728 x 90

طقس استجلاب المطر بزاوية الشيخ “تاغنجا” الصافي عبد الرزاق

طقس استجلاب المطر  بزاوية الشيخ “تاغنجا” الصافي عبد الرزاق

طقس استجلاب المطر بزاوية الشيخ
“تاغنجا”
الصافي عبد الرزاق
بسم الله الرحمن الرحيم
*قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين*
سورة الملك، الآية 30.
• تقديم اشكالي:
تعتبر الأنشطة الاقتصادية المهيمنة بمجال زاوية الشيخ عموما هي الزراعة وتربية الماشية، خاصة أن فلاح المنطقة لازال الى يومنا هذا يعتمد على مياه التساقطات المطرية الى جانب مياه العيون الكثيرة النابعة بالمنطقة ومياه نهر ام الربيع الذي يخترق المجال، لكن يتم الاعتماد على التساقطات المطرية خاصة في الزراعات الموسمية مثل الحبوب، لذلك شكل الماء عنصر الحياة بالنسبة الى السكان، فقد كانت أقدم الحضارات تتأسس حول منابع المياه، لأنه أساس نموها واساس رواجها التجاري من خلال رعي المواشي وتسمينها وعرضها للبيع في الأسواق، فقد شكلت المياه “دائما ثروة طبيعية وعنصر جذب للسكان، وفي حالة ندرتها نجدها تفرض على الإنسان اختيار نوع أنشطته ونمط عيشه وتوجه أيضا نظامه الاجتماعي” .
تشكل عادة “تاغنجا” عادة مهمة لدى ساكنة البادية لما يحتله الماء من أهمية كبيرة لدى السكان، يقام بعد انحباس المطر الذي يشكل أساس “الزراعة وتربية الماشية، سيما وأن فلاح المنطقة يعتمد فقط على مياه الأمطار، وكثيرة هي الحالات التي تضن فيها السماء بالغيث، مما يؤدي إلى تضرر المزروعات، (وهو) ما يدفع الساكنة إلى القيام بمجموعة من الطقوس ظنا منهم أنها سوف تجلب لهم المطر، وبالتالي عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي” .
انطلاقا مما سبق يمكننا القول على لسان عبد الإله الغزاوي؛ “تتحكم ثنائية (القحط/ الغيث)، (الجدب/ الخصب) في كثير من محطات ومنعطفات التاريخ المغربي، إذ في الجدب وحبس المطر اختلال اجتماعي وتمرد للقبائل وانتشار للوباء وسيبة في البلاد وهجرة للمواطن، وفي الخصب استقرار أمني وتماسك اجتماعي ورخاء اقتصادي، ونظرا للتحولات المناخية وتعثر ذبذباتها، فإن البلاد عانت من ويلات الجفاف الذي ضرب المغرب في أزمنة تاريخية متباينة فجسد بذلك كارثة طبيعية وتولدت عنها المجاعات والحروب الداخلية وانفراط عقد الأمن” .
انطلاقا مما سبق، يظهر ان الماء شكل أساس الحياة بالنسبة للسكان، فهو شكل نقطة استقرار القبائل، كما شكل سبب الحروب وهجومات القبائل على بعضها البعض، فكانت الحاجة ملحاحة الى القيام بمجموعة من الطقوس الكفيلة بجلب المطر وسقي البهائم والأرض. “ومن ثمة كان التوق الأبدي إلى الماء والتطلع للخصب إحساسا يلازم القبائل منذ أزمنة بعيدة. ويدل اسم “تاغنجا” على دمية بلباس فتاة، وقد شاع استعماله في المغرب الأقصى وأجزاء من المغرب الأوسط. وتاغنجا في الأصل كلمة أمازيغية صرفة، “أغنجا” بصيغة المذكر، تحيل لغة على “المغرفة” أي الملعقة الكبيرة المصنوعة من الخشب. وتصنع دمية “تاغنجا”، وفق معيار محدد من عمود خشبي جاف مستقيم، يقطع إلى جزأين، أحدهما بطول مترين يكون الرأس والجذع والأطراف السفلى، وثانيهما بطول ستين سنتيمترا يشكل الكتفين، يشد إلى القضيب الطويل بواسطة قنب أو خيط، فيصير على شكل صليب، يلف رأسه بقماش أبيض أو يترك على شكله الخشبي، ويلبسونها قفطانا بلون واحد أو متعدد الألوان” .
فتبدأ النساء والأطفال بالتجوال داخل القبيلة مرددين ومرددات باللغة الامازيغية السائدة بالمنطقة؛
 أغنجا يارب نتراك رجا
 اغنجا ياربي وشاخ انزار
 موكيتنين عوتاني ليتنين اتيديت توغ تمرا للتنم
 معنى لتيديت غتانوا ازدمت ازدمت كعاري لتتنم توغت تمارا اونزار
 اغناجا يامرجا اربي وشاخ انزار .
كما ان العديد من سكان المنطقة يرددون كلمات بالعربية الدارجة على النحو التالي؛
• تَاغُنْجَةَ يَامُرْجَةَ يَارْبِ تْعْطِينَا شْتَا.
• تَاغُنْجَا حَلَتْ رَاسْهَا أَرْبِي بَلْغْ رَاسْهَا.
• يَالْبَكْرَةَ بُوُلْ بُوُلْ هَالْعَامْ إِجِينَا سْبُوُلْ.
• هَالْعْزَارَةَ لُوُحُوُا أَلْكَيْفْ هَاذْ أَلْعَامْ إجِينَا أَلْصَيْفْ.
• هَالْعْزَارَةَ قُتْلُوُا أَلخَطْ (إتقان خط الحرث بالمحراث الخشبي) هَا الْعَامْ إجِينَا أَلمَطْ.
• رَاسْبُوُلْ فِي أَلْبَوْبَالَةَ غِيتْيهْ يَامُولانَا.
• رَازْرَعْ فِي أَلْبَوْبَالَةَ غِيتْيهْ يَامُولانَا.
• زْرَعْ غَطَى طَوْبُوُا غِيتِيهْ أَيَا مَنْ خَلْقُوُا.
• زرعي صفر وركوا غيثيه يا من خلقوا.
• تاغنجا يا ام الرجا يارب تعطينا شتا .
“إن الطقوس الموجهة لاستجلاب المطر بالمغارب كانت في الأصل –حسب دوتي- طقوسا شفوية، ثم تحولت إلى ابتهالات ودعوات مع دخول الإسلام. ولذلك نجد فيها -*من منظوره- ذلك الامتزاج المتشابك بين الطابع السحري التعاطفي والطابع الديني الإسلامي، الذي استطاع، مع مرور الزمن، تعطيل هذه الطقوس والتقليل من آثارها، لكنها ظلت مع ذلك موجودة. ونلتمس استمراريتها تحديدا في الأرياف والبوادي أو حتى في بعض المدن ذات الطابع القروي، والتي تتكون غالبية ساكنتها من وافدين قرويين حافظوا على عاداتهم وجزء من ثقافتهم الأصلية” .
تردد هاته الأهازيج بشكل كبير، وأثناء ذلك يقدم السكان لهم رجالا ونساء بعض المال، السكر، الدقيق، كما يعملون على رشهم بالماء رغبة في نزول الماء من السماء، أو يقومون بسكب الماء على رأس “تاغنجا”، وهكذا يظل القائمون على هذا الطقس طوال اليوم يجوبون الدواوير جلبا لأكبر عدد من الأعطيات، وبعدها يتم تجهيز وجبة غذاء في أحد الاضرحة المتواجدة بالمنطقة باعتبارها أماكن مقدسة تجلب الخير والبركة بالنسبة لهم.
خلاصة القول، يعتبر طقس “تاغنجا” من الطقوس الهامة والاساسية في حياة الانسان الغماري لما ترمز اليه من تفاءل بنزول المطر عبر ممارسة هذا الطقس وعبر ترديد هاته الاشعار التعبدية التي يتوسلون بها الى الله سبحانه وتعالى نزول المطر.
رغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع في الآونة الأخيرة فإن الساكنة لا زالت تحافظ على هاته العادات التي تعتبرها أساسية ولا ينبغي التفريط فيها، لأن الماء يكتسي “أهمية بالغة في جميع مجالات الحياة. والظاهر أن التعامل مع الماء يزداد حدة عندما يتعلق الأمر بالمجالات الجافة والشبه الجافة؛ بحيث يرقى الماء لمستوى القداسة، ذلك أنه مع نذرته يلجأ الإنسان إلى بعض الطقوس ظنا منه أنها تجلب الماء. أما في حالة وفرته تغلب على الإنسان مظاهر الفرح والابتهاج” .
• خاتمة:
تشكل عادات منطقة زاوية الشيخ بما تحمله من أهمية مجالا خصبا ينبغي العناية به ودراسته لأنه يختزن ذاكرة مجالات لعبت أدوار الساكنة في مختلف المجالات، ساكنة عاشت وتعايشت مع المجال رغم كل الظروف التي تميزه سواء كانت ظروف الماء والخصب او ظروف الجفاف والكحط. فطقوس استجلاب المطر بمجال اجلموس تزاوج بين العربية والامازيغية على اعتبار الاختلاط الاثني المتواجد بالمنطقة فالساكنة منها العربي والمستعرب، والامازيغي والمستمزغ مما يجعل المجال متنوع على مستوى ثقافته.
المصادر والمراجع:
• الحسن المحداد، الماء والإنسان بحوض سوس إسهام في دراسة نظام مائي مغربي، تقديم الأستاذ حسن بنحليمة، سلسلة أبحاث وأطروحات، نشر مركز ابن تومرت للدراسات والنشر والتوثيق أكادير، جامعة ابن زهر كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير 2003.
• التراث الثقافي اللامادي بالشاوية، الملتقى الثالث حول تراث وأعلام الشاوية جماعة بني خلوق- دائرة البروج إقليم السطات، إشراف وتحرير: شعيب حليفي ورياض فخري وخالد سرتي، نشر جامعة الحسن الأول بسطات، الطبعة الأولى 2019.
• عبد الإله لغزاوي، منوغرافية المقدس بمدينة مكناس مقاربة لظاهرة الأولياء في تجلياتها الثقافية والأدبية ودراسة آليات اشتغال الكتابة، الجزء الأول، دار ابي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1431هـــ/2010م.
• الفريد بل، بعض طقوس الاستمطار إبان الجفاف لدى المغاربيين، مقدمة وترجمة: ذ. سمير أيت أومغار، تقديم: د. خالد طحطح، سلسلة ضفاف، العدد 20، شتنبر 2016، مطبعة بني ازناسن سلا- المغرب.
– الرواية الشفهية:
• فاطنة الجوراني، يوم 22/06/2022، على الساعة؛ 17:12.
• امحدوك حليمة، عيشة امحدوك، يوم 21/06/2022، على الساعة 09:30.

1 تعليق

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

آخر المقالات