728 x 90

دور القيادة في تدبير مقاومة التغيير بالإدارات العمومية. الدكتور عبد المنعم الأنصاري

دور القيادة في تدبير مقاومة التغيير بالإدارات العمومية. الدكتور عبد المنعم الأنصاري

دور القيادة في تدبير مقاومة التغيير بالإدارات العمومية

الدكتور عبد المنعم الأنصاري

كلية الحقوق السويسي – الرباط

 

إن القيادة الذكية هي من تسعى إلى تبني عمليات استراتيجية تتوخى التقليل من مقاومة التغيير، لذلك يتطلب لتدبير التغيير التنظيمي أن يتوفر المدبر (الشخص الطبيعي) على مجموعة من المواصفات والقدرات حتى يستطيع التأثير في من حوله، وهي ما يصطلح عليه في أدبيات الإدارة بالقائد leadership باعتبارها مهارة التأثير في الناس، وتحريكهم في اتجاه العمل بحماس قوي على تحقيق أهداف محددة ومشتركة بشخصية أخلاقية قويمة توحي بالثقة، وبعبارة أخرى، فإن القيادة هي التأثير في الناس للمشاركة بإرادتهم واختيارهم في السعي نحو تحقيق أهداف مشتركة[1].

وتمثلالقوىالرافضةللتغييرمصدرإزعاجلهذه القيادة،لصلابةمواقفهاالتيتتميزبالرفضالمستمرلكلعمليةتغييرجديدة، لذلك تعني مقاومة التغيير في هذا المستوى، امتناع الأفراد عن التغيير أو عدم الامتثال له بالدرجة المناسبة، والركون إلى المحافظة على الوضع القائم[2].

ويعتبر القادة الإداريون بمثابة قوى حاسمة في تدبير مقاومة التغيير، وذلك من خلال حسن توظيفهم لمهامهم واختصاصاتهم، والسلط المخولة لهم، والأدوار الشخصية، والأدوار في مجال إيصال المعلومات وصناعة القرار.

من جهة أخرى يبرز دور القادة الإداريين في القدرة على تبني رؤية مشتركة بين مجموعة من الأفراد،وضمان دعم الآخرين للمساعدة في تحقيق المشاريع، ووضع المعايير من خلال القدوة الشخصية والتشجيع ومكافئة النجاح[3].

وفي الإدارة العمومية تعد هيئات المديرين المسؤولة عن ضمان وتنسيق وتنظيم العمل بين الموظفين من أجل تحقيق أهداف الإدارة بفعالية ونجاعة، غير أن العملية الإدارية ليست مجرد تسيير للأعمال أو ممارسة للرئاسة، بل هي عملية قيادة بالدرجة الأولى، فالسلطة الإدارية وحدها قد ترغم الموظفين على الرضوخ لمتطلبات التغيير، ولكنها لا تلهمهم ولا تحفزهم ولا تبعث فيهم الحماس والانتماء والإبداع والتفاني، فمهمة القائد الإداري ليست بالسهلة إزاء هذا التغيير، وهي مهمة التعامل معه وإدارته بطريقة صحيحة لكي يحقق الهدف المنشود بدون ترك آثار سلبية على المنظمة أو العاملين فيها جراء هذا التغيير، هذا المعنى يتفق مع المفهوم الإنجليزي LEADERSHIP بما هي القدرة أو التأهل للزعامة والحشد والتعبئة.

وقد قام العالم دينهارت وزملاؤه بتمييز اثني عشرة وظيفة تبرز ما يجب على مسيري الإدارات العمومية والمؤسسات ذات المنفعة العامة القيم به، من بينها الوعي بالعوامل الخارجية التي تساهم في تحديد القضايا المؤثرة على وحدة العمل، وإطلاع المرؤوسين بكل المستجدات، وتمثيل الوحدة، والتنسيق والتخطيط والتوجيه وإعداد الميزانية وتدبير المعدات وشؤون الموظفين والإشراف والتتبع والتقييم، كما قام بتمييز عشر خصائص تتعلق بكيفية تنفيذ هذه الوظائف بشكل فعال، لاسيما من خلال العمل وفقا لمنظور واسع النطاق، ووجهة نظر استراتيجية مع الأخذ بعين الاعتبار الحساسية البيئية ودور القيادة والمرونة في العمل وتوجيه العمل والتركيز على النتائج وتسهيل التواصل ومراعاة حساسية التعامل مع الآخرين وتثمين الكفاءة التقنية[4].

استراتيجيات المدير /القائد لتدبير مقاومة التغيير بالإدارات العمومية

إن اعتماد مجموعة من الاستراتيجيات لتدبير التغيير كفيل بالحد من مقاومته، مع تــوفير المنــاخ الملائــم الــذي يشــجع ويحفــز العــاملينلاســتخدام أقصــى طاقــاتهم وإمكانيــاتهمخاصة في المجالات الآتية:

  • التواصل وبناء الثقة

من طبيعة الإنسان ارتباط مستوى انخراطه في أي عمل بمشاعره وحاجاته النفسية، فسيادة جو الثقة بين المدير/ القائد والموظفين، وحسن تواصله معهم، وإتاحة الحق في التعبير عن آرائهم وأوجه اختلافهم تعد فرصا لتشخيص أسباب المقاومة، ومن تم العمل على تغيير النظرة السلبية إلى التغيير، وتحفيزهم على الانخراط الفعال في العمل.

كما أن هناك قاعدة في ميدان التغيير التنظيمي تنص على أنه كلما كان هناك غموض أو نقص في المعلومات لدى العاملين في المنظمة، كلما كان ميولهم إلى مقاومة التغيير أكبر،لذلكفالقائد الفعال يجب أن يجعل أسباب التغيير ومضامينه وآثاره معروفة وواضحة،بأساليب وآليات تواصلية فعالة تتيح للجميع الاطمئنان للتغيير والانخراط فيه، بحيث يجب أن يكون هذا التواصل مستمرا طوال العملية.

وجدير بالذكر أن فعالية التواصل مرتبطة بمناخ عمل إيجابي يسوده التقدير المتبادل بين الجميع، وفي سياق تدبير مقاومة التغيير يسعى القائد إلى إتاحة الفرصة للموظفين التعبير عن مشاعرهم وقلقهم من التغيير، الأمر الذي يتيح له معرفة أسباب مقاومة التغيير وبالتالي تجاوزها أو التقليل من حدتها.

  • التحفيز

تعد عملية التحفيز رافعة قوية للتدبير الجيد، بحيث يسمح بتعبئة الموظفين وتوحيدهم نحو النتائج المرجو تحقيقها، من خلال ” دفعهم لاتخاذ سلوك معين أو إيقافه أو تغيير مساره[5]“.

على هذا الأساس، فالتحفيز شعور داخلي لدى الفرد يولد فيه الرغبة لاتخاذ نشاط أو سلوك معين بهدف تحقيق أهداف محددة، ومن حيث التأثير الخارجي، فهو مجموعة من العوامل الخارجية التي تثير أو تدفع الموظف إلى سلوك معين بهدف إشباع رغباته وحاجاته من جهة، وتوجيهه نحو تحقيق أهداف الإدارة من جهة أخرى.

كما أن الحافز يتمثل في كل عنصر مادي أو معنوي أو اجتماعي يستطيع القائد/ المدير من خلاله أن يحرك لدى الموظف دوافع العمل وأن تولد فيه رغبة الأداء الجيد لعمله في أقصى مستويات الفعالية والمردودية.

ومن الحوافز المهمة المساعدة لتقليل مقاومة التغيير الاعتراف بالمساهمات الإيجابية للموظفين، وتعزيز انخراطهم الفاعل في التغير بالجزاء المادي كتخصيص المكافآت المالية والعينية للمتميزين منهم، وبالجزاء المعنوي كتقديرهم أمام زملائهم ومرؤوسيهم.

  • الإشراك الفعال

أثبت النموذج التقليدي للقيادة الذي يركز على التوجيه قصوره في تدبير مقاومة التغيير، واستمالة الموظفين للانخراط  الفعال في التغيير، ليتم استبدالهبالقيادة التي تؤمن بالمشاركة والاشراك، خاصة وأن إنجاح التغيير بفعالية رهين بعملية إشـراك المــوظفين في بلورة أهــدافهومضامينه، خاصة وأن ذلك ســيجعلهم أكثــر إدراكــا لكيفيــة تطبيقــه، ولنتائجــه، وأهدافــه وللمشــكلات الــتي يمكــن أنتـتمخض عنـه، كما أن القائد/ المدير يكون أكثر قربا من الموظفين، يسمع لآرائهم ومقترحاتهم وانتقاداتهم، ويسعى إلى تحسيسهم بأهمية العمل الجماعي فيتنفيذ برنامج التغيير بنجاعة وفعالية، وهي مقومات أساسية لتجاوز أسباب مقاومة التغيير.

وجدير بالذكر أن عملية الإشراك لا تخلـو مـن بعـض المشـاكل، خاصة إذا كانت عملية الإشراك شكلية من قبل القائد/المدير، مما ينتج عنه جوا من الامتعاض والكراهية، الأمر الذي يدفع الموظفين إلى إفشال عملية التغيير، ولذا يجب أن تكون عملية الإشراك عملية حقيقية وصادقة من قبل المدير،أي أن الإشراك الفعال يقتضي على الخصوص أن يكون بنيويا لا ظرفيا،وأن يدخل في إطار صيرورة مستمرة داخل التنظيم.

  • القائد القدوة/ النموذج

من المقومات الأساسية للقيادة أن يكون القائد قدوة للعاملين معه، فيسعى أن يكون نموذجا في الالتزام بالعمل، والحرص على بث روح هذا الالتزام في العاملين معه، مع الإشارة إلى اليقظة الدائمة لتحقيق أهداف التغيير وتمثل مضامينه.

ومن متطلبات القيادة تحلي القائد بصفاتالأمانة والكفاءة،لما في ذلك من أثر فعال في نفوس العاملين، وفي بيئة العمل عموما، فمن جهة يفتل ذلك في ترسيخ القيم وتخليق الإدارة، ومن جهة أخرى تكون كفاءته وتفانيه في العمل وحماستهمصدر إلهام الموظفين للاستفادة القصوى من كل طاقاتهم.

كما أن أهمية القيادة تتعاظم في أوقات الأزمات والمخاطر الناتجة عن التغيير، وهي أوقات تشتد فيها مقاومة التغيير على اعتبار غلبة حجية المقاومين،فدور القائد حينئذ أن يتحمل مسؤوليته في ذلك، وأن يواجه العقبات بحكمة بالغة، ويسعى إلى بث روح المسؤولية فيمن معه.

  • التكوين والتأهيل

في كثير من الحالات تكون مقاومة التغيير تعبير غير مباشر لضعف كفاءة العاملين في ميدان التغيير، وعدم قدرتهم على مواكبة التغيير، خاصة في المجالات التي تتطلب كفاءات جديدة للموظفين، لذلك فالتكوين والتأهيل في متطلبات التغيير كفيل بالتخفيف من مقاومة الموظفين، وذلك بوضع إستراتيجية شاملة للرفع من قدرات الموظفين، وتطوير كفاءتهم، والحرص على تأهيلهم للمهام التي يتطلبها التغيير، مع إحاطتهم بالعناية وبث روح المسؤولية والاستقامة فيها.

  • التخطيط الاستراتيجي للتغيير

         تبرز أهمية التخطيط في حسن تدبير موارد الإدارة في علاقتها بالتوقعات المستقبلية وما قد يحمله من مفاجآت وتقلبات، فالأساس هو حرص القائد/ الدير على وضع إستراتيجية شاملة للرفع من قدرات موارد المنظمة وطرق تدبيرها، والحرص أيضا على الملائمة بين المهام والكفاءات وتحفيزها وتحسين ظروف عملها.

ومنالمخاطر التي قد تهدد العملية برمتهامقاومة التغيير من قبل الموظفين،الأمر الذي يتطلب اعتبار وقوعها أثناء بلورة التخطيط للتغيير، واليقظة الدائمة أثناء التنزيل، والتدخل المناسب في حالة وقوعها عبر مجموعة من الإجراءات المحددة سلفا.

إن حاجة الإدارة العامة إلى التطوير والتغيير في ظل التوفيق بين تلبية حاجيات المواطنين الحالية والمستقبلية والإمكانات المتاحة لهذه الإدارات، يدعوها إلى الاستفادة من مختلف الآليات الحديثة الكفيلة بتحقيق الحاجات الكمية والكيفية لمرتفقيها، خاصة الآليات التدبيرية التي يعتمدها القطاع الخاص في مجال تطوير وتنظيم أجزته.

وبفعل الإكراهات والتحديات التي تعرفها الإدارات العامة، فقد أصبحت في أمس الحاجة إلى تغيير مناهجها التدبيرية، وبذلك فهي مدعوة إلى استخدام وتوظيف مجموعة من المفاهيم والتقنيات والآليات الحديثة، خاصة في ظل ما يسمى التدبير العمومي الحديث.

إن تطبيق هذه المقاربة بدون شك سيزيد من فعالية ومردودية المرفق العمومي وتحسين علاقته مع المرتفقين من جهة، كما ستساهم كذلك في الحد من الآثار السلبية الناتجة عن مقاومة التغيير التنظيمي من خلال اعتماد مجموعة من الاستراتيجيات، وآليات وتقنيات التدبير العمومي الحديث.

         وفي سياق تدبير مقاومة التغيير التنظيمي بالإدارات العامة، تبدو الحاجة إلى تأهيل القائد وتكوينه لاكتساب مجموعة من المهارات التدبيرية الكفيلة بالحد من الآثار السلبية الناتجة عن مقاومة التغيير التنظيمي ومعالجته، دون أن ننسى أهمية الإعداد القبلي للموظفين لعملية التغيير التنظيمي المرتقب، وما يترتب عنه من أثر بالغ فيإدماجهم وانخراطهم في هذه العملية،فضلا عن دوره الكبير في تيسير مهام القائد في إنجاح هذا التغيير والتطوير.

[1]سعيد جفري وأحمد منيرة، الإدارة العمومية المغربية وسؤال الإصلاح؟ الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الدار البيضاء، طبعة 2013، ص:92.

[2] أحمد يوسف دودين، إدارة التغيير والتطوير التنظيمي، مجموعة اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، طبعة 2017، ص:43.

[3]Encyclopedia of public administration and public policy, DAVID SCHULTZ, Library of Congress Cataloging-in-Publication Data, Printed in New York, 2004, P.251

[4]ميشيل س.دو فريس، فهم الإدارة العامة، ترجمة جواد صديق، منشورات مجلة العلوم القانونية، مطبعة الأمنية، الربط، 2019، مرجع سابق، ص: 174.

[5]Xavier DoubletBernard DreyfusPascal Blazquez«  guide pratique du management  des organisation publiques ».SEFI / Arnaud Franel, 2000,, p 193.

1 تعليق

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

آخر المقالات