسلسلات التلفازية السعودية، دار العاصمة للنشر والتوزيع، 1414هـ، ص28

[28] علي، شريعتي: الإنسان والإسلام، ترجمة عباس الترجمان، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط2، 1428هـ/2017م، ص38.

[29] دراز، عبد الله: الدين، بحوت ممهدة للدراسة تاريخ الأديان، دار القلم، بيروت، (د.ت.ط)، ص 98-99.

[30] سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، دار الشروق، القاهرة، 1988م، ص 05.

[31] شبار: شبار، سعيد: حوار حول الإطار المنهجي للفكر الإسلامي: مجلة قضايا إسلامية، ع30، السنة 9، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد/العراق، ص، ص 93.

[32] بلمودن: الفكر الإسلامي وسؤال التجديد، مرجع سابق، ص 21

[33] بدري، مالك: التفكر من المشاهدة إلى الشهود، ص39.

[34] السعدي، عبد الرحمن: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ /2000 م، ص 802.

[35] البخاري، أبو عبدالله: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة ط1، 1422ه، ج8، ص 12.

[36] سورة: الحجرات، الآية: 13.

[37] الفاروقي إسماعيل: التوحيد مضامينه على الفكر والحياة، ترجمة السيد عمر، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة/مصر، 1435هـ/2014م، ص 158.

[38] المرجع السابق، ص 158.

[39] طه، عبد الرحمان: روح الدين، من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 2012م، ص 72

[40] البخاري: الجامع الصحيح، مرجع سابق، ج 7، ص 28.

[41] المرجع السابق، ج8، ص 10.

 البخاري: الجامع الصحيح، مرجع سابق، ج8، ص 11.[42]

[43] المرجع السابق، ج1، ص 12.

[44] طه، عبد الرحمان: سؤال العمل، بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم، المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء، ط2، 2012م، ص 134.

[45] يشير طه عبدالرحمان إلى أن أحكام الدين تنقسم إلى قواعد أربع تشكل نسقا متكاملا “أصول العقيدة” و”أركان العبادة” و” قوانين العمل” و” قواعد الأخلاق”. ينظر: طه، عبد الرحمان: روح الدين، مرجع سابق، ص 72

[46] المرجع سابق، ص 72

[47] المرجع السابق، ص 72.

[48] العياشي، إدراوي: خصوصية النموذج الأخلاقي في التصور الإسلامي، سؤال الأخلاق والقيم في عالمنا المعاصر، أعمال الندوة العلمية الدولية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، 2012م، ص 85.

 سورة الممتحنة، الآية: 12.[49]

[50] ابن تيمية، تقي الدين: مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م ج10، ص 186.

[51] سورة: آل عمـران، الآية:59.

[52] السرجاني، راغب: المشترك الإنساني نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة/مصر، ط1، ص 147.

[53] سورة: الحجرات، الآية: 13.

[54] السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مرجع سابق، ص 802.

[55] عمارة، محمد: الإسلام والتعددية، دار السلام، القاهرة/مصر، ط1، 1432ه/2011م، ص91.

[56] سورة: الروم، الآية: 22.

[57] علي، القرشي: المعاملات الموضوعية لحوار الحضارات، مجلة المسلم المعاصر، السنة 19، 1425هـ/2004م، ع 113، ص 16.

1 تعليق

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

  • إن التنقل في مواقع نشر الأبحاث العلمية ومجلات الوصول المفتوح وقواعد بيانات المقالات البحثية. والمواقع الأكاديمية التي تحاول العثور على مصادر عالية الجودة لبحثك يمكن أن تكون مهمة صعبة. وما الذي يشكل قاعدة بيانات موثوقة؟ وما هو مصدر مفيد لموضوع البحث والانضباط الخاص بك؟ وكيف يمكنك العثور على النصوص الكاملة للدراسات التي راجعها الأقران والوصول إليها؟

    الرد

آخر المقالات