728 x 90

 السياق في”رحلة العسكري الأخيرة”للكاتب جمال محمد ابراهيم، للباحثة فتيحة جبوري

 السياق في”رحلة العسكري الأخيرة”للكاتب جمال محمد ابراهيم، للباحثة فتيحة جبوري

 السياق في”رحلة العسكري الأخيرة”للكاتب جمال محمد ابراهيم

للباحثة فتيحة جبوري

جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب

fatihajabbouri22@gmail.com

،،

ملخص:

 

نستخلص من هذه الدراسة الموسومة ب “السياق في رواية “رحلة العسكري الأخيرة” للكاتب جمال محمد إبراهيم” مدى خدمتها للقارئ عبر ما تتيحه من وسائل السياق وعلاقتها بالنص، وما تبرزه من خصائص تيسر عملية استيعاب الخطاب.

ومن هذه الخصائص على سبيل المثال لا الحصر،

المرسل: ونجد تعدد الأشخاص  الذين يمارسون هذا الفعل من قبيل: صديق الشقيلي، سامي جوهر…

المرسل إليه: تنوع المتلقي بتنوع طريقة تلقيه للخطاب إما سمعا أو قراءة.

الحضور: تمثل في كل الشخصيات الموجودة على مستوى السرد الروائي.

المقام: نشرت الرواية عام 2018 بمدينة الخرطوم ببلد السودان.

 

مقدمة:

إن فعل التواصل بين الناس لم يكن اعتباطا ولا محض الصدفة، وإنما كان لغاية أسمى هي إبلاغ رسالة معينة، وتحقيق التفاعل من خلاله. فمسألة التواصل اللغوي تتحقق بواسطة الكلام، وتقوم بين مرسل يرسل رسالة على شكل كلمات، ومرسل إليه يتلقى الرسالة ويحاول فهمها وشرحها اعتمادا على السياق الذي وردت فيه.

وقد عرف السياق بوظيفته الناجعة في تحقيق التماسك النصي والتي تلزمنا بضرورة الإلمام بأهم عناصره اللغوية وغير اللغوية التي عني بها وهي: المرسل، المرسل إليه، النظام، الحضور، المقام، القناة ، شكل الرسالة، المفتاح.

ولعل الفهم السليم للغة يكمن في “فهم أدق للاشتراك الفعلي لعمليات تقع خارج اللغة الواقعية التي استلزمتها غايات تفسيرية لا محددة تتجاوز الأطر الظاهرة والنقلة السطحية، وترنوا إلى استمرارية التفاعل بين النص ومتلقيه في حركة تحافظ على دينامية النص من جهة وعلى تعدد القراءة التي تنتج نصوص خلاقة في الربط والتلقي اللغوي والجمالي من جهة أخرى”[1].

وبداية سنحاول إعطاء لمحة عن أهم العلماء العرب والغرب الذين اهتموا بعنصر السياق في كتاباتهم.

 

 

  1. السياق:

حقق السياق نجاحا كبيرا في دراسة النصوص واستخلاص معانيها باعتباره أداة معرفية أساسية ترتبط بشكل مباشر وقوي بالنص، وهو “إطار عام تنتظم فيه عناصر النص ووحداته اللغوية ومقياس تتصل بواسطته الجمل فيما بينها وتترابط، وبيئة لغوية وتداولية تراعى مجموع العناصر المعرفية التي يقدمها النص للقارئ”[2].

إذ أن السياق يحيل على معاني المفردات والجمل عن طريق ربط بعضها ببعض حتى تتضح الدلالة من ذلك.

ولا بد من التنبيه على أن السياق مصطلح شاع استعماله بمعان مختلفة وفوارق تميز بها كل واحد، فنجد كلمة المقام تعد مرادفة لكلمة الحال. كما أن هناك اختلاف بين السياق المقامي والسياق اللغوي، فالأول يوظف للدلالة على الملابسات الخارجية، والثاني يستعمل من أجل تفسير لفظة أو عبارة داخل النص.

ولأهميته الكبرى فقد كان نقطة اهتمام العلماء قديما وحديثا، ووظفوه من أجل استيعاب النصوص وتحليلها، بل وفهم مدار الكلام من وراءها.

وقد كان للعلماء القدامى السبق في إدراك دوره الكبير والمهم في استخلاص دلالات المفردات اللغوية، والإمساك بالمعنى الدقيق انطلاقا من معرفة السياق المقامي.

وقد انصب اهتمامهم هذا خاصة في تفسير النص القرآني، حيث كان الإمام الشافعي أول من تنبه إلى دوره في فهم كثير من الأحكام الشرعية الواردة في النص القرآني، ورصد معانيه بشكل دقيق وواضح.

“ولقد أخذ بالمنهج السياقي في التفسير كثير من المفسرين في مقدمتهم إمام المفسرين “ابن جرير الطبري” فكثيرا ما يحتكم إلى السياق، ومنهم أيضا “فخر الدين الرازي”، وكذلك “الزمخشري” في كتابه “تفسير الكشاف”، ومن المحدثين “محمد الطاهر بن عاشور” في تفسير “التحرير والتنوير””[3].

فقد كان السياق عنصرا أساسيا استعانوا به في معرفة دلالات النص وفهم مقاصده، وبالتالي تفسيره.

“ولذلك عد العلماء مراعاة السياق في فهم القرآن الكريم المنهج الأمثل في التفسير وضابطا من الضوابط المهمة في حسن الفهم والتأويل، وتجلت هذه القاعدة المنهجية – أي المنهج السياقي – في تفسير القرآن الكريم”[4].

ولدوره الكبير في الكشف عن المعنى، وإزالة اللبس والغموض صار محل اهتمام كبار المدارس على المستوى العالمي، وصار نظرية للدراسة الدلالية، ومن بين المدارس التي اهتمت به مدرسة “فيرث” من خلال نظرية سماها: “نظرية السياق”. وهي نظرية تصب اهتمامها حول السياق اللغوي، أي أن المعنى لا ينكشف من خلال دراسة وحدة لغوية، وإنما يمسك به جراء علاقتها بالكلمات المجاورة لها في النص.

فالأهم هو أن الغربيين عندما تناولوا فكرة السياق في القرن العشرين صاغوه في شكل نظرية لها من المعايير والأدوات ما يمكنها من فهم جميع أنواع النصوص.

وبذلك أولى الدارسون – النصانيون خاصة – عناية كبيرة بدور السياق وأهميته في فهم النص واكتشاف الظروف والملابسات الخارجية التي ورد فيها، والإلمام بها حتى تتوفر للقارئ/المتلقي العدة اللازمة التي تمكنه من تأويل وفهم العلاقات الكامنة فيه، لذا فإن معرفة الانسجام النصي له علاقة قوية بالسياق الذي أنجز فيه، وبالمتلقي الذي يدركه ويوضحه.

فالسياق هو الركيزة الأساسية في إنتاج نص/خطاب ما وفي فهمه، لأن المتكلم لا يمتلك القدرة اللازمة على إنتاج نص ما إلا إذا أتيحت له الشروط الخارجية التي تساعده وتيسر له عملية إنتاجه، وفي الآن نفسه لا يصل هذا النص إلى المتلقي بصورة واضحة إلا إذا كان على علم كاف بهذه الظروف التي ساهمت في صنعه وإخراجه إلى حيز الوجود.

وبالتالي يعمل مبدأ السياق – إلى جانب مبادئ الانسجام التي سنراها فيما بعد – على تحقيق الانسجام في أبلغ صورة عبر تعالقه “بالسياقات المختلفة سواء الداخلية أو الخارجية (…) وعدم الإحاطة بالسياق يقطع تواصلية الخطاب وانسجامه”[5].

وعليه وجب على المتلقي أن يكون على دراية كافية بمعارف لها علاقة بموضوع الخطاب الذي يستقبله سواء فيما يخص الخطاب أو ما عني بظروفه المحيطة به.

فالسياق مبدأ أساسي وفعال في استيعاب المعنى وتحصيل الفهم والوصول إلى التأويل الدقيق للخطاب، فهو مطلب مهم لا يمكن الاستغناء عنه من أجل الإمساك بالدلالة المنوطة بالنص، لأن اللغة لا تقتصر على الوحدات اللغوية والمعجمية والعلاقة التي تربط فيما بينهم فحسب، بل هي أيضا ظروف النص وملابساته الخارجية المختلفة التي صنع فيها.

“فالسياق يقوم في فهمه على مجموع بناء لغوي ما، لا تستقل وحداته التركيبية والمعجمية وحتى عباراته وفقراته الكبرى لتحقيق الفهم والغاية من الخطاب، فلا سبيل لتحصيل معانيه واستكشاف أفكاره إلا بالتعامل معه كبناء ملتحم يعلق سابقه بلاحقه، أي التعامل مع جزء من النص بحسب سياق وروده في النص، وهو ما يطلق عليه بالسياق اللغوي”[6].

وهذا النوع كما يتضح يتعامل مع النص باعتباره سلسلة من المفردات والجمل التي تشكل خطابا معينا. وبهذا لا يسعفنا في استخلاص الظروف المحيطة به والمتدخلة في إنتاجه. وهنا يأتي ما يسمى بمبدأ السياق المقامي/سياق التلفظ/سياق الحال/سياق الموقف وهو السياق غير اللغوي الذي يعد الأنجع في احتواء الخطاب من جميع جوانبه الخارجية، وفتح إمكانية تحليل الخطاب عن طريق “مجموعة العناصر التي تتوافر في موقف تخاطي معين، وأهمها زمان التخاطب ومكانه وعلاقة المتكلم بالمخاطب وخاصة الوضع التخابري بينهما”[7].

ولا بد من التنبيه أن السياق مصطلح شاع استعماله بمعان مختلفة حينا ومتباينة أحيانا أخرى، فقد ورد من جهة باسم السياق اللغوي، وبذلك استعمل للدلالة على الكلمات والعبارات التي تجاور بعضها بعضا داخل النص، وهنا تكون مهمة القارئ البحث عن تأويل كلمة أو عبارة انطلاقا من هذه التجاورات التي تؤلف فيما بينها والتي تفضي به إلى فهم مراد مؤلف النص.

ومن جهة أخرى يستعمل السياق مرادفا للمقال والحال والتلفظ والموقف فيحيل على مجموع الملابسات الخارجية التي أسهمت بشكل كبير في إنجاز النص.

ومن تم فالسياق تبرز أهميته في الفهم لكونه يقوم بحصر التفسيرات الممكنة للخطاب الذي ينتجه المتكلم، كما يساعد على تيسير التأويلات من خلال مجموعة من الخصائص التي يجب اتباعها ويمكن إجمالها في  خصائص متنوعة هي:

  • المرسل
  • المتلقي
  • الحضور
  • المقام
  • القناة
  • النظام
  • شكل الرسالة
  • المفتاح

 

 

  1. التحليل النصي للرواية من خلال عنصر السياق:

بما أن النص الروائي فعل تواصلي يجمع بين مكونين أساسيين:

المكون الأول ويتمثل في المرسل

المكون الثاني يتجلى في المتلقي.

فإنه بالضرورة يخضع لمبدأ السياق الذي يعد جزءا رئيسا في عملية خلقه وصنعه.

والآن سنتطرق في رواية “رحلة العسكري الأخيرة” لأي عنصر يساهم في قراءته ودراسته من أجل الإمساك بانسجام نصه في مجمله.

  • المتكلم/المرسل/الباث:

“هو الذات المحورية في إنتاج الخطاب، لأنه هو الذي يتلفظ به من أجل التعبير عن مقاصد معينة، وبغرض تحقيق هدف فيه، ويجسد ذاته من خلال بناء خطابه. باعتماد استراتيجية خطابية تمتد من مرحلة تحليل السياق ذهنيا والاستعداد له، بما في ذلك اختيار العلامة اللغوية الملائمة”[8].

بمعنى أنه المتكلم الحاضر أي الذات التي تتلفظ وتنجز القول من أجل التعبير عن أهدافها التي تريد ايصالها للمتلقي، والمتمثلة في رواية “رحلة العسكري الأخيرة” في الشخوص الآتية أسماؤهم:

  • صديق الشقيلي: المرسل أو المتكلم الرئيسي في الرواية الذي يكشف عن يوميات صديقه “سامي جوهر”.
  • سامي جوهر: صاحب اليوميات الأساسية في الرواية، والتي يحكي فيها تفاصيل بحثه المضني عن جذوره وجذور أجداده وتاريخهم رفقة صديقه المقرب “صديق الشقيلي”.

بالإضافة إلى شخوص ثانويين، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

  • عبد الفضيل جوهر: جد “سامي جوهر” الذي يحكي تفاصيل حياته في “كردفان” عبر مجموعة من الرسائل أرسلها إلى صديقه “عبد الفراج بك”
  • حاجة “السارة” هي أم نجوى التي أراد “سامي جوهر” الزواج بها، وهي امرأة صعبة المراس لم تقبل به زوجا لابنتها.
  • المستمع/المرسل إليه/المستقبل:

“هو الطرف الآخر الذي يوجه إليه المرسل خطابه عمدا (…) والمرسل إليه حاضر في ذهن المرسل عند إنتاج الخطاب، سواء كان حضورا عينيا أم استحضارا ذهنيا، وهذا الشخوص أو الاستحضار للمرسل إليه هو ما يهم في حركية الخطاب”[9].

بيد أن المرسل إليه يمثل طرفا ثانيا يستقبل الخطاب ويتلقاه عن طريق السمع أو القراءة.

فالقارئ قد يسمع الخطاب لحظة التلفظ به من طرف المرسل، أو قد يتلقاه عن طريق قراءته والاطلاع عليه.

ومنه فإن المتلقي هو القارئ المفترض بصفة عامة، وكذا المستقبل المتمثل في “عبد الفراج بك” الذي يرسل له “عبد الفضيل جوهر” خطابه، ويعد “سامي جوهر” مستقبلا كذلك لكونه المتلقي لخطاب الحاجة “السارة”.

  • الحضور:

” وهم مستمعون آخرون حاضرون يساهم وجودهم في تخصيص الحدث الكلامي”[10]

بمعنى أن كل مستمع سمع الخطاب لحظة وقوعه أو اطلع على مضمونه يمثل شخصية حاضرة داخل المتن الروائي.

ومن خلال رواية “رحلة العسكري الأخيرة” فإن الحضور هو كل الشخصيات الموجودة على مستوى السرد الروائي، سنقتصر على ذكر بعض منها للاستدلال:

  • شخصية “صديق الشقيلي”: شخصية رئيسة على طول السرد فهو السارد الأساس لأحداث الرواية، وهو كذلك يشارك مشاركة فعالة في سير هذه الأحداث ويساهم في تخصيص مجموعة من الوقائع الكلامية.
  • شخصية “سامي جوهر”: يمثل هو الآخر شخصية أساسية في سرد يوميات الرواية وفصولها التي هي يومياته، ويلعب إلى جانب “صديق الشقيلي” دورا مهما في الكشف على عدة وقائع تتضمنها الرواية.
  • شخصية “عبد الفضيل جوهر”: تلعب هذه الشخصية كذلك دورا هاما في تخصيص بعض الأحداث الكلامية منها ما ورد داخل المتن الروائي على لسانه، ومنها ما ورد على لسان بعض أصدقائه مثل عبد الفراج بك وعبد الجبار.
  • المقام:

هو “السياق الزماني والمكاني للحدث، وكذلك الوضع الجسمي للأطراف المشاركة من حيث هيئة الجسم وطبيعة الحركة وتقاسيم الوجه”[11]

أي أنه هو زمان ومكان الحدث التواصلي الذي يتضمنه خطابا معينا، إضافة إلى مختلف العلامات الفيزيائية التي تربط بين المتفاعلين فيما بينهم من قبيل: الايماءات، الإشارات، الهيئة أو الشكل الذي يتخذه الجسم، والتعبيرات التي ترسم على ملامح الوجه…

ومنه فإن زمان ومكان  رواية “رحلة العسكري الأخيرة” التي اكتملت وخرجت على إثرها إلى الوجود هو:

الزمان: تم نشر هذه الرواية عام 2013م.

المكان: تم نشرها في بلد السودان وبالضبط في مدينة الخرطوم.

أما عنصري الزمان والمكان اللذان يؤطران الحدث التواصلي داخل الرواية فهو متنوع ومنتشر بشكل كبير داخل متنها، فهي الوقائع التي تطرقت لها الرواية، والتي تشكل جزءا من الواقع الخارجي للسودان. نذكر على سبيل المثال:

ثورة 1924 التي تنتمي إلى الزمن الخارجي، وهي واقعة حقيقية انتفض حينها الشعب السوداني من أجل التعبير عن رفضه بوجود الكيان البريطاني داخل أرضه والتحكم في سياسة بلاده.

نجد كذلك قبيلة الدينكا التي توجد في دولة السودان، والتي تتميز بمعتقداتها وطقوسها الخاصة فيما يتعلق بالجانب الديني وغيرها.

وهي قبيلة تعتمد على قوتها اليومي من الزراعة ورعي الماشية.

ووقائع معركة كرري التي وقعت أحداثها في الواقع الخارجي بين قوات المهدية السودانية والقوات البريطانية سنة 1898، ودامت لساعات طوال أسفرت عن مقتل وجرح عدد كبير من الأنصار الذين انسحبوا في الأخير منهزمين.

هذا بالإضافة إلى العديد من الأحداث الأخرى التي تؤطر الرواية المدروسة والتي تمتد إلى الواقع الخارجي. وقد اقتصرنا على ذكر أمثلة منها فقط.

الزمان: 1990، 1924، 1916…

المكان: تحوي الرواية على عدة أمكنة مهمة ، لكن يبقى المكان الرئيسي الذي يؤطر مختلف الأحداث والوقائع هو بلد السودان بمختلف مدنه (الخرطوم، أم درمان…).

  • القناة:

“كيفية ربط حلقة الوصل بين الأطراف المشاركة في الحدث الكلامي –لفظا أم كتابة أم إشارة أم باستعمال الدخان؟”[12].

بمعنى الطريقة التي يتواصل بها كل من المرسل والمتلقي، بيد أن اللغة اللفظية أو غير اللفظية أو الإشارات، كلها قنوات تسمح بربط أواصر المتفاعلين ومشاركتهم في حدث كلامي معينا بواسطتها.

وعليه فإن عملية التواصل بين المرسل والمتلقي تمت عن طريق الكتابة الروائية.

هذه الكتابة مثلت حلقة وصل وتواصل بين المرسل والمرسل إليه، وحققت السيرورة التواصلية فيما بينهم عن طريق فعالية التحادث الخطابي المكتوب.

فالكتابة شكل من أشكال التواصل التي تجعل من الخطاب مستمرا بين المتفاعلين حول الحدث التواصلي.

  • النظام:

المقصود بالنظام تلك “الشفرة المستعملة أي اللغة أو اللهجة أو الأسلوب المستعمل”[13]

وهو اللغة أو اللهجة التي تم توظيفها في صياغة خطية رواية “رحلة العسكري الأخيرة” من أجل ايصال مدار الحدث الكلامي.

لقد تضمنت هذه الرواية اللغة العربية الفصحى فقط، مع وجود كلمة واحدة من الدارجة السودانية هي: “المزين”[14].

ولقد أدت اللغة المتينة داخل المتن الروائي دورا فعالا في تحقيق التواصل بين الباث والمتلقي لكونها أداة اتصال وتواصل بين المتفاعلين غرضها التوضيح والتبليغ.

إن لهذا التوظيف الأساسي للغة العربية الفصحى بأسلوب راقي سلس وجميل مقصده جذب انتباه القارئ وتيسير الاطلاع على هذه الرواية دون ملل أو كلل.

فبهذا الأسلوب الرصين والبسيط إن صح التعبير (لأنه لم يوظف غريب اللغة أو الألفاظ، كما أن المفردات اللغوية المستعملة دقيقة ، عميقة وواضحة) تأسر المتلقي، وتسهل عملية القراءة وتحصيل الفهم السوي والصائب.

تضمنت كذلك الأسلوب الحواري الذي نلمسه بشكل جلي في الرواية فهناك الحوار الذي دار بين “عبد الفراج بك” و “سامي جوهر” وحوار بين حاجة “السارة” وسامي جوهر وغيرها من الحوارات.

  • شكل الرسالة:

هو الإطار العام للخطاب المدروس، فرواية “رحلة العسكري الأخيرة” جاءت على شكل رواية لمجموعة من الأحداث والوقائع المكثفة، اعتمد في تقديمه لها على تواريخ وأمكنة مختلفة وحقيقية، إضافة إلى شخصيات حقيقية وأخرى متخيلة.

والرواية جنس أدبي خيالي يعتمد السرد والنثر، وهو وعاء جامع لعدة عناصر منها الراوي والأحداث والشخصيات، إضافة إلى الزمان والمكان.

وتتميز الرواية عن غيرها من الأجناس الأدبية بطولها وتشابك الأحداث فيها، ومن أهم العناصر التي تساهم في عملية بناءها هي: المقدمة، وعرض الأحداث، العقدة، ثم الحل.

وتعتمد على أسلوب فني بضمير المتكلم أو الغائب، أو الحوار، أو المناجاة…

ونجد الأسلوب الموظف في المتن الروائي المدروس هو: السرد بضمير المتكلم الذي يلعب دور راو شاهد على الأحداث، وفي نفس الآن فهو أحد الشخوص الرئيسة كما هو الشأن في السير الذاتية.

  • المفتاح:

هو التقويم الصائب للرواية، أي هل تمت الاستفادة منها بشكل واضح ومفهوم، هل قدمت لنا شرحا مثيرا أو موعظة أو ما شابه ذلك.

قدمت الرواية شرحا مثيرا لمجموعة من الأحداث المكثفة بشكل يشد انتباه القارئ لدرجة لا يستطيع العقل أن يشرد حتى لا تضيع منه حلقاتها الدلالية ويستطيع الامساك بمعناها الإجمالي.

وعلاوة على ذلك فالرواية تشتمل على الأفق التاريخي الذي يتجلى في ذكر العديد من الأسماء تخص مؤرخين سودانيين، وبعض الكتب التاريخية والوثائق، إضافة إلى مجموعة من السنوات والأمكنة والوقائع التاريخية.

ونجد كذلك في اللغة المعتمدة عدد كبير من الروابط المتنوعة والمختلفة فيما بينها، على اعتبار أن اللغة من بين الوظائف التي تؤديها هي الوظيفة الحجاجية، نذكر من هذه الروابط:

العطف: الواو، الفاء…

الاستدراك: لكن، بل…

السبب: لأن، لهذا، إذن…

النفي: لا، ليس..

وبناء على ما سبق فإن اللغة التي احتوتها رواية “رحلة العسكري الأخيرة” لغة رصينة ومتينة متنوعة المفردات والمعاجم.

خاتمة:

وبهذا يكون السياق قد لعب دورا هاما في رواية “رحلة العسكري الأخيرة” حيث تجلت كل مكوناته في المتن الروائي من عدة نواحي، نجد مثلا: الناحية العاطفية والثقافية واللغوية…

وعلاوة على ذلك فقد ساهم السياق في توضيح العلاقة القائمة بينه وبين النص من خلال خصائص تيسر عملية استيعاب الخطاب ومجريات أحداثه ووقائعه. ومن هذه الخصائص: المرسل، المرسل إليه، شكل الرسالة……

 

 

[1] سعيد البحيري، علم لغة النص والمفاهيم والاتجاهات، مكتبة لونجمان، القاهرة، ص 13.

[2]  عبد الرحمان بودرع، أثر السياق في فهم النص القرآني، ص: 73.

[3]  مسعود صحراوي، المنهج السياقي ودوره في فهم النص وتحديد دلالات الألفاظ، ( نقلا عن موقع الشهاب: www.chihab.net/.modules.php.)

[4]  عبد الرحمان بودرع، أثر السياق في فهم النص القرآني، ص: 75.

[5]  الطيب الغزالي قواوة، الانسجام النصي وأدواته، مجلة المخبر، أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة حيضر، سكرة، الجزائر، العدد الثامن، 2012، ص: 7.

[6]  أحمد المتوكل، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي الأصول والامتداد، ص: 172.

[7]  المرجع نفسه، ص: 172.

[8]  عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص: 45.

[9]  عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، ص: 47-48.

[10]  محمد خطابي، لسانيات النص، ص: 53.

[11]  براون ويول، تحليل الخطاب، ص: 48.

[12]  براون ويول، تحليل الخطاب، ص: 48.

[13]  براون ويول، تحليل الخطاب، ص: 48.

[14]  جمال محمد ابراهيم، رحلة العسكري الأخيرة، ص: 123.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

آخر المقالات