728 x 90

سؤال القيم في المناهج التعليمية  المغربية.د. رجاء لحويدك

سؤال القيم في المناهج التعليمية  المغربية.د. رجاء لحويدك

 

تقديم

عرفت المدرسة المغربية تحولات هامة على جميع المستويات خاصة منظومة القيم، نظرا لأهميتها في تقدم الأمم ونشوء الحضارات ودورِها الرئيس في بناء الشخصية وتحديد السلوك الإنساني.  وتأتي أهمية الحديث عن التربية القيمية في المؤسسات التعليمية انطلاقا من اعتبارات أساسية أكد عليها “المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” في تقريره عن “التربية على القيم”[1] باعتبارها مكونا مهيكلا لبنية وظائف المدرسة، ولا سيما وظيفتها المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية والتربية والتثقيف، والإدماج الاجتماعي والثقافي  للمتعلمين والمتعلمات، وتقوية الروابط الاجتماعية، وتحقيق تماسك المجتمع.

كما تنص مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ولاسيما قسمه الأول المتعلق بالمبادئ الأساسية للمنظومة الجديدة للتربية والتكوين، سواء في ارتباطها بالمرتكزات الثابتة أو الغايات الكبرى أو حقوق وواجبات الأفراد والجماعات، على التربية على القيم باعتبارها أحد المداخل الأساسية للمنهاج الدراسي المغربي وأحد مجالات التجديد التربوي. إذ لا يخفى ما للمناهج من أهمية حيث تعتبر أكثر عناصر المنظومة التعليمية إسهاما في غرس القيم وتعزيزها في نفوس المتعلمين، وفي هذا السياق ظهر خطاب تربوي جديد ينادي بدور المدرسة وأهميتها في تعلم القيم على غرار الإصلاحات التربوية الأخيرة والتي تتمثل في تضمين المناهج التربوية، التربية على القيم حيث تنطلق مرجعيتها عموما في التربية على المبادئ والقيم الإسلامية، والتربية على الحس الوطني، والتربية على المواطنة وحقوق الإنسان…إلخ. حيث عكفت المنظومة التربوية على ترجمتها إلى غايات وأهداف تربوية في المناهج التعليمية المراد تنفيذها.

وتأسيسا على ما سبق نطرح جملة من المحاور التي نروم الإجابة عنها في هذا المقال:

  1. الحقل الدلالي لمفهوم القيم والمنهاج التعليمي
  2. المدرسة ووظيفة التربية على القيم
  3. مكانة القيم في المناهج التعليمية
  4. استشراف آفاق تطوير التربية على القيم في المناهج التعليمية

الحقل الدلالي للمفاهيم

  1. القيم (valeurs)

يعتبر مفهوم القيم من أكثر المفاهيم التي تشكل صعوبة على مستوى التحديد المفاهيمي وحصر الحقل الدلالي وهذا راجع لتعدد المرجعيات النظرية  التي حاولت أن تقارب مفهوم القيم من زاوية نظرها الخاصة كالمرجعية الدينية، الفلسفية، الإجتماعية، النفسية، الإقتصادية والسياسية…. وترجع صعوبة التعريف أيضا إلى تمثلاتنا الفردية لموضوع القيم وهنا نستحضر المرجعية الثقافية والمواقف الفردية التي نستند إليها لتحديد القيم على اعتبار أنها مجموعة من الخبرات والعادات المعاشة والمستمدة من واقع حياتنا المعيش.

بالنسبة للمرجعية الفلسفية للقيم فقد اختلفت آراء الفلاسفة وتضاربت اتجاهاتهم حول مفهوم القيم إذ أن كل تيار فلسفي ينظر للقيم من وجهة نظره الخاصة،  ومن ضمن هذه التيارات نجد الفلسفة المثالية التي اعتبرت أن الإنسان يستمد قيمه المطلقة من السماء وتكون هذه القيم خالدة وغير قابلة للتغيير أو الزوال وهنا نتحدث عن المعنى المعياري المطلق في تحديد مفهوم القيم.

أما الفلسفة الواقعية فقد فسرت القيم تفسيرا نسبيا حيث تحيل القيمة على المنفعة فالقيم عند الواقعيين هي التي تحقق للإنسان سعادة ومنفعة وتكون بمثابة المحفز له على العمل والنجاح لتحقيق الذات.

في حين نجد أن القيم في ضوء الفلسفة البرجماتية أمر نسبي أي أنها ذاتية وليست موضوعية، فقيمة أي شيء تكمن في ما يقدمه من منفعة أو ما يشبع من حاجة ملحة.

أما الفلسفات الطبيعية فقد اعتبرت القيم جزءا لا يتجزأ من الواقع الموضوعي للحياة والخبرة الإنسانية، فالقيم هي من نسج الخبرة الإنسانية أكانت خيرة أو شريرة صحيحة أو خاطئة، قبيحة أو جميلة.

ولنذهب الآن باتجاه المنظور السوسيولوجي حيث ركز على اختلاف القيم باختلاف المجتمعات والثقافات إذ أن كل مجتمع يحدد قيمه ومعاييره الاجتماعية، ويعتبر إميل دوركايم E. Durkheim: القيم هي إحدى آليات الضبط الاجتماعي المستقلة عن ذوات الأفراد الخارجة عن تمثلاتهم الفردية. والقيم هي تلك الغايات المثلى أو الموجهات التي يسترشد بها الأفراد في المجتمع فكرا وسلوكا.[2]

 وعلى خلاف المنظورين الفلسفي والسوسيولوجي نجد الاتجاه السيكلوجي خاصة علم النفس الاجتماعي الذي اعتبر القيم انعكاسا لثقافة مجتمع معين.

2.     المنهاج التعليمي (curriculum)

يعتبر المنهاج الدراسي أحد المكونات الأساسية للعملية التعليمية التعلمية فهو يشير إلى الغايات والأهداف والمرامي التي تسعى  منظومة التربية والتكوين إلى تحقيقها في مجتمع معين. وهو بتعبير آخر خطة عمل محكمة لكيفية سير العملية التعليمية وهنا نتحدث عن تحديد الأهداف التربوية، التقويم التربوي، مواصفات الأستاذ وأيضا المتعلم، المضامين، السياسة التربوية…إلخ

ويعتبر مفهوم المنهاج من المفاهيم الحديثة التي أصبحت متداولة في الحقل التعليمي إذ كان مفهوم البرامج الدراسية هو السائد باعتباره يشير إلى لوائح المواد والمحتويات المعرفية التي تدرس من خلال تحديد جداول زمنية محددة لتلك المواد، لكن تعرض مفهوم البرامج الدراسية لمجموعة من الانتقادات كونه يركز فقط على المادة التعليمية ويعطي أهمية للمحتويات الدراسية في حين يقصي المتعلم ودوره الفعال في العملية التعليمية. لهذا تم استخدام مصطلح المنهاج (curriculum) والذي يعرف بشكل عام “جملة ما تقدمه المدرسة من معارف ومهارات واتجاهات لمساعدة المتعلم على النمو المتوازن والسليم في جوانب شخصيته”[3]

كما يعتبر المنهاج منظومة فرعية من منظومة التعليم تتضمن مجموعة عناصر مرتبطة تبادليا ومتكاملة وظيفيا، وتسير وفق خطة عامة شاملة يتم عن طريقها تزويد الطالب بمجموعة من الفرص التعليمية التعلمية التي من شأنها تحقيق النمو الشامل المتكامل  للمتعلم الذي هو الهدف الأسمى والغاية الأعم للمنظومة التعليمية.[4]

والمنهاج الدراسي يعد في عمقه تعبيرا صريحا أو ضمنيا للسياسة المتبعة من طرف مجتمع ما، فالمجتمع الصناعي مثلا يصوغ منهاجه وفق ما تتطلبه الصناعة من مؤهلات وكفايات، والمجتمع الديموقراطي يلجأ إلى أسلوب الحكامة لصياغة منهاجه التعليمي، وذلك انطلاقا من حاجات القاعدة المجتمعية، أما المجتمع الديكتاتوري فهو على خلاف ذلك ينزل المنهاج من فوق ويفرضه على المتعلمين وفق مصالحة الخاصة.[5]  

يتضح من خلال هذه التعارف أن المناهج الدراسية لم تعد مرادفة لا للبرامج الدراسية، ولا للمقررات الدراسية، ولا للخطة الدراسية، ولا للمواد الدراسية، ولا للمحتويات الدراسية والتي هي بالضرورة جزء منها، بل أصبحت تتناول العملية التعليمية بأبعادها المختلفة فتشمل الأهداف والمحتويات واستراتيجيات التدريس وأساليب تنظيم مختلف النشاطات المدرسية المختلفة والتقويم تماشيا والظروف المتغيرة والإمكانات المتاحة الهادفة إلى اكتمال النمو الشامل لكل متعلم الذي يؤدي إلى تعديل السلوكات ويمكن من التفاعل الإيجابي الفعال مع البيئة والمجتمع[6].

المدرسة ووظيفة التربية على القيم

تعتبر المدرسة من بين أهم المؤسسات التي تضطلع بدور التنشئة الاجتماعية للأفراد باعتبارها مؤسسة رسمية مؤسساتية تستكمل دور الأسرة التربوي على مستوى التنشئة الاجتماعية بمعنى تمرير مجموعة من المهارات والقيم والمعايير الاجتماعية التي تتشكل من خلالها شخصية الفرد ويتم ذلك من خلال تبني مناهج تعليمية تستجيب لهذه الشروط. فدور المدرسة اليوم لم يعد يقتصر فقط على تنمية الجانب المعرفي والفكري للفرد بل أضحى من الضروري تنمية الجانب القيمي والأخلاقي للمتعلم وذلك باعتبار مسألة التربية على القيم تشكل إحدى مرتكزات الحياة الإنسانية في جانبيها الفردي والاجتماعي، كما تشكل مكونا مُهَيكلا لبنية وظائف المدرسة، ولا سيما وظيفتها المتعلقة بالتنشئة الاجتماعية والتربية والتثقيف، والإدماج الاجتماعي والثقافي للمتعلمين والمتعلمات، وتقوية الروابط الاجتماعية، وتحقيق تماسك المجتمع. فإذا كانت وظيفة المدرسة تتمثل في التربية والتعليم فإن عملية التربية هي بالأساس عملية قيمية إذ تسعى إلى توجيه الأفراد والمجتمعات نحو الأفضل، وذلك من خلال تنمية جملة من القيم النفسية والاجتماعية والمعرفية… من أجل استثمارها في واقعهم المعيش باعتبارها قيم ومهارات حياتية يتم على ضوئها تحقيق رفاهية أفراد المجتمع.

وإذا كان المجتمع حسب النظرية الوظيفية يعتبر كنسق وظيفي يستند إلى فكرة الكل الذي يتألف من أجزاء يقوم كل جزء منها بأداء دوره، فالمؤسسة التعليمية لها دور بارز على مستوى هذا النسق باعتبارها  مؤسسة اجتماعية وتربوية صغرى (microsociété) ضمن المجتمع الأكبر، تقوم بتربية المتعلمين تربية شاملة، وتأهيلهم في المجتمع. أي: أن المدرسة – حسب إميل دوركايم- ذات وظيفة سوسيولوجية وتربوية هامة.

والمدرسة هي المؤسسة المتخصصة التي أنشأها المجتمع لتربية وتعليم الأفراد في إطار التكامل مع التربية الأسرية، ويتمثل دورها بالأساس في مراكمة الخبرة البشرية والتراث الثقافي وتبسيطه بشكل يتلاءم والمستوى المعرفي للناشئة. وأداة للحفاظ على الهوية والتراث، ونقله من جيل إلى آخر. علاوة على أنها تهدف إلى توفير بيئة اجتماعية متوازنة: عكس ما هو موجود في البيئة الخارجية من تناقضات واختلالات، والطفل إذا لم تتح له المدرسة وجود بيئة سليمة فالأكيد سيتأثر بالعالم الخارجي.

وهذا ما أكد عليه جون ديوي إذ اعتبر المدرسة مؤسسة اجتماعية تعمل على تبسط الحياة الاجتماعية واختزالها في صورة أولية بسيطة. وعليه فإن للمدرسة مجموعة من الأدوار والوظائف التعليمية والتربوية والديداكتيكية والقيمية.[7]

وبناء على ما سلف يبقى للمدرسة دور جوهري وأساسي على مستوى ترسيخ القيم لدى المتعلم على غرار الإصلاحات التربوية الأخيرة والتي تتمثل في تضمين المناهج التربوية القيم حيث تنطلق مرجعيتها عموما  في التربية على المبادئ والقيم الإسلامية، والتربية على الحس الوطني ومبادئ الثقافة الأخلاقية والتربية على المواطنة والتربية على حقوق الإنسان والديموقراطية، حيث عكفت المنظومة التربوية على ترجمتها إلى غايات وأهداف تربوية في المناهج التعليمية المراد تنفيذها.[8]

مكانة القيم في المناهج التعليمية المغربية

تعتبر مسألة التربية على القيم بمنظومة التربية والتكوين خيارا استراتيجيا لتجديد المدرسة المغربية  للقيام بوظائفها على الوجه المطلوب، ويتضح ذلك من خلال المداخل المحورية التي ينبني عليها المنهاج الدراسي المغربي وهي مدخل القيم، مدخل التربية على الاختيار ثم مدخل الكفايات وحديثنا هنا عن أهم الأسس التي ينبني عليها المنهاج المغربي واكثرها أهمية: وهي مسألة التربية على القيم، حيث أولى الميثاق الوطني للتربية والتكوين أهمية بالغة لاسيما قسمه الأول المتعلق بالمبادئ الأساسية للمنظومة الجديدة للتربية والتكوين ، سواء في ارتباطها بالمرتكزات الثابتة أو الغايات الكبرى أو حقوق وواجبات الأفراد والجماعات، على التربية على القيم، ويمكن الإشارة في هذا المضمار إلى الأسس والمرتكزات التالية :

  • الإهتداء بقيم العقيدة الإسلامية وقيم المواطنة وحقوق الإنسان التي تتوخى تكوين المواطن المتصف بالاستقامة، المتسم بالاعتدال والتسامح، الشغوف بطلب العلم والمعرفة في أرحب آفاقهما، المتعطش للاطلاع والإبداع، المطبوع بروح المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع، المتشبع بالرغبة في المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص والوعي بالواجبات والحقوق؛
  • التفاعل مع مقومات هويته المغربية في تعدديتها وتنوعها، في انسجام وتكامل وانفتاح على معطيات الحضارة الإنسانية وما تزخر به من ثقافة تكرس حقوق الإنسان؛
  • وقوف المربين والمربيات والمجتمع برمته تجاه المتعلمات والمتعلمين عامة، والأطفال خاصة، موقفا قوامه التفهم والإرشاد والمساعدة على التقوية التدريجية لسيروراتهم الفكرية والعملية، وتنشئتهم على الاندماج الاجتماعي، واستيعاب القيم الدينية والوطنية والمجتمعية؛
  • سعي المدرسة المغربية الوطنية الجديدة والمتجددة إلى أن تكون مفعمة بالحياة، بفضل نهج تربوي نشيط، يقطع مع التلقي السلبي، ويعتمد التعلم الذاتي، والحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي.
  • احترام المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل والمرأة والإنسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. وتخصيص برامج وحصص تربوية ملائمة للتعريف بها، والتمرن على ممارستها وتطبيقها واحترامها.
  • تحقيق المساواة بين المواطنات والمواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، وضمان حق التعليم للجميع؛ إناثا وذكورا؛ في البوادي والحواضر، طبقا لما يكفله الدستور.[9]

بالإضافة للميثاق الوطني نجد أيضا الرؤية الاستراتيجية للإصلاح2015 – 2030 ، التي جعلت ضمن غايات المنظومة التربوية ضرورة اعتبار التربية على القيم الديمقراطية والمواطنة الفاعلة وفضائل السلوك المدني، والنهوض بالمساواة ومحاربة كل أشكال التمييز، خيارا استراتيجيا لا محيد عنه.[10]

علاوة على دستور المملكة الذي ينص في الكثير من فصوله على مقتضيات تهم ترسيخ ثوابت الأمة ومنظومتها القيمية.

هذه مجموعة من المكتسبات التي حققتها منظومة التربية والتكوين على مستوى ترسيخ القيم لدى الناشئة لكن الواقع يكشف لنا عن وجود بعض الاختلالات والصعوبات على مستوى تنزيلها على أرض الواقع، وأهم هذه الاختلالات نوردها في النقاط التالية:

  • ظهور السلوكات اللامدنية والعديد من الإنحرافات السلوكية في صفوف الناشئة مثل العنف بشتى ألوانه وأشكاله سواء العنف اللفظي، الجسدي أو النفسي.
  • عدم احترام الفضاء المدرسي المتمثل في تخريب الممتلكات العمومية.
  • تنامي ظاهرة الغش في صفوف المتعلمين واعتباره حقا مشروعا.
  • تبخيس قيم المعرفة والوقت والإتقان …وغيرها من السلوكات التي يكشف عنها واقع الحال.
  • إعطاء أولوية لتنمية الجوانب المعرفية على حساب التربية على القيم وغالبا ما يتم الإشارة إليها في بعض المواد كالفلسفة أو التربية الإسلامية من خلال المحتويات أو النصوص الدراسية.
  • الإكتفاء باستهلاك خطابات جاهزة حول القيم وتنزيلها بشكل عمودي إلى الناشئة دون محاولة التأكد من اختبار فعاليتها ونجاعتها.
  • عدم انسجام الخطاب التربوي حول القيم إذ نجد هناك نوع من التنافر على مستوى تبني مدرس ما لخاطب تربوي دون آخر أو التركيز على قيم معينة دون أخرى، والأكيد أن هذه الضبابية المتمثلة في عدم وضوح وانسجام الخطاب التربوي حول القيم سينعكس على تمثلات المتعلمين حول القيم.
  • تعدد برامج التربية على القيم، مع الافتقار إلى التنسيق وترصيد المكتسبات، ومحدودية الملاءمة المنتظمة لأغلب المضامين والوثائق المرجعية مع المستجدات التشريعية والمؤسساتية والمعرفية الحاصلة في البلاد وفي الصعيد العالمي،

كما كشف تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين  والبحث العلمي في تقريره عن “التربية على القيم” على أربع مفارقات أساسية تمثل تحديات كبرى أمام المدرسة المغربية ودورها في التربية على القيم:

أ. اتساع الهوة بين الخطاب حول القيم والحقوق والواجبات، وبين الممارسة الفعلية لها، بالنظر لاستفحال السلوكات المخلة بالقيم داخل المدرسة وفي محيطها.

ب. تبني مؤسساتي لبرامج متتالية كبرى للتربية على القيم، مقابل ندرة أو شبه غياب التقييمات المنتظمة لهذه البرامج، مما يضعف سيرورات الإصلاح، ويكون سببا في هدر الطاقات والإمكانيات.

ج. رهان قوي على أدوار الفاعلين التربويين مقابل ضعف تكوينهم الأساس والمستمر، في مجال القيم والتربية عليها، وما له من آثار على ممارساتهم التربوية وانخراطهم في إنجاح الإصلاحات ذات الصلة.

د. تأكيد الأدوار الوازنة لمحيط المدرسة في التربية على القيم، مقابل محدودية قدرة المدرسة المغربية على تنمية الشراكات في هذا الشأن.[11]

آفاق تطوير التربية على القيم في المناهج التعليمية:

لا بد في البداية من الإقرار بمسألة التعددية والاختلاف وعدم التوافق حول طبيعة القيم المراد ترسيخها لدى الناشئة، وهنا نطرح التساؤل حول أية قيم للمدرسة المغربية خاصة مع التحولات المجتمعية الراهنة خاصة أمام الثورة التكنلوجية والرقمية العالمية والانفتاح على الآخر وثقافته،  الشيء الذي نتج عنه ضعف الإجماع حول القيم المجتمعية. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة تبني إطار مرجعي موحد ينطلق من المبادئ الأساسية التي نص عليها الدستور المغربي وذلك بهدف تجديد وبناء المنظومة التربوية وإصلاحها ومعالجة إشكالية إدماج التربية على القيم في المنظومة التعليمية المغربية.[12]مع أهمية استحضار هوية المجتمع المغربي بتعدد روافده وبتشبعه بالقيم الدينية السمحة وبانفتاحه على القيم الكونية انفتاحا مرنا وذكيا وعقلانيا، وليس انفتاح استيلاب وارتماء وتماه مطلق.[13]

ومسألة التعددية وعدم التوافق حول أية قيم لأي مدرسة تضعنا أمام خيارين إما أن تستجيب المؤسسة التعليمية للتعددية وذلك من خلال تبني قيم الاختلاف والاختيار وإما خيار اتفاق المجتمع حول طبيعة القيم التي على المدرسة أن تمررها للأجيال، وكلا الخيارين لهما مبادئ ومنطلقات وأيضا بعض الصعوبات على مستوى التنزيل الواقعي، من هنا يتضح لنا صعوبة تحديد القيم المراد التوافق عليها وتنزيلها على مستوى المدرسة. وبناء على ما سلف سنحاول اقتراح بعض الحلول لتجاوز هذه الاختلالات:

  • على مستوى المناهج والبرامج لابد من توضيح الخيارات والمقاربات المتبناة في إدماج التربية على القيم ضمن المنهاج المدرسي العام، وإعداد أطر ودلائل مرجعية، واختيار مصفوفة القيم ذات الأولوية انطلاقاً من المرجعيات الأساسية للمغرب، ولاسيما الدستور، مع إدماج المقاربة القيمية والحقوقية في المناهج والبرامج والوسائط التعليمية، وتعزيز التربية على ثقافة المساواة ومحاربة التمييز، وغيرها، وتشجيع الإبداع والابتكار التربوي، وخاصة تنمية مهارات التواصل والانفتاح عبر الوسائط الإلكترونية، مع التركيز على ترسيخ الهوية المغربية إذ يتضح لنا من خلال الكتب المدرسية خاصة فيما يتعلق بالمعارف والقيم المحلية والوطنية أن الهوية المغربية بروافدها الثقافية والتاريخية والفنية والأدبية غائبة أو مقدمة بشكل يوحي كما وأنها ليست نتاجا لحضارة مغربية أصيلة.[14]
  • عدم تخصيص القيم بمادة دراسية معينة كالفلسفة أو التربية الإسلامية أو إدماجها في شكل مفاهيم ضمن دروس مستقلة داخل البرنامج الدراسي للمادة. وإنما يجب العمل على إدماجها

-باعتبارها سقفا يغطي كافة المواد ويحتضنها- إدماجا أفقيا وعموديا بشكل مترابط ومتكامل، أفقيا انطلاقا من العلاقة بين محتويات كل مادة في مجال القيم، وكذا بين محتويات باقي مواد السنة الدراسية أو السلك الدراسي، وعموديا في بناء القيم في نفس المادة في كل السنوات من الابتدائي إلى الثانوي، مع مراعاة مبدأ التدرج في بناء المفاهيم.[15]

–  تعزيز أدوار الفضاء الإعلامي بالمؤسسات التعليمية، والاستثمار الأمثل للوسائط المعلوماتية والثقافة الرقمية، منذ المراحل الأولى للتعليم، في برامج وأنشطة التربية على القيم، بما يضمن للمتعلمين استعمالها بشكل بناء ومثمر، وتنمية الحس النقدي والأخلاقي والمدني، مع إحداث فضاء رقمي للمؤسسة التربوية أو للمنطقة التربوية، ينهل منه المتعلمون الموارد ذات الصلة بمنظومة القيم المدرسية، ويشاركون النقاش وتبادل الآراء حول المواضيع القيمية المختلفة.

 

خاتمة

إن تجديد منظومة التربية والتكوين يقتضي بالضرورة اعتماد مناهج تعليمية تأخذ بعين الاعتبار التربية على القيم كرافعة أساسية لتنمية البلاد،  كونها تمثل أحد مداخل تكوين وتأهيل الرأسمال البشري وتنميته بشكل مستدام، كما تعتبر الموجه الرئيسي والبوصلة التي توجه الفكر والسلوك الفردي والمجتمعي وبالتالي فأي اختلال يصيب منظومة القيم سينعكس حتما على سلامة الأفراد والمجتمع بشكل عام. وعليه فإن المنظومة التربوية برمتها بما في ذلك الأسرة والمؤسسة التعلمية و… عليها أن تنخرط في تعزيز القيم لدى الناشئة فمسألة التربية على القيم هي مسؤولية مجتمع بأكمله وبجميع مؤسساته.

 

 

 

 

 

 

[1]– انظر تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حول التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي: يناير 2017.

[2] – عبد الله الخياري، المدرسة ورهانات التربية على القيم، مجلة التدريس، كلية علوم التربية، العدد 7، يونيو 2015، ص 49

[3] – محمد الدريج . تطوير المناهج الدراسية في المنظومة التعليمية المغربية : المنهاج المندمج نموذجا، مجلة دفاتر للتربية والتكوين،  عدد مزدوج 6/7، المجلس الاعلى للتعليم، 2012، ص 54

[4] – محمد السيد علي (2011) اتجاهات وتطبيقات حديثة في المناهج وطرق التدريس، ط1، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الأردن. ص 20.

[5] – عبد الكريم غريب، (2005)، مستجدات التربية والتكوين، عالم التربية، منشورات عالم التربية، الرباط، ص 382

[6] – محمد برو، دليلة موني، المناهج التعليمية بين التطورات وتحديات المستقبل، مجلة الممارسات اللغوية، عدد 6،. جامعة مولود معمرية، ص 53

[7] -Dewey, Johne (2011), Démocratie et éducation. Suivi d’Expérience et éducation, Paris, Armand Colin.

[8] – عبد الكريم غريب (2005)، مستجدات التربية والتكوين، عالم التربية، الرباط، ص 384

[9] – الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي (2014)، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي. المغرب، ص 16

[10] – الرؤية الإستراتيجية للإصلاح التربوي يكمن جوهرها في إرساء مدرسة جديدة قوامها الإنصاف وتكافؤ الفرص، الجودة للجميع والارتقاء بالفرد والمجتمع.

[11] – انظر تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حول التربية على القيم بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي: يناير 2017. ص 9

[12] – عبد الله الخياري، المدرسة ورهانات التربية على القيم، مجلة التدريس، كلية علوم التربية، العدد 7، يونيو 2015، ص  57

[13] – خالد أوعبو  https://www.hespress.com/opinions/385975.html

[14]  -عبد السلام خلفي، المعارف والقيم في المناهج الدراسية قراءة نقدية استشرافية، مجلة دفاتر، عدد مزدوج 4/5، أكتوبر 2012، ص 60

[15] – خالد أوعبو  https://www.hespress.com/opinions/385975.html

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات