728 x 90

المرددات النسوية بمنطقة الغرب دراسة مقطعية صوتية

المرددات النسوية بمنطقة الغرب دراسة مقطعية صوتية

المرددات النسوية بمنطقة الغرب دراسة مقطعية صوتية

 الطالبة الباحثة: فاطمة الكعبوشي

تقديم

تشكل الثقافة الشعبية وثيقة حية تعبر عن مضامين الحياة، التي تحصلت لدى منطقة خلال حركيتها عبر العصور، كما تعد مؤسسة توجه نشاط الأفراد والجماعات، وتخلق لهم متنفساً لتصريف الأحاسيس العاطفية والاجتماعية، والتحرر من أعباء المعيش اليومي ومشاقه.

كما تعتبر مؤسسة تربوية تساهم في التنشئة الاجتماعية، عبر ترسيخ القيم الأخلاقية، والانضباط للأعراف والعادات والتقاليد، لما تنشره من معارف وتجارب متوارثة عبر الأجيال، ومستمدة من الثقافات والجماعات الأخرى التي تم التواصل معها.

وتضم الثقافة الشعبية مادة أدبية فنية غاية في الثراء، تمتزج فيها الأنواع والأجناس. من شعر ونثر وحكي وترديد وغناء… وتتقاطع فيها الطقوس والممارسات الإنسانية، من تمثيل ورقص واستشفاء وأعراس وختان وموت…

ولم تنل الثقافة الشعبية بالمغرب عامة بعد، ما تستحقه من اهتمام ودراسة، بل كانت تتعرض في فترة من الفترات – ولازالت- إلى الكثير من التحقير والإهمال.

وقد بدأت تباشير التدوين مع وفود الرحالة الأوربيين، في أواسط القرن التاسع عشر، من باب البحث على سبيل التمهيد للاستعمار، ثم تطور في مرحلة الاستعمار عبر تكوين “البعثات العلمية”، وإنجاز مونوغرافيات ودراسات ميدانية، التي تعتبر أرضية انطلاق للباحثين المغاربة من أجل جمع ما بقي في الظل متواريا يحتاج مجهودات لوصفه وقراءته، وقراءات معرفية موضوعية وأكثر دقة.

ويعتبر عباس الجراري رائدا للدراسات الشعبية الأكاديمية بالمغرب، من خلال أطروحته بجامعة القاهرة سنة 1969، تحت إشراف عبد العزيز الأهواني بعنوان “الزجل في المغرب القْصيدة”.

أما هذه الدراسة فقد اعتنت بدراسة المستوى الصوتي للمرددات النسوية بمنطقة الغرب، باعتبارها موروثا فنيا أصيلا، مجهولة مؤلفته، تناقلته حناجر نساء المنطقة عبر الأجيال، وتغنت به الأمهات والبنات المخلصات لرقعتهن الجغرافية، اللواتي تفتقت عبر ألسنتهن أحاسيس رقيقة وكلمات بليغة، وجادت قريحتهن بألحان عذبة، وصدحت حناجرهن بأنغام وإبداعات عفوية خلاقة، وعبرن عن لحظات الحياة، وصورن ظروف العيش.

وتستحضر نساء المنطقة هذه المرددات كلما دعت حاجتهن النفسية إلى ذلك، معبرات عن ذواتهن، وكيانهن قبل تعبيرهن عن الجماعة، بشكل عفوي تلقائي، في أي زمان وفي أي مكان، مرفهات عن أنفسهن منفسات عن الآخرين.

وقد جمعت المتون عبر التنقل بين دواوير المنطقة، وكانت العملية عسيرة ماتعة في الوقت نفسه، عدا ما كابدته من معاناة عند جمع متون العديد، لما كان يشيع من حزن جارح للفؤاد.

ومن الصعوبات التي واجهت الجمع، صعوبة تحديد الإطار الزمكاني للمتون، فهي عبارة عن مأثور أدبي، مجهولة مؤلفته، تنتقيه الذائقة وتشيعه باستمرار، بواسطة التداول الشفهي المعتمد على حلاوة الأداء وأصالة الترديد في الأفراح والأتراح.

ومن تم، فعدم الاطمئنان لنسبة النصوص لهذه المرأة أو تلك، أو لهاته الفترة أو تلك، له أكثر من مبرر.

فإلى أي حد استطاعت المرددات النسوية بالمنطقة، التعبير عن توجهات المرأة والبوح بمكنوناتها؟ وماهي الخصائص الصوتية لمقاطع المرددات النسوية؟

تعريف المرددات النسوية

وتشتمل المرددات النسوية بمنطقة الغرب على ألوان أساسية من الفنون القولية، التي تتوسل بها النساء للبوح:

السلامات: هي عبارة عن رسائل غرامية شفهية، مشتقة من “السلام” التحية المرفوقة بالأشواق الجياشة ومعظمها جاء في ميدان الغراميات.

الأغنية الاحتفالية: وهي قصائد شعرية ملحنة، تنتشر بين النساء معبرة عنهن، مصورة لمشاعرهن، ذات نغمات يسيرة، ليسهل حفظها وتناقلها بينهن.

المزاوكي: أو مرددات الزغاريد وهي عبارة عن أشطر شعرية، يختلف غرضها باختلاف سياق ترديدها، ولعل اسمها مشتق من اللفظ العامي “المزاوكة”؛ أي الرجاء والطلب، أو من لفظ “الزّْكَا”؛ أي الصوت العالي، فالمرأة مطالبة برفع صوتها عند أدائه.

العديد/التعداد: يعد نمطا من أنماط البوح والشكوى من فاجعة الموت وأهوالها، لما فيه من عاطفة صادقة، بعيدة عن التكلف في التعابير والصور.

الدراسة المقطعية الصوتية للمرددات

تتميز اللغة العربية الفصحى بكونها لغة معربة، مضبوطة الأواخر، أما الدارجة فغير معربة، أي مسكنة الأواخر.

ثم إن هناك فرقا بينهما، يتجلى في كونهما معاً جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الوطنية، إلا أن الفصحى مكتوبة ومتداولة عبر القوانين، وعلى أساسها تدرس العلوم المختلفة أيا كانت إنسانية أو علمية صرفة، أما الدارجة فهي شفوية؛ منطوق بها ومتداولة عبر الحفظ بين إنشاد وترداد. لذا فإسقاط معايير هذه على تلك، من شأنه أن يتجنى على ما يفرضه قانون الاختلاف، الذي يجعل لكل منهما مواصفات خاصة. رغم احتفاظ الدارجة العربية بالعديد من الخصائص الفصيحة، في الصوت والمعجم والتركيب والإعراب كذلك.

ولم يدم الاحتفاظ بالسليقة العربية السليمة إلا فترة من الزمن، «لم تتجاوز القرن الرابع للهجرة، في أبعد البوادي عن التأثر بالأقاليم الأعجمية، ثم أخذ اللحن يدب في البوادي كما دب من قبل في الحواضر»[1]. فلم تعد اللغة شفهية كما كانت من قبل، بل وُصفت بصفة أخرى، وهي العامية أو الشعبية بسبب انحرافها قليلا أو كثيرا عن معايير الفصاحة.

لكن كيف تكون اللغة حتى نسميها دارجة أو عامية؟ وبالمقابل كيف تكون حتى لا نسميها كذلك؟ وهل هناك تعارض بين اللغة الفصيحة واللغة الدارجة؟

يقول الإمام فخر الدين الرازي «اِعلم أن الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد، وأصلها من قولهم أفصح اللبن، إذا أخذت عنه الرغوة»[2]. وهي «الظهور والبيان (…)، أفصح الصبح، إذا ظهر، والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى، سهل اللفظ، جيد السبك، ولهذا وجب أن تكون كل كلمة جارية على القياس الصرفي، بينة في معناها، مفهومة عذبة سلسة»[3].

وهذا يعني أن اللغة متى عبرت عن خواطر أصحابها وآمالهم وطموحاتهم فهي فصيحة، ومتى لم تعبر فهي غير ذلك، مع العلم أن التعبير بها يكون مفهوما من قبل عامة الناس الذين أنتجت فيهم، وبالتالي ليس هناك تعارض بين الفصيح والدارج، «وكما قيل قديما لكل مقام مقال. ونحن نقول لكل مقام في كل عصر مقال»[4]، وبهذا يتغير مفهوم الفصاحة من عصر إلى عصر، كما تتغير الحياة وظروف الناس. و«تصبح اللهجات جميعها فصيحة لأنها تعبر عن طبقة معينة من الناس في فترة معينة من مراحل تاريخهم»[5]، وما اللهجة إلا تمثيل للغة عبر الأزمان. فالعربية في العصر الجاهلي ليست نفسها في العصر الإسلامي، لكنها مع ذلك تبقى عربية تعبر عن مرحلة معينة. ومن تم فعوض أن نقول أن هذه فصيحة وأخرى غير فصيحة أو شعبية، نقول إنها عربية تمثل انعكاسا لوضع معين عاشه ويعيشه العرب في فترة معينة.

إن اللغة عبارة عن نظام من الإشارات الصوتية، يستعملها كل لسان اعتمادا على مجموعة من القواعد التأليفية والاستبدالية، لتكون الكلمات والتراكيب، ولتؤدي معاني بفضل الوظيفة التمييزية للصوت، القادرة على فرز الكلمات بعضها عن بعض، ومن تم تمييز معانيها المختلفة، «وهذه الوظيفة هي الأكثر أهمية للصوت في اللغة على وجه العموم»[6]. وبهذا تتعدى اللغة كونها مجرد «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»[7].

أما اللغة الشعرية فهي أكثر من مجرد لغة أو كلام عادٍ، أي نقل الدلالة مباشرة من المرسل إلى المتلقي، عبر أدوات التعبير ووسائله الاعتيادية، فللخطاب الشعري دلالة مزدوجة، قائمة على المباشرة والإيحاء في الآن نفسه، لذلك يكون تأثيرها على المتلقي كبيرا، وسطوتها قوية على إحساسه وشعوره، فضلا عن ذلك، ويقوم الخطاب الأدبي على «ترميز شفرته باللغة، لكنها ليست لغة الكلام العادي، بل بما يصطلح عليه ما وراء اللغة Extra-langage»[8]، التي تعمق المستوى السطحي للخطاب، وتنفذ منه إلى إنتاج دلالة النص وخلق المتعة الجمالية فيه، عبر التأويل المفتوح المعتمد على ذلك الترميز.

وعلى هذا الأساس، فالدراسة الصوتية للنصوص تقع في صميم دراسة النصوص الأدبية، لأن التحليل الصوتي لهذه النصوص بما فيها من أصوات وإيقاعات، يساعد كثيرا في فهم طبيعتها، وفي الكشف عن الجوانب الجمالية فيها، بالإضافة إلى كشف الانفعالات النفسية والعاطفية، التي تحكم مبدعها، والتي تدفعه إلى اختيار أصوات وإيقاعات بعينها، «فلا يخفى أن مادة الصوت هي مظهر الانفعال النفسي، وأن هذا الانفعال بطبيعته إنما هو سبب في تنويع الصوت، بما يخرجه فيه، مدا أو غنة، أو لينا أو شدة»[9].

كما نستطيع الحكم على عمل الأديب أو المبدع من خلال دراسة المستوى الصوتي للنصوص التي أبدعها، وفيما إذا كان موفقا في توظيف الأصوات والنغم لدعم المعاني التي يطرحها، حيث تكمن في المادة الصوتية «إمكانيات تعبيرية هائلة، فالأصوات وتوافقها مع ألعاب النغم والإيقاع والكثافة والاستمرار والتكرار والفواصل الصامتة، كل هذا يضمن بمادته طاقة تعبيرية فذة»[10].

لا يخفى ارتباط مستويات اللغة المختلفة بعضها ببعض، «إذ لا يمكن دراسة الصرف دراسة صحيحة إلا بالاعتماد على الوصف الصوتي والإيقاعي»[11].

ومن تم فاستثمار النظرية الصوتية الحديثة في حل شفرة النص، وكشف جمالياته هو أحد أهداف هذه الدراسة، إذ لايمكن فصل اللفظ من حيث هو صوت عن تأثيراته الأخرى التي تتم في الوقت نفسه، «فجميع هذه التأثيرات ممتزجة بحيث لا يمكن فصل أحدها عن الآخر»[12].

وعليه، فدراسة المستوى الصوتي للمرددات النسوية أمر طبيعي، ذلك أن لغة المرددات الشفهية من هذا المنظور لا تختلف عن لغة الأدب عامة، إن لم تزد عليها في أهمية الاعتماد على الصوت في الأداء والإيحاء والدلالة.

ويمكن التعرف على البناء الصوتي الإيقاعي للكلمات، من خلال تبيين نوعية المقاطع الصوتية المكونة لها، إذ يعتبر المقطع مرحلة بسيطة ما بين الصوت المفرد والكلمة المركبة من عدة أصوات، فهو «مزيج من صامت وحركة، يتفق مع طريقة اللغة في تأليف بنيتها، ويعتمد على الإيقاع النفسي. فكل ضغطة من الحجاب الحاجز على هواء الرئتين، يمكن أن تنتج إيقاعا يعبر عنه مقطع مؤلف في أقل الأحوال من صامت وحركة (ص+ ح)»[13].

يحظى المقطع بأهمية كبيرة في الكلام، لأن المتكلمين «لا يستطيعون نطق أصوات الفونيمات كاملة بنفسها، أو هم لا يفعلون ذلك إن استطاعوا، وإنما ينطقون الأصوات في شكل تجمعات هي المقاطع»[14]. وإذا رمزنا للصامت بالرمز (ص) وللصائت أو الحركة بالرمز (ح)، فيمكن عرض الأشكال الرئيسية للمقاطع العربية كما يلي:

  1. المقطع القصير، (ص.ح)، ويتألف من صامت وحركة قصيرة، فكلمة كتب «ka/ta/ba»- مكونة من ثلاثة مقاطع قصيرة: ص ح/ ص ح/ ص ح.
  2. المقطع الصوتي المتوسط المفتوح، (ص.ح.ح)، ويتألف من صامت وحركة طويلة، مثل “ما” «maa»، التي تتكون من هذا المقطع.
  3. المقطع المتوسط المغلق، (ص ح ص)، ويتألف من صامت ثم حركة قصيرة يتلوهما صامت مثل كلمة “من” «min».
  4. المقطع الطويل المغلق، (ص ح ح ص)، ويتألف من صامت ثم حركة طويلة، يتلوها صامت في مثل “كان” «kaan».
  5. المقطع الطويل المزدوج الإغلاق، (ص ح ص ص)، ويتألف من صامت ثم حركة قصيرة، يتلوهما صامتان في مثل “فضل” «fadl»[15].

وليست كل المقاطع على الدرجة نفسها من الانتشار والشيوع، «فالأنواع الثلاثة الأولى من المقاطع العربية هي الشائعة، وهي التي تكون الكثرة الغالبة في الكلام العربي، أما النوعان الأخيران، أي الرابع والخامس فقليلا الشيوع، ولا يكونان إلا في أواخر الكلمات، وحين الوقف»[16]. هذا فيما يخص الفصحى، أما الدارجة فتكثر فيها المقاطع المغلقة، ذلك لأنها قد تقف على الساكن وليست معربة، عكس الفصحى المعربة والتي لا تبتدئ بالساكن ولا تقف عليه دائما.

وقد عملت على تحليل المقاطع الصوتية التي تتكون منها كلمات المرددات النسوية بمختلف سياقاتها، واخترت نماذج من المرددات النسوية بمنطقة الغرب، لبيان نوعية المقاطع الصوتية وعددها في كل مردد، وعلاقة ذلك بنفسية الناظمة الحافظة المرددة للمتون الشعبية.

تقول المرددة الشعبية:

رْسَلْتْ لَكْ السّْلامْ، وَالسّْلامْ فَالْخامِيَّة، وْالخامِيَّة طايْرَا هاوَ هاوَ، بَدْموعَكْ نَتْغَسَّلْ، وَبْشَعْرَكْ نَتْكَفَّنْ، وفي قَلْبَكْ نَتْدْفَنْ[17]

جاء توزيع المقاطع الصوتية في الجزء الأول من السلام على الشكل التالي:

  • ثلاثة مقاطع قصيرة (ص ح).
  • ثلاثة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).
  • مقطعان طويلان مغلقان (ص ح ح ص).
  • مقطعان طويلان مزدوجا الإغلاق (ص ح ص ص).
  • مقطع متوسط مفتوح (ص ح ح).

ملاحظة: التقى ساكنان في أول الكلام، وذلك راجع إلى كون الدارجة يمكن أن تبدأ بساكن، عكس الفصحى.

  • أربعة مقاطع قصيرة (ص ح).
  • ثلاثة مقاطع متوسطة مفتوحة (ص ح ح).
  • مقطعان متوسطان مغلقان (ص ح ص).
  • مقطع طويل مغلق (ص ح ح ص).

  • خمسة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).
  • مقطع متوسط مفتوح (ص ح ح).

  • ستة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).

  • ستة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).

توزعت المقاطع في هذا السلام «رْسَلْتْ لَكْ السّْلامْ، وَالسّْلامْ فَالْخامِيَّة، وْالخامِيَّة طايْرَا هاوَ هاوَ، بَدْموعَكْ نَتْغَسَّلْ، وَبْشَعْرَكْ نَتْكَفَّنْ، وفي قَلْبَكْ نَتْدْفَنْ»، كما يلي:

وصل عدد المقاطع المتوسطة المغلقة إلى واحد وعشرين مقطعا، وعدد المقاطع القصيرة إلى ثمانية مقاطع، وخمسة متوسطة مفتوحة، وثلاثة مقاطع طويلة مغلقة، ومقطع طويل مزدوج الإغلاق.

لقد زاد عدد المقاطع المتوسطة المغلقة على باقي المقاطع الأخرى، وذلك لتفضيل هذا المقطع في العربية، وكذا لتبين تقطع أنفاس الحبيبة وخوفها من الإفصاح عن حبها بشكل واضح بين جلي، ولعل المقاطع المتوسطة المفتوحة جاءت بمثابة تحد وعزم المحبوبة ومحاولتها كسر قيود المجتمع الغرباوي الذكوري، الذي يمنعها من التعبير عن حبها.

أما المقاطع القصيرة، فقد تأتي لتعكس خفة وسلاسة السلام وشوق الحبيبة، وشدة هيامها بالمحبوب، وتخلل تلك المقاطع، ثلاثة مقاطع طويلة مغلقة وأخريان طويلان مزدوجا الإغلاق، ولعل هذين المقطعين جاءا ليبينا صعوبة كسر تلك القيود، التي تمثل عادات وأعراف الجماعة الصارمة، وبالتالي هزم إصرار المحبوبة وعزيمتها.

وتقول في سلام آخر:

رْسَلْتْ لَكْ السّْلامْ، وَالسّْلامْ فَالطَّاسْ، وَالطَّاسْ عامَرْ قُرْطاسْ، كونْ ماخَفْتْ، نَدِيرْ يَدِّي فَيَدِّيكْ وَنْدُوزْ كَدَّامْ النَّاسْ

  • مقطعان طويلان مزدوجا الإغلاق (ص ح ص ص).
  • مقطع طويل مغلق (ص ح ح ص).
  • مقطع قصير (ص ح).

  • مقطعان متوسطان مغلقان (ص ح ص).
  • مقطعان طويلان مغلقان (ص ح ح ص).
  • مقطع قصير (ص ح).

  • ثلاثة مقاطع طويلة مغلقة (ص ح ص).
  • مقطعان طويلان مغلقان (ص ح ح ص).
  • مقطع متوسط مفتوح (ص ح ح).

  • أربعة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).
  • مقطعان طويلان مغلقان (ص ح ح ص).
  • مقطع قصير (ص ح).
  • مقطع طويل مزدوج الإغلاق (ص ح ص ص).

  • ثلاثة مقاطع طويلة مغلقة (ص ح ح ص).
  • مقطعان متوسطان مغلقان (ص ح ص).

أما هذا السلام «رْسَلْتْ لَكْ السّْلامْ، وَالسّْلامْ فَالطَّاسْ، وَالطَّاسْ عامَرْ قُرْطاسْ، كونْ ماخَفْتْ، نَدِيرْ يَدِّي فَيَدِّيكْ وَنْدُوزْ كَدَّامْ النَّاسْ»، فتوزعت مقاطعه على الشكل التالي:

زاد عدد المقاطع المتوسطة المغلقة في هذا السلام، على باقي المقاطع الأخرى وتبعه المقطع الطويل المزدوج المغلق، والمقطع القصير، فالمقطع المتوسط المفتوح، ثم  المقطع الطويل المزدوج الإغلاق. وما ارتفاع نسبة المقاطع المتوسطة والطويلة المغلقة، وقلة المقاطع المفتوحة، إلا دليل على الحب والخوف في الآن نفسه.

وتقول أيضا:

وَالطَّيَّارَة فَالسَّما، ياللٍّي خَرْجا مَنْ الْمَطَارْ

وَتَنْطْلَبْ الْعالِي، تَّاخُودْ حَقِّي فَالْغَدَّارْ

وَالطَّيَّارَة فَالسَّما، ياللٍّي خَرْجا بْكُّورِي

وَاشْ غَنْكُولْ لِيكْ أَلْعالِي، وْعْلى حالَة عَمْلُولِي؟

وَالطَّيَّارَة فَالسَّما، ياللٍّي خَرْجاتْ الْبارْحْ

وِيلاَ لْكاكُومْ حَبيبِي، كُولُو اللهْ يْسامْحْ[18]

  • سبعة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).
  • سبعة مقاطع متوسطة مفتوحة (ص ح ح).
  • خمسة مقاطع قصيرة (ص ح).
  • ثلاثة مقاطع طويلة مغلقة (ص ح ح ص).

  • إحدى عشر مقطعا متوسطا مفتوحا (ص ح ح).
  • ثمانية مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).
  • أربعة مقاطع قصيرة (ص ح).
  • أربعة مقاطع طويلة مغلقة (ص ح ح ص).

  • عشرة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).
  • عشرة مقاطع متوسطة مفتوحة (ص ح ح ).
  • أربعة مقاطع قصيرة (ص ح).
  • ثلاثة مقاطع طويلة مغلقة (ص ح ح ص).

أما في هذا المردد فقد وصل عدد المقاطع إلى اثنين وثمانين مقطعا توزعت على الشكل التالي:

  • ثلاثون مقطعا مفتوحا (ص ح ح).
  • تسعة وعشرون مقطعا متوسطا مغلقا (ص ح ص).
  • اثنا عشر مقطعا قصيرا (ص ح).
  • عشرة مقاطع طويلة مغلقة (ص ح ح ص).
  • مقطع طويل مزدوج الإغلاق (ص ح ص ص).

كثرت المقاطع المتوسطة المفتوحة في هذا المردد، مشكلة متنفسا تشكو المرأة همها من خلاله للعلي القدير مما كابدته جراء الحب، وعانته بسبب العادات والتقاليد الصارمة في منطقتها.

وتقول أيضا في رثاء أحبابها:

أَرْكودْ ارْكودْ يالِّي قَلْبو هاني

أنا قْلالَتْ صَحْتِي

وَأنْتومَا رَكْدُو وْأنا مَطابتْ عْلِيَّا

يا اللِّي ما عَنْدُو حاجَة بِيَّا[19] 

  • سبعة عشر مقطعا متوسطا مفتوحا (ص ح ح).
  • تسعة مقاطع متوسطة مغلقة (ص ح ص).
  • خمسة مقاطع طويلة مغلقة (ص ح ح ص).
  • ثلاثة مقاطع قصيرة (ص ح).

لا تختلف المقاطع في مقطوعات العديد؛ بيد أن المقاطع المتوسطة المفتوحة طغت على المقاطع الأخرى، لتعبر المرددة الباكية على مدى حزنها وشدته، حيث وفرت لها هذه المقاطع مساحة كبرى، لا يسمح بها مقطع آخر.

لقد تبين أن لكل مردد من المرددات النسوية نظام مقطعي خاص به، ولم يكن هذا النظام نظاما مطردا في النماذج المختارة، إلا أنه جاء في معظمه متفقا مع معانيها، ومنسجما مع أجوائها، إذ يزيد المقطع المتوسط المفتوح والمقطع المتوسط المغلق في النماذج المقطعة ليساهم في مضاعفة وضوح الأصوات، وكذا المقاطع القصيرة على غيرها من المقاطع، لينسجم بإيقاعه القصير والسريع مع مشاعر الحب والفرحة، وكذا الحيرة والقلق لدى المرددة، كما نجد أن لعدد المقاطع الصوتية ونوعيتها علاقة بمشاعر المرددة وأحوالها النفسية. ففي حالة الحب تكثر المقاطع القصيرة والمفتوحة عاكسة خفة وسلاسة في المرددات، وحبا وسعادة على نفسية المرددة الناظمة أو الحافظة، أما في مردد العديد فقد جاءت المقاطع المغلقة لتعكس لنا اضطراب وحزن المرددة. «فإذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع تأثر بالانفعال النفسي وتطلب بحرا قصيرا يتلاءم وسرعة التنفس وازدياد النبضات القلبية»[1]، إلا أننا هنا نقصد المقطع وليس البحر.

بعد إحصاء المقاطع الصوتية في النماذج المنتقاة من المرددات، نستنتج مايلي:

لقد تصدرت المقاطع المتوسطة سواء المغلقة (ص ح ص) أو المفتوحة (ص ح ح) باقي المقاطع، وذلك لأن هذين المقطعين مفضلين في العربية لوضوحهما. وبما أن المرددات النسوية نسجت ونظمت بأسلوب عربي، فطبيعي أن ينسجم ذلك، «مع ما يميل إليه الكلام العربي شعراً ونثراً في إيثار المقطع المتوسط بوجه عام»[2].

أما المقاطع القصيرة (ص ح) فتلتهما في الصدارة، وذلك لخفتها وسلاستها، وكذا لأن المتن المدروس هو عبارة عن مقطوعات شعرية شعبية نظمت في أغراض مختلفة، ترددها المرأة الغرباوية في سياقات متباينة. فكثرة هذه المقاطع تسهل عملية التِّرْداد والتكرار، وتمنحها موسيقى شعرية متميزة، وخفة تشد أذن المستقبل وتجذبها.

وبرزت المقاطع الطويلة المغلقة (ص ح ح ص) في حالة الوقف، وعند اللازمة          – بالأخص-، وأدت هذه المقاطع دوراً واضحاً في تهيئة الآذان للاستماع إلى إيقاع مختلف، وكلام مباين لما سبقه ولما سيتلوه.

أما المقاطع الطويلة المزدوجة الإغلاق (ص ح ص ص)، فمثلت أقل نسبة، ولعل هذا يظهر الخوف والاضطراب من الإفصاح والكلام، وذلك لأن المرأة تمثل المقصي والمهمش في المجتمع الغرباوي، بل وفي المجتمعات العربية كاملة، لكن هذا المهمش «يتواجد في موقع يسمح له باختراق القشور والمظاهر ليصل إلى الجوهري، والجذري»[3].

وعند مقاربة مقاطع النماذج المختارة من المرددات، في ضوء نظام توالي المقاطع. لاحظنا أن هذا التوالي لا يضطرد في كل مقاطع المرددات.

وقد ذكر أنيس إبراهيم اعتبارين يحكمان هذا النظام، ويمكن معهما أن يكون الكلام شعراً موزوناً وهما:

«أولا: يجب ألا يتوالى في الشطر الواحد أكثر من مقطعين قصيرين.

ثانيا: يجب ألا يتوالى في الشطر الواحد أكثر من أربعة مقاطع متوسطة.

واستفاء مثل هذين الشرطين في الكلام العربي، ليس بالأمر العسير أو النادر، بل هو كثير، نراه في توالي المقاطع القرآنية ونراه في نثر بعض الكتاب ممن يعنون بموسيقى العبارات»[4].

وعند عرض قول إبراهيم أنيس على متون المرددات النسوية، نجد أنه وإن كان ينطبق على النماذج المختارة، فإن بعض المقاطع لا تلتزم بهذا النظام وبقيت مع ذلك محتفظة بموسيقاها المتميزة.

خاتمة

بعد مقاربة المقاطع الصوتية للمرددات النسوية، توصلنا إلى أن المقاطع الصوتية المتوسطة سواء المفتوحة أو المغلقة طغت على هذه المتون الشفهية، وذلك لتفضيل هذا المقطع في اللغة العربية، كما وظفت المقاطع القصيرة لخفتها وسهولتها وهي المقاطع نفسها المتداولة في دواوير المنطقة رغم تباعدها الجغرافي، أما المقاطع الطويلة المغلقة أو المزدوجة الإغلاق، فجاءت بمثابة تحدٍ من طرف المرأة لعادات وتقاليد المنطقة الصارمة.

وكشفت الدراسة الصوتية للمرددات النسوية، وجود توازن مقصود في إيقاعها، واحتفاظ الكثير من المقطوعات بموسيقاها الواضحة، رغم مخالفتها لنظام توالي المقاطع العربية الذي يمنح للنصوص موسيقاها.

 

المصادر والمراجع

 الشفهية:

– نساء منطقة الغرب.

بالعربية:

– أصوات اللغة العربية، عبد الغفار حماد، 1996، مكتبة وهبة للطباعة والنشر.

– الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، الطبعة الخامسة، 1979، مكتبة الأنجلو المصرية.

– إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، مصطفى الرافعي، الطبعة التاسعة، 1973، دار الكتاب العربي.

– البلاغة الواضحة، البيان والمعاني والبديع، علي الجازم، مصطفى أمين، دار المعارف.

– البيت المتفرد في النقد العربي القديم، علي الحارثي، الطبعة الأولى، 2001، جامعة أم القرى.

– التمثيل الصوتي للمعاني، دراسة نظرية وتطبيقية في الشعر الجاهلي، يوسف عبد الجليل، 1998، دار الثقافة للطباعة والنشر.

– الخصائص، عثمان بن جني، ج1، الطبعة الرابعة، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

– دراسة الصوت اللغوي، أحمد مختار عمر، الطبعة الأولى، 1997، دار عالم الكتب، القاهرة، مصر.

– صورة الرجل في القصص النسائي، سوسن ناجي، 2006، المجلس الأعلى للثقافة.

– علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته، صلاح فضل، دار شروق.

– فقه اللغة وأسرار العربية، أبي منصور الثعالبي، ضبطه وعلق على حواشيه ياسين الأيوبي، الطبعة الثانية، 2000، المكتبة العصرية، بيروت.

– المستطرف في كل فن مستظرف، بهاء الدين الأبشهي، ج1، الطبعة الأولى، 1997، دار الفكر العربي، بيروت.

– المنهج الصوتي للبنية العربية، رؤية جديدة في الصرف العربي، عبد الصبور شاهين، الطبعة الأولى، 1980، مؤسسة الرسالة للنشر والتوزيع.

– موسيقى الشعر، إبراهيم أنيس، الطبعة الثانية، 1952، مكتبة الأنجلو المصرية.

– النقد الصوتي في تحليل الخطاب الشعري، قاسم البريسم، الطبعة الأولى، 2000، دار الكنوز الأدبية.

 بالفرنسية:

– Cours de linguistique générale, Ferdinand de Saussure, publié par Charles Bally, 2005.

الهوامش:

[1]– إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، الطبعة الثانية، 1952، مكتبة الأنجلو المصرية، ص196.

[2]– نفسه، 171.

[3]– سوسن ناجي، صورة الرجل في القصص النسائي، 2006، المجلس الأعلى للثقافة، ص21.

[4]– إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، ص172.

[1]– أبي منصور الثعالبي، فقه اللغة وأسرار العربية، ضبطه وعلق على حواشيه ياسين الأيوبي، الطبعة الثانية، 2000، المكتبة العصرية، بيروت، ص172.

[2]– بهاء الدين الأبشهي، المستطرف في كل فن مستظرف، ج1، الطبعة الأولى، 1997، دار الفكر العربي، بيروت، ص6.

[3]– علي الجازم، مصطفى أمين، البلاغة الواضحة، البيان والمعاني والبديع، دار المعارف، ص11.

[4]– علي الحارثي، البيت المتفرد في النقد العربي القديم، الطبعة الأولى، 2001، جامعة أم القرى، ص115.

[5]– نفسه، 125.

[6]– Ferdinand de Saussure, Cours de linguistique générale, publié par Charles Bally, 2005, p.87-88.

[7]– عثمان بن جني، الخصائص، ج1، الطبعة الرابعة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص33. .

[8]– قاسم البريسم، النقد الصوتي في تحليل الخطاب الشعري، الطبعة الأولى، 2000، دار الكنوز الأدبية، ص18.

[9]– مصطفى الرافعي، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، الطبعة التاسعة، 1973، دار الكتاب العربي، ص169.

[10]– صلاح فضل، علم الأسلوب، مبادئه وإجراءاته، دار شروق، ص25.

[11]– عبد الغفار حماد، أصوات اللغة العربية، 1996، مكتبة وهبة للطباعة والنشر، ص15.

[12]– يوسف عبد الجليل، التمثيل الصوتي للمعاني، دراسة نظرية وتطبيقية في الشعر الجاهلي، 1998، دار الثقافة للطباعة والنشر، ص60.

[13]– عبد الصبور شاهين، المنهج الصوتي للبنية العربية،رؤية جديدة في الصرف العربي، الطبعة الأولى، 1980، مؤسسة الرسالة للنشر والتوزيع، ص38-40.

[14]– أحمد مختار عمر، دراسة الصوت اللغوي، الطبعة الأولى، 1997، دار عالم الكتب، القاهرة، مصر، ص238.

[15]– عبد الصبور شاهين، المنهج الصوتي للبنية العربية، رؤية جديدة في الصرف العربي، ص38-40.

[16]– إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، الطبعة الخامسة، 1979، مكتبة الأنجلو المصرية، ص164.

[17]– السلامات النسوية هي عبارة عن رسائل غرامية شفهية، مجهولة المؤلفة، مشتقة من “السلام” التحية المرفوقة بالأشواق الجياشة، ومعظمها جاء في ميدان الغراميات.

[18]– الأغنية الاحتفالية: هي قصائد شفهية ملحنة، مجهولة المؤلفة، تنتشر بين النساء معبرة عنهن، مصورة مشاعرهن، بسيطة النغمات، يسيرة الكلمات، ليسهل حفظها وتناقلها بين النساء.

[19]– العديد: يعد نمطا من أنماط البوح والشكوى، من فاجعة الموت وأهوالها، بما فيه من عاطفة صادقة بعيدة عن التكلف في التعابير والصور.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات