728 x 90

أسئلة الوعي في الرواية الغرباوية: رواية وجع المنازل لجمال الدين حريفي نموذجا” أيوب وحماني

أسئلة الوعي في الرواية الغرباوية: رواية وجع المنازل لجمال الدين حريفي نموذجا”   أيوب وحماني

“أسئلة الوعي في الرواية الغرباوية:  رواية وجع المنازل لجمال الدين حريفي نموذجا”

أيوب وحماني: باحث بسلك الدكتوراه  تكوين اللغة والمجتمع

تحت اشراف دة فاطمة كدو ,كلية اللغات والآداب الفنون جامعة ابن طفيل القنيطرة

1.     تقديم

تسعى هذه المداخلة إلى تسليط الضوء على قضية الوعي في الرواية الغرباوية، باعتبار هذه القضية من صلب الرهانات التي تتغيى الأشكال السردية تحقيقها. ذلك أن الكتابة في أصلها لا تنتج إلا عن ذات واعية. ولهذا هناك ترابط جدلي بين الكتابة والوعي، إذ يقتضي كل واحد منهما الآخر؛ فالكتابة “ممارسة عمياء قاصرة عن إدراك حقيقة ذاتها وأبعادها الوظيفية المختلفة”،[1] بينما الوعي “تفكير أخرس عاجز عن التواصل مع الآخرين وربط الصلة بهم”.[2]

والكتابة السردية بتنوعها وثرائها منخرطة ضمن مشروع نشر الوعي بين الأفراد، ولذلك نجد من المبدعين من يجعل مشروعه السردي خادما للفكرة التي يؤمن بها،[3] بل إن من بين الاتجاهات الروائية ينتصب الاتجاه المعروف ب: “الرواية الأطروحة” الذي يمزج الفكر بالفن داخل هذا الجنس السردي. وهو ما يدل على مدى ارتباط الإبداع بقضية الوعي.

والرواية التي بين يدي هذه الورقة ليست استثناء من هذا الانخراط، فبالرغم من إمكانية تناولها من عدة زوايا، إلا أن الخيط الناظم بين محكياتها هو الوعي. فرواية “وجع المنازل” للكاتب  جمال الدين الحريفي ثرية معرفيا، متنوعة سرديا، متعددة فضاء، فيها نفَس من الرحلة، بما هي ارتحال مستمر بين الأمكنة، ولهذا يعبر السارد عن المنازل التي نزلها ب: “المرافئ والمراسي” وهما من قرائن السفر ولوازمه، بل إنه عبر عن ذلك صراحة في قوله: “لعل شيئا من أسلافك الرحل يسكن فيك. فلا سكن لك غير بدنك، هو نزلك وواحتك ودارك وخيمتك ومنزلك.”[4]

وإلى جانب هذا النَّفَس الرحلي، يتخذ البعد السيري في الرواية حضورا مركزيا، إلى درجة أنها سيرة متشحة بجنس الرواية، بما هي سرد لسيرة بطلها، جعلت القارئ بذلك يعاينه من علٍ وهو يتقدم، على مهل، في مضمار الحياة متعلما مشاكسا مدافعا متدافعا، واقفا أحيانا ساقطا أخرى يسير نحو ما ارتضاه لنفسه وبنفسه.

وتبعا لذلك فالرواية حوارية سواء من حيث المعارف التاريخية والجغرافية والإثنوغرافية التي تقدمها حول منطقة الغرب، وتحديدا سوق ثلاثاء الغرب وسوق أربعاء الغرب، أو من حيث امتصاصها لجوهري جنسي الرحلة والسيرة الذاتية، واستثمارهما في البناء النصي للرواية، والتي يشكل فيها هذا التداخل والتهجين معيارا من معايير استجادتها.[5]

2.     رحلة الوعي في الرواية

وبالرغم من كل هذا الثراء التي تتسم به رواية جمال الدين حريفي، إلا أن مركزية موضوع الوعي فيها لا تخطئها عين القارئ. فهو، كما أشير سلفا، الخيط الناظم بين المحكيات السردية، بل إنه لا مبالغة إن قلنا بأن الرواية هي سرد قصة وعي منذ مرحلة تَخَلقه إلى بلوغه مرحلة النضج. ولهذا اختارت هذه الورقة تناول الرواية انطلاقا من سؤال الوعي عساها، من جهة، تقبض على عناصر تشكلاته ومعرفة أدواره في تطوير المجتمع والرقي به من حضيض التخلف والنمطية والاتباعية إلى حالق التطور والاستثنائية والابتداعية. وعلَّها من جهة أخرى ترصد ما يحول دون تحققه.

كل هذا سنحاول الاقتراب منه عبر النظر في حياة بطل الرواية أساسا وفي باقي الشخصيات الأخرى، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار قروية فضاء الحكي وما يرتبط به من صعوبات موضوعية تقف أمام قاطرة الوعي.

3.     الوعي وسياقات التشكل

1.3- الوعي الموروث

لعب الأب دورا مهما في صيرورة ابنه البطل على ما هو عليه من الوعي. فمن خلال استقراء سياقات تشكله في هذه الشخصية نجد أن الأب على رأس العوامل. وقد نقل السارد ما يعكس تحقق الوعي عنده، قبل أن يحكي ما بذله من الجهود في سبيل وضع أبنائه على الجادة الحقة.  “في هذا الوسط نبت كعوسجة. وكان عليك أن تكبر بين إخوتك غير الأشقاء وزوجات الأب وأن تتميز. ولاد الرحمانية. أنت وشقيقاك. كان عليك أن تناضل لكي تصنع لك مكانا تحت الشمس لا يمكن أن يتبرع به عليك أحد.”[6]

لذلك فالبطل عاش مع والد ذي هدف ورؤية واضحين، صحيح أنه أمي لكنه واع بدوره في صناعة جيل جديد، ولهذا ركز على مسألة التعليم باعتبارها “المحور الأساس لبناء وعي قادرٍ على امتلاك أدواتِ النقد والبحث والإبداع.”[7]  “الغريب وأنت غير المتعلم أن تتنازل عن ثلث ممتلكاتك لأخيك غير الشقيق لكي يتكفل بتعليم اثنين من أبنائك، هناك حيث رحلت به الوظيفة بين الرباط ومكناس والدار البيضاء. وإلى هناك حيث شددت الرحال وربطت الرحل سنوات تؤازر وتناصر وتشد من عضد الولدين حتى لا يفرطا في التحصيل.”[8]

إن جهود الأب وتضحيته في سبيل تعليم أبنائه أثارت الابن وهو على فراش المرض بعد تجربة التعذيب المريرة، يسترجع كفاح الرجل مستحضرا جسامة العوائق، وأولها العالم القروي والعادات الشعبية في تربية الأبناء، كل ذلك لم يمنعه في نيل ستة من أبنائه لحظهم في التعليم بنين وبنات، وفي إرسال أحدهم إلى مؤسسات البعثة الفرنسية، لذلك كان يصفه بالغريب، أي الاستثناء من الأصل. وقد حفر هذا الكفاح أخاديد في ذهن البطل الذي وعى بفضل والده عليه حينما قال السارد عنه: “وإذا كان من فضل لأحد عليه، فالفضل الأول لما هو عليه يرجع إلى والده رحمة الله عليه”.[9]

2.3- السياق التاريخي

إن التنشئة التي نشأ عليها البطل أهلته منذ بداية طفولته إلى التقاط بعض المفارقات وعقد المقارنات، وقد أذكى ذلك السياق التاريخي الذي عاش تحت ظله وهو مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث مازال بعض الأجانب محتفظين بعملهم داخل المغرب قبل المغادرة النهائية، فالبطل عاصر هذه المرحلة وهو صبي وما أعقبها بعد أن التحق بالمدرسة. وبدهي أن يعقد المقارنات خاصة وأنه يجد نفسه “في مواجهة مواقف تستدعي مبادرته إلى المقارنة بين ما يراه أمامه، وبين ما يستحضره في ذهنه ووجدانه”.[10] يتحدث السارد مثلا عن الفرق بين تدبير مرفق الداخلية على عهدي الاستعمار والاستقلال، بعد أن  تبدى حجم الفروق بينهما. “أما المرقد الخامس والذي يوجد بالملحقة، فكان يشبه حظيرة للمتلاشيات، حيث تتراكم الطاولات غير المستعملة والأسرة الصدئة، وأفرشة التلاميذ وخزاناتهم جنبا إلى جنب. كان الفرق شاسعا بين اهتمام “المستعمر” رغم لؤمه وجرمه في حق شعبنا، بالتفاصيل الدقيقة لحياة الطلاب، وبين ما صارت إليه الأمور فيما بعد من إهمال واستهتار بحاجيات الفرد وكرامة الإنسان وبالمحيط وبالبيئة.”[11]

وفي موضع آخر كانت المشاهد التي يراها البطل وهو آنئذ طفل تخزن في ذاكرته، حيث شكَّل تراكمها المطرد مادة خصبة للتأمل وطرح الإشكاليات أثناء تمظهرات الوعي. “كان العقل الفتي للطفل ثم للمراهق الذي كنته، يلتقط مفارقات الواقع في هدوء وصمت، وكان حتى وهو منشغل عنها بما ينشغل به الفتيان في مثل سنه، يستعد في لاوعيه للبحث لتلك المفارقات الغامضة عن أجوبة في كتابات المفكرين والعلماء والمجتهدين، ولم يكن أحد بقادر على إيقافه أو حجزه أو تفويت فرصة التعلم والمعرفة عليه، كان يعيش حياتين محايثتين الواحدة منهما للأخرى، حياة تعيش في أحشاء حياة أخرى، وتكبر وتنمو في صمت وهدوء. كان الطفل يستعد ليصبح للرجل الذي سيصيره الفتى بعد هذه الفترة بعقدين من الزمن أو أكثر.”[12]

في هذا السياق نشأ البطل، حيث كان زمنه عاملا مهما من عوامل تشكل الوعي، باعتبار أن الإنسان كائن يستجيب لمحيطه، بما في استطاعته أن “يحول المعضلات التي يطرحها عليه واقعه إلى أسئلة ويجيب عنها.”[13]

 

3.3- التعليم

شكل التعليم مشتلا خصيبا لصناعة الوعي عند أغلب المتعلمين. ذلك أن القائمين على هذا المجال كانوا في أصلهم النخبة المثقفة الواعية. وتبعا لذلك فبدهي أن تنتج المدرسة نخبا مستقبلية في مستوى ظرفيتها الزمنية. ولعل نجاعة المدرسة المغربية بعيد الاستقلال راجع أساسا إلى جملة من العوامل، كان للرواية فضل الإشارة إليها، والتي يمكن تجليتها من خلال هذا الجدول:

عوامل النجاعة المدرسية بعيد الاستقلال المرجع من الرواية
حديثة عهد بالمستعمر “دخلت المدرسة على عهد المدير المغربي الجديد، وكان كل محيطها ونظامها وهوائها يحمل أثرا للمدير الفرنسي المغادر. البستنة والتشجير، والنظافة، والانضباط، كل ذلك كان لا يزال قائما.”[14]
الحزم والصرامة بالنسبة لجميع المتدخلين “وأذكر أن المدير والمعلمين وحارس المدرسة، جميعهم، كانوا مثالا للحزم والصرامة”[15]
الحرص على تمكن التلميذ وتفوقه “فكان الواحد منا لا ينتقل إلى التعليم الإعدادي إلا وقد تمكن من اللغتين العربية والفرنسية في حدود ما يقدر عليه تلميذ في سنه ومستواه (…) هذا ونحن ندرس بالبادية، فما بالك بتلامذة المدن، حيث تتوفر المكتبات ووسائل الترفيه والاستفادة…”[16]
الاهتمام بالأنشطة الموازية للتعليم مثل استضافة الأنشطة السينمائية،[17] والتوثيق بالصور الفوتوغرافية،[18] والتعاونيات المدرسية.[19]
الاهتمام بالجانب الصحي والغذائي “والمطعم الذي كان يقدم وجبة الغذاء للتلاميذ المحتاجين (…) وكل سنة كان ممرض الفيلاج يمر على المدرسة فيفتشها قسما قسما ويتفحصها تلميذا تلميذا”[20]

وما قيل عن المدرسة الابتدائية ودورها في تنشئة تلميذ متفوق واع، يقال عن الإعدادي والثانوي. غير أن ذين المرحلتين تميزتا بحافز إضافي سرع من وثيرة اكتساب الوعي عند بطل الرواية، ويتعلق الأمر بمنشأة الداخلية التي  حافظت على مكتسبات التلميذ بما اتسمت به من صرامة وضبط ومهنية في التسيير، وأتاحت إلى جانب ما حافظت عليه فرصة الاحتكاك بتلاميذ آخرين من مختلف مدن المغرب، مما جعلها “فسيفساء جميلة من اللهجات والنبرات الصوتية الغنية والمتميزة. خلطة مغربية عجيبة لتعلم التعايش.”[21]

وبفضل هذا التعليم، تربى في بطلنا حب المطالعة منذ الابتدائي، فكان هذا حافزا إضافيا لتشكل وعيه. وقد زاد نظام الداخلية الصارم من حدة هذا الحب، فأقبل على المعرفة والإبداع، يعب من معينهما عبّاً، لتكون هذه الحقبة الزمنية خاصة سلك الثانوي بداية الانتقال من مرحلة تشكل الوعي إلى مرحلة التمظهر والبروز. فما هي أهم سمات هذه المرحلة؟

4.     الوعي ومسارات التمظهر

باستقراء تمظهرات الوعي في رواية وجع المنازل، يمكن الكشف عن مستويين اثنين من تمظهراته فيها، وكل مستوى يفضي للذي يليه بشكل مباشر .

1.4- مستوى طرح الإشكاليات

سبق أن أشرنا إلى أن السياق التاريخي الذي عاشه البطل في طفولته هيأه لتسجيل بعض المفارقات، مما كان سنه لا يسعفه في سبر أغوارها، حيث كان يكتفي بالمعاينة والفهم السطحي دونما نفاذ إلى العمق كما جاء على لسانه: “كنا مجرد أطفال نرى الظواهر ولا نفسرها”.[22]

أما وقد صار الطفل شابا متعلما واعيا، فقد انتقل إلى التحليل وإلى البحث عن الإجابات مستندا إلى رصيده ومنطق زمانه الفكري، متسلحا بسلاح المقارنة بين ماضي الاستعمار وواقع الاستقلال هاته المقارنة التي “بها يتم تسييج الذات الغيرية في تشابهاتها واختلافاتها مع الذات”.[23] “وضعية الأشياء والإنسان بين نسقين من الفكر، وبين عقليتين، أصبح ذاك هو السؤال الأهم، وكذلك كان هو السؤال الذي اخترق كالخنجر طبقات جلدنا الرهيفة والهشة. وكان هو السؤال الذي يحمل في طيه الجواب عن سؤال أقدم منه بقرنين من الزمان: لماذا تقدموا وتخلفنا؟”[24]

هكذا يطرح البطل الأسئلة الشائكة وهكذا يحول الإجابة عنها: “والحل لم يكن بأيدي أطفال صغار، ولا بأيدي أوليائهم، الحل كان بين يدي من يعتبرنا “بقر علال” ويعتبرهم أولاد عيسى وسليلي الأنوار.”[25]

إن هذه المرحلة مستندة دوما على معاينات الطفولة، تحاول لملمة أطراف أسئلتها البريئة بالإجابات المؤجلة المنسوجة بخيوط الوعي والتجربة والتاريخ الذي يصنع أمام العين، يكذب مدعي الأمس القريب. “لقد أدركت مذ طفولتي تلك، وبيسر وسهولة، بأن الفرق بيننا وبين الغرب هو فرق في العقليات (…) وأدركت بعدها بأن كل عقلية هي نتاج تجربتها الخاصة، وشرطها التاريخي والحضاري، فيا لبؤسنا ويا لقلة حظنا من التحضر والتجربة! كان الواقع يصرخ بأسئلة تتخطى حدود إدراكنا وقتها (…) كنا أطفالا نستبطن الأسئلة في انتظار أن نبحث لها عن أجوبة بأنفسنا. وعلى طريقتنا الخاصة، سنكتشف بعد سنوات فقط، بأن المغربة نوعا ما، والتأميم بشكل خاص، لم يكونا سوى عارضة صغيرة في كتاب الرأسمالية المشفر سرعا مما ستمحى من التاريخ كما تمحى الفواصل من الفقرات، ويعود المعمرون لتدبير شؤوننا بالتفويض، وتتحول الضيعات وغيرها من المنشآت العامة إلى القطاع الخاص.”[26]

إن الإجابة عن أسئلة الماضي والحاضر لن تكون إلا في إطار وعي قادر على الاستيعاب والتأمل والتحليل، ولن يقف عند هذا الحد، وإنما يجعل صاحبه يرقى من عتبة التحليل إلى عالم النضال والانخراط في هموم المجتمع، وأجرأة المجرد. وهو ما سنتبينه في المستوى التالي:

2.4- مستوى الفعل الواقعي والأجرأة.

وهو الذي أعقب مستوى طرح الأسئلة الواقعية الحارقة، وتلا مرحلة الإجابة بشكل مباشر، حيث إن طبيعة الإجابات في المواضيع ذات الطابع السياسي تستتبع بالضرورة أجرأتها على الواقع، مادام أن أسئلتها أنتجها المعيش اليومي وليس المجرد. وهذا من سمات الذات الواعية التي تحول الفكرة إلى حقيقة. والحق إن رواج الفكر الشيوعي في أرجاء المعمور قد أفاد منه واعو المجتمع المغربي، بحكم وحدة شروطه، إذ أن المغرب بعيد الاستقلال لم يكن في مستوى تطلعات محاربي الاستعمار، ليظهر نضال جديد ضد هيمنة الطبقة البورجوازية وتسلطها على مقدرات البلد وخيراته تحت يافطة النظام الرأسمالي الذي هو “علامة هيمنة أو تفوق إيديولجي.”[27]

وقد وجد البطل نفسه سائرا في هذا الركب مقتنعا به كآلية فعالة مقاومة للاستعمار الجديد. هكذا تشبع باليسار وتبنى شعاراته. “أذكر إذن، أنه في هذه المرحلة (أي الثانوية) انتقلت من الاهتمام بالكتب وحدها، إلى الاهتمام بالواقع العيني الحي. فبدأت أفكر في شيء اسمه الإيديولوجيات (…) أعترف أنه في هذه المرحلة أصبح النضال عندي، هو الطريق الوحيد لخلاص الإنسان من الاستبعاد، ولكسر القيود والأغلال. وأعترف أنني في هذه المرحلة ملت إلى اليسار.”[28]

وبقدر ما كانت الجامعة بوابة للتعبير بشكل أكبر عن وعي البطل، كانت أيضا عاملا من عوامل صقل هذا الوعي وبلوغه مرحلة النضج؛ فعدم تفريط الرجل في المعرفة والبحث قاداه إلى اكتشاف، عن طريق أستاذه، أن الفكر بربيبته السياسة لا ينتج وعيا حقيقيا قادرا على حل الأزمات، وإنما ينبغي ربط الفكر بالأدب والحيادية مع المخالف: “واعلم أن مناقشة الأفكار ليست بسهولة الطعن في الأشخاص، فالطعن في الأشخاص لا يحتاج سوى إلى الجهل وقلة الحياء والأدب وسلاطة اللسان، أما مناقشة الأفكار فتحتاج إلى الدرس والتحصيل والتمعن والتمحيص، وهي كلها عمليات صعبة وشاقة، وأغلب الناس يميلون إلى السطحي والبسيط والتافه (…)فاترك الشتم والطعن في الأشخاص للسياسين، فهؤلاء هدفهم هدم خصومهم (…) أما المفكر فهدفه النقد من أجل البناء.”[29]

  1. خلاصة

كانت هذه أهم ملامح حضور الوعي في رواية “وجع المنازل” لجمال الدين حريفي، رمنا الكشف عنها من خلال تمفصلين اثنين: الأول هو سياقات التشكل؛ حيث إن الوعي يكتسبه المرء من خلال المعايشة، سواء تعلق الأمر بالعائلة أو بالشرط التاريخي أو بالبيئة الحاضنة المواكبة لتدرج الإنسان في سلم العمر. أما الثاني فهو مسارات التمظهر، حيث تبدى أن الوعي يتجلى في النظر في الواقع والماضي والتقاط المفارقات ومحاولة الإجابة عن أسئلتهما، وإيجاد السبيل إلى نقل هذه الإجابة من عالم الفكرة إلى عالم الحقيقة.

[1] –  عبد العالي بوطيب، الكتابة والوعي : دراسة في أعال غلاب السردية. دار الحرف القنيطرة – المغرب. ط:1/2007. ص:7.

[2] – المرجع نفسه، ص: 7.

[3] – مثال ذلك أعمال عبد الكريم غلاب، والتي كانت محل اشتغال الكتاب المذكور سابقا.

[4] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. دار كلمات للنشر والطباعة والتوزيع، تمارة – المغرب. ط:1/2017. ص:75.

[5] – بسمة عروس، التفاعل في الأجناس الأدبية: مشروع قراءة لنماذج من الأجناس النثرية القديمة من القرنين الثالث إلى القرن السادس هجريا. دار الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط: 1/ 2010. ص:84.

[6]– جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 42.

[7]– علي جرادات، التعليم وبناء الوعي. جريدة الصباح العراقية الصادرة بتاريخ 14 نيسان / أبريل 2021 عدد: 5091. ينظر في موقع الجريدة الإلكتروني: https://alsabaah.iq تاريخ الزيارة: 20/03/2022.

[8] –  جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 43.

[9] – المرجع نفسه، ص: 35.

[10] – أقلعي خالد، السمات والخصائص الفنية لرواية الرحلة. ندوة ” الرواية والسفر…” م. م. ص: 87 ص: 88.

[11] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 107.

[12] – المرجع نفسه، ص: 109.

[13] – محاورات مع جورج لوكاش، ترجمة إلياس مرقص، بيروت، دار الطليعة، 1978، ص : 31. نقلا عن محمد جبار، قراءة في كتاب التاريخ والوعي الطبقي لجورج لوكاش منشور في صحيفة الحوار المتمدن الإلكترونية عدد: 4913 بتاريخ 09/02/2015. متاح عبر الرابط: https://www.ahewar.org تاريخ الزيارة 20/03/202.

[14] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 91.

[15] – المرجع نفسه، ص: 91.

[16] – المرجع نفسه، ص: 97.

[17] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 91.

[18] – المرجع نفسه، ص: 92.

[19] – المرجع نفسه، ص: 92.

[20] – المرجع نفسه، ص: 91 – 92.

[21] – المرجع نفسه، ص: 102.

[22] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 84.

[23]– عبد النبي ذاكر، الصورة… الأنا، الآخر. سلسلة شرفات 43 أكتوبر 2014. منشورات الزمن. ص:124

[24] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 107.

[25] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 107.

[26] – المرجع نفسه، ص: 109 – 110.

[27] – محمد جواد أبو القاسمي، نظرية الثقافة. ترجمة حيدر نجف. منشورات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت لبنان. ط:2/2017. ص: 96.

[28] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 118.

[29] – جمال الدين الحريفي، وجع المنازل. م. م، ص: 123.

المصادر والمراجع المعتمدة

  • الحريفي جمال الدين ، وجع المنازل. دار كلمات للنشر والطباعة والتوزيع، تمارة – المغرب. ط:1/2017.
  • أبو القاسمي محمد جواد ، نظرية الثقافة. ترجمة حيدر نجف. منشورات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت لبنان. ط:2/2017.
  • بوطيب عبد العالي ، الكتابة والوعي : دراسة في أعال غلاب السردية. دار الحرف القنيطرة – المغرب. ط:1/2007.
  • جريدة الصباح العراقية موقع الجريدة الإلكتروني: https://alsabaah.iq
  • ذاكر عبد النبي ، الصورة… الأنا، الآخر. سلسلة شرفات 43 أكتوبر 2014. منشورات الزمن.
  • صحيفة الحوار المتمدن الإلكترونية متاح عبر الرابط: https://www.ahewar.org
  • عروس بسمة ، التفاعل في الأجناس الأدبية: مشروع قراءة لنماذج من الأجناس النثرية القديمة من القرنين الثالث إلى القرن السادس هجريا. دار الانتشار العربي، بيروت – لبنان، ط: 1/ 2010.
  • ندوة ” الرواية والسفر : تقاطعات التخييلي والتسجيلي “. تنسيق وتقديم شعيب حليفي. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك – الدار البيضاء. مطبعة Force Equipement. ط:01/2015.

 

2 تعليقات

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

2 التعليقات

  • Khlifi
    19/10/2023, 2:16 م

    تحليل عميق ورائع.
    شكرا جزيلا للدكتور أيوب.
    أتمنى لك المزيد من التوفيق

    الرد
    • أيوب وحماني @Khlifi
      27/11/2023, 11:32 ص

      شكرا جزيلا لكم ذ الخليفي
      تحياتي

      الرد

آخر المقالات