728 x 90

سلم التنقيط في المراقبة المستمرة و الامتحان الجهوي: دراسة نقدية، د عبدالله شكربة

سلم التنقيط في المراقبة المستمرة و الامتحان الجهوي: دراسة نقدية، د عبدالله شكربة

سلم التنقيط في المراقبة المستمرة و الامتحان الجهوي: دراسة نقدية

د عبدالله شكربة

 

في هذا المقال البسيط ستنطرق إلى موضوع أساسي له تأثير ايجابي أو سلبي على مردودية المتعلم، ذلك أن بناء الحافزية التعليمية تعتمد عليه أساسا في تعليمنا المغربي، هذا الموضوع هو معايير التقييم المعتمدة  سواء في المراقبة المستمرة الخاصة بمادة اللغة العربية في الباكلوريا، أو معايير التقييم المعتمدة في الامتحان الجهوي الخاص بالشعب الأدبية.

ولذلك فإننا سنركز أساسا على مناقشة نموذج مراقبة مستمرة ومساءلة المعايير التنقيطية بغية تجوديها وتقويمها تقويما دقيقا وموضوعيا، ثم ننتقل الى المعايير التقويمية في الامتحان الجهوي الخاص بالشعب الأدبية ومناقشته.

أولا: معايير التنقيط في المراقبة المستمر ة

حديثنا هنا متركز حول المراقبة المستمرة الخاصة بمادة اللغة العربية، وسنعرض العناصر التقييمية في المراقبة المستمرة لمادة اللغة العربية ثم نناقشها.

تنطلق المراقبة المستمرة الخاصة بمادة اللغة العربية من أربع ركائز أساسية هي:

  • التأطير والملاحظة،
  • الفهم،
  • التحليل،
  • التركيب،

ويتوزع سلم التنقيط في هذه العناصر وفق ما يلي:

الجدول رقم 1 : ركائز المراقبة المستمرة مع سلم التنقيط

الركيزة سلم التنقيط
التأطير والملاحظة
الفهم
التحليل
التركيب

 

ملاحظتا في هذا التقويم حول ركيزة الفهم الذي خصه المقرر بنقطتين فقط، مع العلم أن عملية الفهم مهمة وأساسية لاعتبارات مختلفة؛ ففهم النص فهما صحيحا معناه الإجابة الصحيحة عن باقي الركائز الأخرى ( التحليل والتركيب) ومن جهة ثانية المتعلم يبذل مجهودا كبيرا لفهم النص، كما أنه زمنيا يخصص المقرر الدراسي ساعة تقريبا للفهم[1]، بينما التحليل والتركيب تخصص لهما الساعة الثانية من درس النصوص. من هذا المنطلق نرى أن ركيزة الفهم تحتاج أكثر من نقطتين في التقويم.

وبالتفصيل في هذه الركائز نجدها تتوزع وفق ما يلي:

الجدول رقم: 2 : العناصر التفصيلية للمراقبة المستمرة

العنصر سلم التنقيط
التأطير والملاحظة
الفهم
الحقول الدلالية
الصورة الشعرية
الإيقاع الموسيقي
الأساليب
التركيب 4

 

  • الملاحظة الواضحة في هذه المعايير هي أنها تركز أساسا على عنصر التركيب والحقول الدلالية.
  • الصورة الشعرية والإيقاع الموسيقي يبذل فيهما المتعلم مجهودا كبيرا لكن مع ذلك لم يقدم لهما المعيار إلا نقطة واحدة لكل عنصر.
  • عنصر التركيب الذي لا يبذل فيه المتعلم مجهودا كبيرا غير تجميع المعلومات واستثمار الفهم والتحليل خصصت له أربع نقط.

في نظرنا هذه المعايير غير منطقية ولا تخضع لقاعدة الجهد مقابل الأجر إن صح التعبير، لذلك نقترح معيارا آخر يستند الى أهمية كل عنصر على حدة في الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه، ومدى الجهد الذي يحتاجه كل عنصر من إعمال للفكر والتحليل، وذلك وفق ما يلي:

الجدول رقم 3 : عناصر المراقبة المستمرة مع سلم التنقيط المقترح

العنصر سلم التنقيط
التأطير والملاحظة
الفهم
الحقول الدلالية
الصورة الشعرية
الايقاع الموسيقي
الأساليب
التركيب 2

 

هناك خمسة عناصر لحقها التغيير في هذا المقترح هي:

الجدول رقم 4 : عناصر المراقبة المستمرة المعدلة

العنصر التقويم الحالي التقويم المقترح
الفهم
الحقول الدلالية
الصورة الشعرية
الايقاع الموسيقي
التركيب

 

  • نقترح من خلال الجدول أعلاه تغيير سلم التنقيط الخاص بالفهم من نقطتين إلى ثلاث نقط اعتبارا لأهمية الفهم الذي يشكل الاختبار الحقيقي والأولي للمتعلم، ولما يترتب عليه من إنجاز لباقي عناصر المراقبة المستمرة الأخرى كالحقول والصورة الشعرية، فمن الصعب جدا أن يجيب المتعلم إجابة شافية دون فهم صحيح للنص وللغلاف الزمني الذي يشغله عنصر الفهم في العملية التعليمية.
  • نعتبر أن عنصر الحقول الدلالية لا يرقى الى مرتبة الصورة الشعرية والإيقاع الموسيقى الذين يشكلان الأعمدة الأساسية للشعر، ذلك أن هذا العنصر صعوبته الأساسية تكمن في تصنيف الحقول المهيمنة في النص؛ وهي عملية متاحة للمتعلم الذي استطاع فهم النص فهما صحيحا، لذلك نقترح تخفيض سلم التنقيط الخاص به من ثلاث نقط إلى نقطتين.
  • الصورة الشعرية هي الركيزة الأساسية التي يتكئ عليها الشعر؛ فقد قال الجاحظ معرفا  الشعر “ضرب من النسج وجنس من التصوير”[2] كما أنها تظل الجوهر الثابت الذي لا يتغير رغم تطور الشعر العربي كما قال جابر عصفور” الجوهر الثابت والدائم في الشعر، فقد تتغير مفاهيم الشعر ونظرياته فتتغير ـ بالتالي ـ مفاهيم الصورة الفنية ونظرياتها، لكن الاهتمام بها يظل قائما ما دام هناك شعراء يبدعون و نقاد يحاولون تحليل ما أبدعوه وإدراكه والحكم عليه”[3].  ومن جهة ثانية فإن ما يبذله المتعلم من جهد في استخراج الصورة وتحليلها وتفكيكها وتأويلها يستحق أكثر ما هو عليه الآن؛ فالمتعلم في تحليل عنصر الصورة الشعرية يطلب منه أولا التعرف عليها واستخراجها ومعرفة عددها  بالقصيدة، أهي كثيرة أم ضعيفة، ثم على أي شكل من أشكالها ركزت ( التشبيه، أم الاستعارة، أم المجاز والكناية) ثم هل يقوم الشاعر بالأنسنة أو التشخيص أو التجريد، بعد ذلك يطلب منه الحديث عن وظيفتها؛ أهي وظيفة تعبيرية انسجاما مع المدارس الشعرية كسؤال الذات وتكسير البنية وتجديد الرؤيا، أم وظيفة جمالية تزين القصيدة وتضفي عليها طابع الجمال والامتاع، كما يطلب منه أن يستثمر ما درسه في مادة علوم اللغة بخصوص الصورة الشعرية من أنواع ووظائف[4].

إن هذا الجهد الكبير يتطلب بالمقابل مكافأة تليق به، ولذلك نقترح تغيير سلم التنقيط من نقطة إلى نقطتين[5].

  • بخصوص الإيقاع فهو لا يقل أهمية عن الصورة الشعرية، بل هو العمود الأول الذي بني عليه الشعر العربي العمودي، وحتى الشعر الحديث لم يتخل عن الموسيقى الشعرية وإنما اختار طريقة سهلة ميسرة للمعنى؛ وقد عٌرف الشعر قديما ب” كلام موزون مقفى”، كما أن المقرر الدراسي المدرسي في المرحلة التعليمية التأهيلية يخصص للدراسة العروضية الموسيقية حيزا زمنيا مهما سواء في الجذع المشترك الأدبي أو السنة الأولى والثانية باكلوريا. إن هذا التخصيص نابع من قناعة مفادها الأهمية البالغة التي يحظى بها الايقاع الموسيقي في الشعر العربي، وأهمية كهذه حري بها أن تعلى مكانتها التقويمية لا أن تخفض، كما أن المبدأ الذي اخترناه معيار للتقويم” الجهد مقابل الأجر” يعني إعلاء سلم تنقيط الايقاع، ذلك أن المتعلم يبذل جهدا مضنيا لكي يتعرف على نوع البحر الموظف في القصيدة، حيث يحتاج الى ضبط وحفظ بحور الشعر العربي الستة عشر بتغيراتها وزحافها وعللها؛ ولذلك اقترحنا تغيير سلم التنقيط من نقطة الى نقطتين.
  • بخصوص التركيب فإنني لا أنكر القيمة المضافة الذي يقدمه هذا العنصر؛ ذلك أنه يشكل خلاصة تركيبية لمضمون النص التحليلي، ويعطي فرصة للمتعلم لإبداء رأيه، وهو بهذا يعطي للمتعلم فرصة ممارسة النقد والحكم على النص والكاتب معا.

إن اقتراح تخفيض سلم التنقيط الخاص بالتركيب من أربع نقط الى نقطتين لا ينقص من قيمة هذا العنصر ومكانته في هرم التحليل، ولكنه في نفس الوقت يعطي فرصة أكبر لعناصر تشكل أعمدة الشعر العربي وركائزه الأساسية.

 

ثانيا: الامتحان الجهوي: دراسة مقارنة

نركز أساسا هنا على الامتحان الجهوي الخاص بالشعب الأدبية، وتركيزنا هذا راجع الى ما نملسه من غياب العدالة التقويمية بينه وبين الشعب العلمية، وما يترتب على هذا المعيار من نقط متدنية في الجهوي الخاصة بالشعب الأدبية والتي تؤثر لا محالة على دراستهم في السنة الثانية باكلوريا وفي مسارهم المهني.

ولكي نفهم حقيقة ما نتحدث عنه نقدم الجدول التالي:

الجدول رقم: 5  مواد الامتحان الجهوي مع المعامل

المادة المعامل
اللغة الفرنسية  4ن
الرياضيات
التربية الاسلامية

 

تخضع الشعب الأدبية الى امتحان جهوي في آخر السنة الأولى باكلوريا، يشكل 25% من معدل السنة الثانية باكلوريا، ولذلك فهو مؤثر تأثيرا بليغا في الحصول على نقطة مرتفعة تؤهلهم الى التباري على المقاعد المحدودة في بعض المدارس والمعاهد التي تشترط  الانتقاء الأولي بناء على درجة الشهادة، أو على الأقل نجاح التلاميذ.

المعاملات المقترحة تعطي أهمية كبيرة للغة الفرنسية التي معاملها يتجاوز معامل مادة التربية الاسلامية والرياضيات، فيكفي المتعلم أن يكون متفوقا في مادة اللغة الفرنسية حتى يحصل على نقطة مريحة في الامتحان الجهوي، وتبقى مادة الرياضيات والتربية الاسلامية تقوما بوظيفة المساعدة لا أقل ولا أكثر، وبالمقابل فإن المتعلم الضعيف في مادة الفرنسية لن يحصل على معدل متوسط في الامتحان الجهوي حتى وإن حصل على نقط مهمة في الرياضيات والتربية والاسلامية. وحتى تتضح الصورة أكثر نقترح النموذج التالي:

التلميذ أ: حصل على 15 في الفرنسية و10 في التربية الاسلامية و5 في الرياضيات.

الجدول رقم 6: يوضح معدل الامتحان الجهوي للتلميذ أ

المادة نقطة الامتحان النقطة مع المعامل
الفرنسية 15 60
التربية الاسلامية 8 16
الرياضيات 5 5

إذن ” 60 + 16+ 5 = 81 مقسومة على 7 = 11,57

 

الجدول رقم 6: يوضح معدل الامتحان الجهوي للتلميذ: ب

المادة نقطة الامتحان النقطة مع المعامل
الفرنسية 4 16
التربية الاسلامية 15 30
الرياضيات 15 15

 

إذن ” 16 + 30+ 15 = 61 مقسومة على 7 = 8,71

اذا قارنا بين التلميذ “أ” والتلميذ “ب” فسنجد فرقا كبيرا في معدل الامتحان الجهوي، اذ حصل التلميذ “أ”  على 11,57 وهو معدل محفز ومهم رغم أن هذا التلميذ ضعيف في التربية الاسلامية وضعيف في الرياضيات، بينما التلميذ “ب” نجده قد حصل فقط على معدل: 8,71 رغم أنه متميز في مادة التربية الاسلامية والرياضيات وضعيف فقط في مادة اللغة الفرنسية.

إن المثال الذي قدمناه يوضح بالملموس تأثير مادة اللغة الفرنسية في الامتحان الجهوي الخاص بالشعب الأدبية، فالتفوق فيها وحدها يكفي للتفوق في الامتحان الجهوي، بينما المواد الأخرى لا يشكل تفوقها فرقا مادام التلميذ ضعيف في مادة اللغة الفرنسية، وهذا امتياز تحظى به اللغة الفرنسية وحدها دون غيرها من اللغات، بل حتى اللغة العربية التي هي اللغة الرسمية والوطنية لا يعطى لها في السنة الثانية من الباكلوريا شعبة العلوم الانسانية إلا ثلاث نقط كمعامل.

  • إن هذا الامتياز ينتج لنا واقعا مزريا، ذلك أن العديد من التلاميذ لا يتقنون هذه اللغة، ولذلك نجد المعدلات الجهوية في الشعب الأدبية ضعيفة جدا بالمقارنة مع الشعب العلمية.
  • هذا الامتياز لا يراعي الاختلاف العلمي بين التلاميذ في الاستيعاب ولا الفروقات الاستيعابية بين التلاميذ الخاصة بالمواد؛ فليس عيبا أن يتقن المتعلم مادة ويضعف في أخرى، بل ينبغي لتعليمنا أن يكتشف ميولات التلاميذ ويدعم تفوقهم من خلال معاملات معقولة بين المواد.
  • هذا الامتياز لا نجده في الشعب العلمية التي تمتحن في أربعة مواد هي:

 

الجدول رقم 7: يوضح معامل الامتحان الجهوي للشعب العلمية

المادة المعامل
اللغة العربية 2
التربية الاسلامية 2
الاجتماعيات 2
اللغة الفرنسية 4

 

إن المقرر الدراسي في الشعب العلمية يتعامل بمرونة مبالغ فيها على الأقل في مادة اللغة العربية التي أدرسها، ولذلك فإن المتعلم “العلمي”  وبقليل من الجهد يحصل على نقطة مهمة في مواد امتحان الجهوي، فحتى لو كان المتعلم ضعيفا في مادة اللغة الفرنسية فبإمكانه التعويض في باقي المواد الأخرى التي لها معامل مساعد، وهذا ما لا نجده في الامتحان الجهوي للشعب الأدبية الذي يظل التفوق حصري في التفوق في اللغة الفرنسية.

بناء على هذه المقارنة التقنية والعلمية فإننا نقترح تعديل معايير سلم التنقيط الخاص بالشعب الأدبية يراعي الاختلاف الطبيعي بين المتعلمين في التعاطي مع المواد،  تعديلا لا احتكار فيه لمادة معينة، وإنما تحقيق الحد الأدنى من الإنصاف بين المواد، وذلك وفق ما يلي:

الجدول رقم 8: يوضح معامل الامتحان الجهوي للشعب الأدبية المقترح

المادة المعامل الحالي المعامل المقترح
اللغة الفرنسية 4 3
التربية الاسلامية 2 3
الرياضيات 1 2

 

 

 

 

 

[1]  يخصص التقسيم الزمني ساعتين للنصوص؛ الساعة الأولى للتأطير والملاحظة، والفهم الذي يشكل جل الحصة.

[2]  الجاحظ، الحيوان، 3/131.

[3]  جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي  والبلاغي عند العرب، ص: 5

للمزيد ينظر بحثنا  “الصورة الشعرية في شعر آيت الحاج ايت ورهام ديوان الخروج من ليل الجسد نموذجا” بحث الماستر بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالقنيطرة 2010

[4] يقدم الكتاب المدرسي ثلاثة أنواع من الصورة الشعرية هي: الصورة الكلية، الصورة المفردة، الصورة المركبة، وتقوم الصورة الشعرية بثلاث وظائف هي: وظيفة التأثير، وظيفة الخيال، ووظيفة نفسية.

[5]  أحيانا تكتفي المراقبة المستمرة بالصورة والإيقاع فقط، فيتغير سلم التنقيط الى نقطة ونصف لكل عنصر.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات