728 x 90

نموذج مقاربة منهجية ديداكتيكية لتوظيف الأمثال اللهجية بالمدرسة المغربية، رشيد راشدي

نموذج مقاربة منهجية ديداكتيكية لتوظيف  الأمثال اللهجية بالمدرسة المغربية، رشيد راشدي

 

 

                 

نموذج مقاربة منهجية ديداكتيكية لتوظيف

الأمثال اللهجية بالمدرسة المغربية

رشيد الراشيدي  

 

الملخص

من المعلوم ما للثقافة اللهجية الشفهية بأنواعها وأشكالها المتعددة من أهمية، ومنها المثل اللهجي الذي يأخذ مكانته المتميزة بين باقي الأشكال اللهجية، فهذا النمط وليد الشعب وجزأ لا يتجزأ من موروث الثقافة المُعبِّرة عن مختلف مظاهر الحياة السائدة عند المجتمع بكل تجلياته، فهو مرآة تعكس تفكيره ونظرته  للأشياء بشكل مقتضب موجز، يختلف عن باقي الأشكال في الصياغة والتركيب لذلك تجد أن المثل هو الأكثر تداولا على ألسنة العامة والخاصة، إذ لا يقتصر تداوله على فئة معينة.

كما يعتبر المثل ظاهرة متميزة، كونه انعكاس مباشر لحياة الشعوب وعُصَارَة تجاربهم وحكمة أجدادهم، وهو الصورة الصادقة والخلاصة المركزة لمعاناة الناس وشقائهم وسعادتهم وغضبهم، ويُعتبَر المثل من أرقى فنون القول بلاغة وفصاحة، وأكثرها إيجازا وانتشارا، وأفصحها تمثيلا لهوية المجتمع وثقافته، وأبلغها حديثا وإقناعا وتأثيرا.

ولما كانت الأمثال تكتسي هذه الأهمية أليس من الواجب توظيفها واستثمارها في برامج التربية والتعليم ؟ فَلِمَا يصول ويجول أغلب الباحثين في دراسات وأبحاث متعددة حول أهمية الأمثال اللهحية تعريفا وتأصيلا وتدوينا وجمعا، ويُغَيِّبون النظر في إمكانية استعمال الأمثال في برامج التربية والتعليم؟

لدى  تركز هذه المداخلة على بسط خطة أو مشروع لتدريس هذا النمط بالمدرسة المغربية، وتربية المتعلمين على القيم التي يحملها، والاستفادة من حمولاته وسماته الشكلية والتركيبيية، من خلال بسط تفاصيل الخطة في إضاءتين اثنتين:

الإضاءة الأولى: المثل اللهجي: أهميته وإمكانات الاستفادة منه ممارسة وتطبيقا. وسأتوقف في هذا المحور عن المثل، وإظهار ما يتميز به من خصائص وسمات تجعل منه شكلا منفردا ومتميزا عن غيره من الأشكال اللهجية؛ الأمر الذي يُحتِّم علينا ضرورة استثماره والبحث عن آليات لتوظيفه ديداكتيكيا، بمناهج وبرامج التربية والتكوين.

الإضاءة الثانية: نموذج مقترح ديداكتيكي لتدريس الأمثال اللهجية المغربية بالمستوى الثانوي الإعدادي. وسأقدم في هذا المحور منهجية إقرائية، تعتمد على مجموعة من الخطوات الإجرائية لتدريس المثل اللهجي انطلاقا من أساس نظري متنوع.

Introduction مقدمة /

يروم موضوع هذه المداخلة الإسهام في بلورة مقترح منهجي ديداكتيكي لتدريس الأمثال اللهجية بالمدرسة المغربية، وقد دعاني إلى الاهتمام بهذا الجانب بالإضافة إلى موضوع هذه الندوة “”ديداكتيك اللغات والثقافات بين البحث والممارسة في ظل التغيرات الدولية المعاصرة”  اعتبارات متعددة منها:

1-   تغييب جانب الاستثمار العلمي للأمثال اللهجية، كون أغلب البحوث في هذا المجال لم تتعدى عملية جمع المتن وترتيبه وشرحه، وَتُغَيِّبُ في المقابل الاستثمار العلمي والبيداغوجي.

2-    ضرورة الاستفادة من هذا الإرث لما يتميز به من سمات شكلية وصوتية وصرفية وتركيبية ودلالية وسيميائية.

3-   إمكانية استعمال الأمثال اللهجية وتوظيفها في برامج التربية والتعليم، في سياق الإطار القيمي التربوي الذي تحمله.

4-   البحث والتفكير في مقترحات منهجية لتدريس الأمثال اللهجية.

انطلاقا من هذه الاعتبارات جاء اختيار هذا الموضوع، وسأقتصر فيه على إضاءتين:

–         الإضاءة الأولى: المثل اللهجي: أهميته وإمكانات الاستفادة منه ممارسة وتطبيقا. وسأتوقف في هذا المحور عن المثل، وإظهار ما يتميز به من خصائص وسمات تجعل منه شكلا منفردا ومتميزا عن غيره من الأشكال اللهجية؛ الأمر الذي يُحتِّم علينا ضرورة استثماره والبحث عن آليات لتوظيفه ديداكتيكيا، بمناهج وبرامج التربية والتكوين.

–         الإضاءة الثانية: نموذج مقترح ديداكتيكي لتدريس الأمثال اللهجية المغربية بالمستوى الثانوي الإعدادي. وسأقدم في هذا المحور منهجية إقرائية، تعتمد على مجموعة من الخطوات الإجرائية لتدريس المثل اللهجي انطلاقا من أساس نظري متنوع.

 

–         الإضاءة الأولى: المثل اللهجي: أهميته وإمكانية الاستفادة منه ممارسة وتطبيقا.

لا يخفى ما تعرضت له اللهجات خاصة في البيئة العربية من إهمال كونها لم تُدرس بعد الدرس الكافي، فنتج عن ذلك تجاهل إرث لغوي كبير، مادته الحاضنة كانت هي اللهجة جمعا وتأليفا. وإهمال دراسة اللهجات والتغافل عن هذا الإرث من شأنه أن يؤدي بنا إلى دفع ضريبة ثقافية مؤلمة. ولهذه الخطورة يشير محمد أحمد خاطر بقوله: “إهمال اللهجات الغير الفصحى يُحرمنا من نتاج أدبي وثقافي عريق، من فنون مختلفة، منظومة ومنثورة، عامرة بالصور وضروب من التفنن والابتكار في الاستعمال اللغوي والصياغة الشعرية”[1].

ولقد استُعمل لفظ “لهجة” منذ القِدم وتداوله القدماء في معاجمهم تعريفا وتفسيرا، لكن بتحفظ كبير لأسباب كثيرة أهمها النزعة للعربية الفصحى والوحدة العربية. لذلك “لم تُدرس اللهجات العربية الدرس الكافي، وأُهمِلت في الماضي لِمَا شَاع من احتقار العامية وما يتّصل بها، وخشية أن تُضَار الفصحى بدراسة لهجة ما. وتعددت اللهجات العربية المعاصرة وتنوعت، بحيث تتطلب جهودا متضافرة ومتلاحقة”[2] حتى تُظهِر ما تتميز به من خصائص وظواهر صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية حَرِيُّ بنا دراستها وجمعها.

ومنه يتبين أن دراسة اللهجات أصبح ضرورة علمية، لما تكتسيه من خصائص غاية في الأهمية، ينبغي الوقوف عليها وتناولها بالدراسة والتحليل انطلاقا من نظامها الصوتي والتركيبي والدلالي والمعجمي، واستنادا إلى مقاربة واضحة تحدد فيها أسئلة وإشكالات، وأهداف معينة للدراسة للوصول إلى نتائج محددة.

ومن المعلوم ما لمثل هذه الدراسات من فوائد عديدة كونها تساهم في إثراء لغتنا وأدبنا، وكذا التعرف على مجموعة من الظواهر اللغوية للكشف عن خصوصياتها وتطورها، ولهذه الفوائد  أشار  أنيس فريحة في كتابه “اللهجات وأسلوب دراستها” بقوله: “نحن من الذين يؤمنون أن في العاميات أدبا غنيا ازدرته الأرستقراطية الفكرية، ولكنه أدب منبثق عن روح الشعب و أحاسيسه… وعندنا في الأدب العامي مادة للشعر والقصة والموسيقى وإذا نحن حرصنا على درسه وجمعه وتنقيته فإننا قد نثري أدبنا…ونعتقد أيضا أن في العامية ظواهر لغوية، صرفية ونحوية، ومعجمية، حَرِيَّة بالدرس، وقد يكون في درسها إغناء للغتنا”.[3]

ومن هنا يظهر ما للثقافة اللهجية الشفهية بأنواعها وأشكالها المتعددة من أهمية، ومنها المثل اللهجي الذي يأخذ مكانته المتميزة بين باقي الأشكال اللهجية، فهذا النمط وليد الشعب وجزأ لا يتجزأ من موروث الثقافة المُعبِّرة عن مختلف مظاهر الحياة السائدة عند المجتمع بكل تجلياته، فهو مرآة تعكس تفكيره ونظرته  للأشياء بشكل مقتضب موجز، يختلف عن باقي الأشكال في الصياغة والتركيب لذلك تجد أن المثل هو الأكثر تداولا على ألسنة العامة والخاصة، إذ لا يقتصر تداوله على فئة معينة.

كما يعتبر المثل ظاهرة متميزة، كونه انعكاس مباشر لحياة الشعوب وعُصَارَة تجاربهم وحكمة أجدادهم، وهو الصورة الصادقة والخلاصة المركزة لمعاناة الناس وشقائهم وسعادتهم وغضبهم، ويُعتبَر المثل من أرقى فنون القول بلاغة وفصاحة، وأكثرها إيجازا وانتشارا، وأفصحها تمثيلا لهوية المجتمع وثقافته، وأبلغها حديثا وإقناعا وتأثيرا.

ومعلوم كذلك أن المثل تجربة وخبرة الشعوب وتعبير عن “عقلية العامة… التي لا تستدعي إحاطة بالعلم وشؤونه، ولا تتطلب خيالًا واسعًا، ولا بحثًا عميقًا، إنما تتطلب تجربة محلية في شأن من شؤون الحياة… وهي تدل على حياة العرب الاجتماعية”[4]. لذلك أصبح ظاهرة متميزة وصورة صادقة،

وخلاصة مركزة لتجارب الناس، وإرثا لغويا متواترا من جيل لجيل، يُضرَب في سياق حالة شبيهة بالحالة الأولى التي ضُرِب فيها، وفي نفس هذا السياق يذهب المستشرق زلهايم فيقول: “يتحقق معنى المثل ومفهومه في اعتباره إحدى خبرات الحياة التي تحدث كثيرًا في أجيال متكررة، ممثلة لكل الحالات الأخرى المماثلة”[5].

وعموما تعرف الأمثال بعدة طرق “فيميل المثل لأن يعرف بصفة أكثر عمومية كمقولة يمكن تطبيقها على عدد كبير ومتنوع من السياقات، فالأمثال تغلق المناقشة وتعالج سوء الفهم وتخفي الجهل وتزين قضية خاسرة. وبالرغم من أنه لا يوجد تعريف مرض وشامل، فإنه يتم التعرف على الأمثال بسرعة من قبل المستخدم والمستمعين، ويمكن أن نصفها بأنها أقوال قصيرة ومختصرة تجسد ببراعة حقيقة معترفا بها أو اعتقادا قويا”[6]. وترجع الأمثال إلى ثلاثة مصادر وهي الشعر القديم، والإنشاء العالي، ولغة العامة التي تتسم بالإيجاز الشديد، ويكثر فيها الحذف والإيماء، وتتصف بمتانة السبك وجودة التقسيم”[7].

وما يميز الأمثال ويعطيها ميزة التفرد عن غيرها من أشكال القول هو جمال نسجها وتركيبها، وهذا ما ركز عليه تعريف بن عبد ربه في العقد الفريد حيث يقول: “الأمثال حلي المعاني التي تخيرتها العرب وقدّمتها العجم، ونطق بها من كل زمان وعلى كل لسان، فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة، ولم يسر شيء مسيرها ولا عمّ عمومها حتى قيل أيسر من مثل”[8].

والمتأمل فيما سبق يقف على أن المثل ينفرد بالتقدم عن غيره من الأشكال الأخرى في الانتشار بين الناس لسهولة ألفاظه وإيجازها وجمالها وسجعها، لذلك يرى بن عبد ربه أنه من الصعب تقديم جنس أو شكل أدبي عن الأمثال سواء كان شعرا أو خطابة، وهذا ما يؤكد الأهمية التي يكتسيها المثل وينفرد بها.

وما كان ليكون كذلك لولا مقدار اهتمام الباحثين منذ القِدم بالمثل وتدوينه، حتى لا يضيع مع توالي الأزمنة، فظل مرآة تعكس على الدوام تقاليدهم وعاداتهم وثقافتهم، فهو أدب منبثق من روح الشعب بامتياز، يجري على ألسنة العامة والخاصة فيتسع بذلك ليشمل كل فئات المجتمع، ليعبر عن خلاصة تجربة عامة ومشتركة. ولمَّا كانت الأمثال تتسم بهذه الخصائص فقد عُرفت في جميع العصور وعند جميع الثقافات دون استثناء، لا تخلو منها لغة من اللغات لما تجسده من طابع إنساني متميز.

ولا شك أن للأمثال خصائص وسمات تنفرد بها عن غيرها، وتظهر أهميتها وقوتها، ويمكن إجمالها فيما يلي:

–         يقوم المثل على إسقاط تجربة سابقة على حالة جديدة.

–         المثل يعبر عن المعاني بالتلميح بدل التصريح، وفي ذلك نوع من حسن التخلص وإنكار الذات الفردية وتغليب الذات الجماعية. ومعنى التلميح أي أنه لا يصرح بالمعنى الذي يريده مباشرة، ولا يعبر عنه بالألفاظ المعروفة، وإنما يخفي تلك المعاني المراد التعبير عنها عن طريق الكناية والتلميح، و يعبر عنه بألفاظ أخرى هي ألفاظ المثل دون تصريح واضح.

–         المثل سريع الذيوع، واسع الانتشار، ثابت في التركيب والدلالة يقوم على الإيجاز في اللفظ.

–          الإيجاز: وهو من أبرز سمات وخصائص المثل التي ينفرد بها عن غيره من فنون القول.

–         المثل يقوم  على الإيقاع، وهو من العوامل الأساسية التي جعلته يصمد أمام الزمن.

–         المثل مجهول المؤلف، لأن ذاتيته ذابت في الجماعة ما دام هو خلاصة تجربتها.

–    المثل يمتاز بحسن التشبيه كونه يشبه حالة أولى بحالة ثانية على أنها مطابقة للأصل الذي جرت فيه.

–         تجربة مشتركة تصدر عن الجماعة

–         الاستمرارية عبر الزمان

–         عموم الدلالة ووضوح المعنى

–         التداول في النقاشات الجدالية الخلافية

–         الاتصاف بالترادف أي الاختلاف في اللفظ والاتفاق في المعنى

–  السرعة في التلميح عوض التصريح أي أن المثل يقوم على “تفادي التعبير عن بعض المعاني صراحة. فيكون وسيلة تعبيرية تتوسل بالمداورة البلاغية. وفي ذلك جمع بين جمال الأسلوب، وحسن التخلص”[9]

ومن خلال بسط السمات التي يتميز بها المثل أعلاه يتبين أن قوته يستمدها من هذا التفرد الذي يعطي للأمثال قيمتها في كل زمان. وبذكر تعاقب الأزمنة أشار زلهايم إلى أن الأمثال من حيث تعاقبها الزمني تنقسم  إلى ما يلي:

     أ ـ الأمثال القديمة: وهي أقدم ما نعرفه من الأمثال العربية، وتبدأ بالعصر الجاهلي وتمتد حتى بداية العصر العباسي الأول، وقد دونت بعض الأمثال في نهاية العصر الجاهلي في صحيفة، واهتم شعراء ذلك العصر بها وحشو قصائدهم بالأمثال[10]. عني بجمعها وتفسيرها علماء اللغة. وهذه الأمثال قسمت إلى صنفين؛ صنف كتابي وآخر قولي شفهي يتصف بكونه عامي شعبي.

ب ـ الأمثال المولدة: وهي الأمثال التي دونت منذ القرن الرابع الهجري، وقد قام بجمعها الميداني في كتابه مجمع الأمثال، وأفردها في نهاية كل فصل من فصول كتابه [11]. كما نجد كتابا خاصا بهذا الضرب من الأمثال، لم يسبق إليه في جمع الأمثال المولدة، وهو كتاب “الأمثال المولدة” لأبي بكر الخوارزمي، “وهذه الأمثال نشأت بعد الأمثال الفصحى وذلك أمر طبيعي فهي تعبير الشعب عن ذاته في العصر المتأخر وفي المدن المتحضرة”[12]، “وقد اتسمت هذه الأمثال بأنها تجنح إلى التحليل، أي بسط المعنى والاسترسال في الصياغة مع السهولة في اللفظ، وقد أنتج ذلك الأمثال الحوارية وهي تتألف من سؤال وجواب”[13].

ج ـ الأمثال الحديثة: وهي التي جمعها الأوروبيون في القرن التاسع عشر والقرن العشرين من الأقطار العربية”.[14].

د- الأمثال الشعبية والعامية: وهي الأمثال التي تستعمل باللهجات المحلية.

ولما كانت الأمثال تكتسي هذه الأهمية أليس من الواجب توظيفها واستثمارها في برامج التربية والتعليم ؟ فَلِمَا يتحدّث ويصول ويجول أغلب الباحثين في دراسات وأبحاث متعددة حول أهمية الأمثال اللهحية تعريفا وتأصيلا وتدوينا وجمعا، ويغيبون النظر في إمكانية استعمال الأمثال في برامج التربية والتعليم ببلدنا؟

لدى أرى أنه أصبح اليوم من الضروري البحث عن خطة أو مشروع لتدريس هذا النمط بالمدرسة المغربية وتربية المتعلمين على القيم التي يحملها، والاستفادة من حمولاته وسماته الشكلية والتركيبية

 

والوظيفية والجمالية والثقافية، ثم النظر في المنهجية الملائمة لجمعه وتدريسه، لدى:

–  ما السبيل للخروج بخطة للتعامل مع المثل؟ وأخص هنا الجانب الديداكتيكي المتعلق بتدريسه وتوظيفه انطلاقا من مقاييس تتماشى والفئة المستهدفة؟

–  ما المقترح المنهجي الديداكتيكي الملائم لتدريس هذا المتن بالمدرسة المغربية؟

–         الإضاءة الثانية: نموذج مقترح ديداكتيكي لتدريس الأمثال اللهجية المغربية بالمستوى الثانوي الإعدادي.

أشير في مقدمة هذه الإضاءة إلى أن المقتضيات التنظيمية والتوجيهات التربوية[15] الخاصة بمادة اللغة العربية تحثُّ على تدريس هذه المادة بالثانوي الإعدادي انطلاقا من ثلاثة مكونات، وتركز في الإقراء المنهجي لهذه النصوص على الخصوصيات البنائية التي تقيم الاعتبار للمؤشرات اللسانية، ولوضعيات التلفظ لوسم فعل القراءة بالإجرائية، والفعالية المطلوب توفرهما في كل نشاط بيداغوجي، وفق منظور ديداكتيكي دينامي، وهذه المكونات هي كالتالي:

1-   مكون القراءة: ويضم نصوص متعددة تختلف من حيث النوع، فتكون إما شعرية أو نثرية، تمكن المتعلم من استنفار قدراته العقلية والوجدانية، للاندماج في محيطه، ويسعى هذا المكون إلى إكساب المتعلم مجموعة من القدرات، لتطوير الكفاية القرائية والتفاعل مع النصوص وفهمها وتحليلها وتأويلها وإدراك قيمها ومناقشة مقاصدها.

2-   مكون الدرس الللغوي: ويسعى هذا المكون إلى إكساب المتعلمين مجموعة من القواعد لاستعمال اللغة استعمالا سليما، من خلال تعرُّف ظواهر لغوية من حيث بنيتها الصرفية والتركيبية والصوتية والدلالية.

3-   مكون التعبير والإنشاء: يشكل هذا المكون جزأ هاما من البرنامج إذ يفسح المجال للمتعلم لكي يُبرز قدراته اللغوية والفكرية فيستعمل اللغة في سياقات متعددة، ويظهر من خلال ذلك مكتسباته السابقة التي تَمَهّرَ فيها على تعلم مجموعة من المهارات المتعددة.

وتتوزع هذه المكونات في منهاج اللغة العربية وفق ستة مجالات وهي كالتالي: مجال القيم الإسلامية، مجال القيم الوطنية، المجال الحضاري، المجال الاجتماعي والاقتصادي، المجال السكاني، وأخيرا المجال الفني الثقافي.

وكل مكون من هذه المكونات يخضع إلى منهجية في التدريس، وتقترح الوثيقة الإطار للتوجهات والاختيارات التربوية أن يستند مكون النصوص القرائية إلى خطوات متسلسلة، ينبغي أن تقود المتعلم بالتدريج إلى اكتشاف علاقات النص وإدراك دلالاته ومعانيه، انطلاقا من مجموعة من الخطوات المنهجية التي تنطلق من التمهيد وتنتهي بخطوة الاستثمار، أما مكون الدرس اللغوي، فينطلق في مقاربته الديداكتيكية انطلاقا من منهجية تتلخص في الخطوات التالية: التمهيد، ملاحظة الظاهرة، وصفهاـ تحليلها، استنباط القاعدة الضابطة، تمارين تطبيقية.

أما مكون التعبير والإنشاء فيُدرّس انطلاقا من أربع حصص شهرية، وذلك بتخصيص الحصة الأولى في الأسبوع الأول لأنشطة الاكتساب وينبغي أن يخرج المتعلم من هذه الحصة وقد اكتسب خطوات المهارة كتمثل نظري، في حين تُخصّص الحصة الثانية في الأسبوع الثاني لأنشطة التطبيق، وفيها يُطبّق المتعلم ما اكتسبه في حصة الاكتساب بمساعدة المدرس، أما الحصة الثالثة في الأسبوع الذي يليه، فتخصّص لأنشطة الإنتاج، وفيها يُوَاجه المتعلم الورقة فَيُنتِج تلقائيا ما اكتسبه وطبَّقه في الحصص السابقة، أما الحصة الأخيرة فتسمى بأنشطة التصحيح وتستهدف إنتاجات التلاميذ، وتعديل تعتراتهم. فما محلّ الأمثال اللهجية من هذا البرنامج؟ ما المنهجية المقترحة لتدريس الأمثال؟ في أي مجال ينبغي إدراج الأمثال داخل البرنامج التعليمي للمستوى الثانوي الإعدادي؟ ما الحيز الزمني المقترح تخصيصه لتدريس الأمثال اللهجية؟

هنا نقترح أن يتم إدراج مثل لهجي في كل مجال، وسنوضح ذلك من خلال ما يلي:

–         المجال الأول؛ القيم الإسلامية: يتعرف المتعلم في هذا المجال على مجموعة من القيم الإسلامية السمحة، ويتشبع بها ليعمل بها في علاقته مع ذاته والآخر. والبرامج الخاصة بالمستوى الثانوي الإعدادي تتضمن في هذا المجال، مجموعة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والقصائد الدينية والمقالات الفكرية الإسلامية.

نقترح أن يضاف لها مثل لهجي له علاقة  بالمجال المدروس. كالمثلين اللهجيين التاليين:

إلَى نَزْلَت الاقْدَار، كَتَّعْما الابْصَار    / لِي بْغا يْدْفْع لَبْلَا يْنُوض يَتْوَضا للَصْلَا

–         المجال الثاني؛ القيم الوطنية الإنسانية: ويرمي هذا المجال إكساب المتعلمين القدر الكافي من المبادئ المعززة للقيم الوطنية وأهمها تشبع المتعلم بحب الوطن والاعتزاز به وبثقافة بلده وهويته. وفي هذا المجال نقترح أن يتم إضافة مثل لهجي له ارتباط بالقيم الوطنية والإنسانية. كالمثل التالي: الرّجل هو لِيمُوت علَى بلاَدو ولاّ وْلاَدو

–         المجال الثالث؛ الحضاري: ويضم نصوصا لها ارتباط بالآثار العمرانية والاكتشافات العلمية، والمتاحف، والاختراعات، ويكون الهدف العام منها دفع المتعلمين لتقدير وتثمين الحضارة الإنسانية. ونقترح أن يندرج في هذا المجال مثل لهجي له ارتباط بالحضارة كالمثل التالي:

“لعوين مع النصارى ولا لكلاس خسارة”

–         المجال الرابع؛ الاجتماعي والاقتصادي: ويهدف هذا المجال لتنمية التفاعل الإيجابي للمتعلمين مع المحيط والتعرف على ظواهر وقضايا اجتماعية واقتصادية معاصرة. على أن يلحق هذا المجال بمثل لهجي يتضمن قضية اجتماعية أو اقتصادية. مثل: ” يَا مَشْغُول بْهَمّ النّاس هَمّك راه يْشَيْب الراس”

–         المجال الخامس؛ السكاني: ويرمي إلى تربية المتعلم على التفاعل الإيجابي مع البيئة والمحافظة عليها من كل الأخطار التي يمكن أن تهددها كالاستغلال اللاعقلاني لمواردها، وهنا يتم اختيار مثل لهجي يتناول موضوعا له ارتباط بهذا المجال. مثل: “اللي كينقي غلب اللي كيسقي”

–         المجال السادس؛ الفني الثقافي: ويهذف هذا المجال إلى تربية الذوق الفني الجمالي للمتعلمين، وتهذيب النفس والسمو بها باختيار مثل لهجي مُعبّر عن قيم جمالية وفنية.

ويتم التعامل مع هذه الأمثال اللهجية وفق منهجية نقترح أن تكون كالتالي:

المرحلة الأولى: لحظة ما قبل القراءة وتضم:

1-   التمهيد: أول خطوة إجرائية في بناء الدرس، وهو بمثابة فرش أولي للدرس، يستهدف استحضار المكتسبات السابقة للتلميذ، ويمكن أن نذكر فيه بالدرس الذي سبقه أو نربط المثل متن الدرس بالواقع. والتمهيد يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات التي لها علاقة بالمثل محور الدرس، وهدفه هو تحفيز المتعلمين وإثارة اهتمامهم وتشخيص مكتسباتهم.

2-   أنشطة التأطير: وهي بمثابة وضع سياج للشكل أو النمط المُدرّس، والتأطير يحيل على الإطار وهذا الإطار لابدّ له زوايا أربع وهي كالتالي:

أ‌-  صاحب المثل: مجهول المؤلف إذ يصدر عن الجماعة ولا يعرف بالتحديد قائل المثل.

ب‌-  نوعيته:  مثل لهجي/   – الوظيفة: تمهيير المتعلمين للتمييز بين الأشكال والأجناس الأدبية.

ت‌- مجاله: نحدد المجال الذي يندرج ضمنه. / الوظيفة: كل شكل أو نمط يندرج ضمن مجال معين.

ث‌- مصدره: وهنا يمكن أن نوثق للمصدر الذي أخذ منه المثل خاصة إذا أخذناه من كتاب يضم الأمثال. / الوظيفة: تنمية الحس التوثيقي للمتعلمين.

المرحلة الثانية: لحظة القراءة الاستكشافية: وهي لحظة الاقتراب من المثل والتعرف على ما هو أساسي دون التقيد بالتفاصيل، من خلال المسح البصري للمثل اللهجي، وتضم:

3-   أنشطة الملاحظة: وهي ثالث خطوة إجرائية للبحث عن مدخل للنفاذ للمثل وولوجه من خلال ملاحظة شكله وقصره لصوغ فرضية استنادا عن المعطيات السابقة.

المرحلة الثالثة: لحظة القراءة المنظمة والموجهة وتشمل:

4-   أنشطة الفهم: وتروم هذه الخطوة الإجرائية الإمساك بالبنيات الكبرى للمثل وتحقيق الفهم، وإدراك مؤشرات المعنى دون الغوص في التفاصيل، وينبغي أن تأخذ حيزا زمنيا مهما، انطلاقا من خطوات إجرائية تكون بالترتيب على الشكل التالي:

–         قراءة جهرية من طرف المدرس للمثل بعد كتابته على السبورة.

–         قراءة المتعلمين للمثل بشكل متكرر يراعي خصوصية المثل.

–         الوقوف على الكلمات المفاتيح في المثل وشرحها بشكل تفاعلي يبتعد عن التلقين.

–         تحويل المثل من سياق إلى آخر عبر آليات التلخيص والتكثيف وإعادة التركيب.

–         تفريع وتوسيع المثل إلى أفكار جزئية.

–         استنباط فكرة عامة للمثل المدروس.

5-   أنشطة التحليل: وتقوم هذه الخطوة على تعميق الفهم من خلال تفكيك وتحديد عناصر المثل والعلاقات القائمة بين كلماته، واستخراج ما يميزه من خصائص من خلال الوقوف على ثلاثة مستويات:

–         المستوى المعجمي: ويمكن أن نقف في هذا المستوى على الحقول التي يتضمنها المثل من خلال استنباط مجموعة من الألفاظ والعبارات الدالة على كل حقل، ثم استخلاص العلاقة القائمة بين هذه الحقول.

–         المستوى الفني الجمالي: وهنا نقف على مميزات المثل وخصائصه، كالقصر وحسن التشبيه وجزالة التركيب والسجع والطباق والمقابلة وغيرها من الأبواب البلاغية الفنية، التي تميز هذا الشكل عن غيره من الأشكال.

–         المستوى التداولي: وفي هذه الخطوة نناقش بعض المظاهر التداولية كعناصر الرسالة ومقصدية المثل والقيم والمبادئ الواردة في فيه.

6-   أنشطة التركيب: يقوم المتعلمين في هذا المستوى من القراءة، بتجميع المعطيات التي انتهت إليها القراءة التحليلية سواء على مستوى الشكل أو المضمون، وصياغة هذه المعطيات بشكل مُركّب، يسمح بالكشف عن درجة الارتقاء بالقراءة من المستوى الخطي الانطباعي، إلى درجة القراءة التأويلية المتنوعة التي تتجاوز إعادة بناء النص وتصنيف الأفكار وتركيبها إلى مناقشتها وإبداء الرأي الشخصي فيها.

المرحلة الرابعة: لحظة انفتاح القراءة؛ وهي منظور جديد للتلقي يصبح فيه المتعلم مشاركا في إنتاج الدلالات، وتثمين العلاقة بالمثل المدَرّس، فينتقل المتعلم من مهارة الاكتساب إلى مهارة الإنتاج بشكل عفوي طبيعي منظم، من خلال:

7-   أنشطة الاستثمار: وهذه المرحلة هي امتداد للدرس ووضع المتعلم في وضعيات التعلم الذاتي التي يحاول فيها استثمار ما اكتسبه، بالانفتاح على الواقع من خلال التوسع في متن المثل المدروس أو البحث عن القصة المرتبطة به أو جمع الأمثال اللهجية المشابهة للمثل المدروس وفي ذلك انفتاح عن الخارج وربط المدرسة بمحيطها.

 

 

 

 

 

 

Bibliography / Bibliographie / المراجع

–         أنيس فريحة، “اللهجات وأسلوب دراستها”، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1989م.

–         إبراهيم أنيس، “في اللهجات العربية”، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، مطبعة أبناء وهبه حسان، 2003.

–         محمد أحمد خاطر، في اللهجات العربية، مقدمة للدراسة”، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، 1979.

–         علي عبد الواحد وافي، “اللغة والمجتمع”، مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1983م.

–         محمد محمد يونس علي، “مدخل إلى اللسانيات الاجتماعية”، دار الكتاب الجديد المتحدة، ط1، 2004، ليبيا.

–         أحمد عبد العزيز دراج، “الاتجاهات المعاصرة في تطور دراسة العلوم اللغوية”، مكتبة الرشد 2003، السعودية.

–         عبد الصبور شاهين، “في علم اللغة العام”، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة السادسة، 1993.

–         محمد محمد داود، “العربية وعلم اللغة الحديث”، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القهرة، مصر.

–         أحمد عبد العزيز دراج، “الاتجاهات المعاصرة في تطور دراسة العلوم اللغوية”، مكتبة الرشد 2003، السعودية.

-زلهايم، الأمثال العربية القديمة.

 

– أبو صوفة، الأمثال العربية ومصادرها في التراث.

ـ عابدين، الأمثال في النثر العربي القديم مع مقارنتها بنظائرها.

 

 

 

 

[1] : محمد أحمد خاطر، في اللهجات العربية، مقدمة للدراسة، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، 1979، ص: 9.

[2] : نفسه، ص: 8.

[3] : أنيس فريحة، اللهجات وأسلوب دراستها، دار الجيل، بيروت ط1. 1989، ص/ 113….115، بتصرف.

[4]: فجر الإسلام، ط:12، (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1978م)، 60- 64.

[5]: زلهايم، الأمثال العربية القديمة، مرجع سابق، 27.

[6] : مينيكه شيبر، النساء في أمثال الشعوب، دار الشروق، الطبعة الأولى، القاهرة: 2008، ص: 36.

[7]:  انظر أنيس المقدسي “تطور الأساليب النثرية في الأدب العربي”، ط: 6، (بيروت: دار العلم للملايين، د.ت.)، 87- 93.

[8] : أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، ج 3، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ص3.

[9] – محمد توفيق أبو علي، الأمثال العربية والعصر الجاهلي. ص: 42.

[10] ـ زلهايم، الأمثال العربية القديمة، مرجع سابق، 43-44.

[11] ـ زلهايم، الأمثال العربية القديمة، مرجع سابق،43.

[12] ـ أبو صوفة، الأمثال العربية ومصادرها في التراث، مرجع سابق، 19.

[13] ـ عابدين، الأمثال في النثر العربي القديم مع مقارنتها بنظائرها، مرجع سابق، 181-182.

[14] ـ زلهايم، الأمثال العربية القديمة، مرجع سابق،43.

[15] : انظر البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة اللغة العربية بسلك الثانوي الإعدادي، غشت 2019، مديرية المناهج والحياة المدرسية. وزارة التربية الوطنية.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات